قاد التوتر في الشرق الأوسط الأسبوعين الماضيين الذي تسبب به استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق إلى زيادة معامل المخاطرة في أسواق النفط ما انعكس على الأسعار صعودا وسط تنبؤات جيوسياسية كانت تشير إلى زيادة في حدة التوترات في انتظار رد إيراني كبير على الهجوم الذي اتهمت فيه إسرائيل وتوعدت بالرد عليه. احتسبت الأسواق هذه المخاطر التي تحيط بكبار المنتجين الرئيسين في المنطقة والعالم حيث لامس خام برنت مستوى 92 دولارا لأول مرة منذ ما يزيد على ستة شهور. بيد أن الرد الإيراني الأخير وإرسالها أكثر من 300 مسيرة وصاروخ ردا على الهجوم الإسرائيلي الذي لم يحدث أي نوع من الخسائر البشرية أو الاقتصادية أو العسكرية سوى أضرار طفيفة كان أقل من مستوى التصعيد وعوامل المخاطرة المحتسبة في الأسواق حيث أفضى إلى هدوء حذر وإن لم يحدد الإسرائليون موقفهم من الرد الإيراني حتى هذه اللحظة. هذا الهدوء الذي عم الأجواء ألقى بظلاله على التعاملات في أسواق النفط وتراجعت المكاسب في الأسواق تراجعا طفيفا بعد احتساب عوامل مخاطرة مرتفعة كانت ستقود إلى ارتفاعات في الأسعار. ولكن هل يعني هذا الهدوء أن لهيب أسعار النفط التي اخترقت حاجز 90 دولارا لخام برنت بدأت تخفت وتعود إلى مستويات متدنية، الإجابة هي أنه بالنظر إلى المحركات الرئيسة فإن التوتر في الشرق الأوسط والتطورات بين مضائقه المائية لم يكن المحرك الرئيس والوحيد وإن كان هذا الهدوء غير واضح المعالم والتبعات حتى الآن. فالطلب على النفط لا يزال في ازدياد لهذا العام وللعام المقبل وتوقعات منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية أجمعت على وجود طلب متزايد على النفط. كما أن التوتر في الشرق الأوروبي لا يزال قائما وحرب المصافي التي تشنها أوكرانيا على المصافي الروسية لا تزال ترهق الإنتاج الروسي وتحييد أكثر من 12 % من قدرته التكريرية وهو المنتج الرئيس في مجموعة أوبك بلس. وتشير الأرقام إلى تحسن في الاقتصاد الأمريكي كما تعززت التوقعات بتخفيض لسعر الفائدة هذا العام كما العام المقبل ما سيسهم في انتعاش الاقتصاد وتعزيز الطلب على النفط وتحرير القيود على مستويات نمو الأنشطة الاقتصادية. وهناك لاعب يدخل إلى السوق بصورة متكررة وهو انخفاض سعر الدولار وهو الذي يملك علاقة عكسية مع أسعار النفط فكلما قل سعر الدولار زاد الطلب على النفط المسعر بالعملة نفسها وهو ما يلعب لصالح ارتفاع أسعار النفط في الوقت الحالي. إلا أن أهم المحركات الرئيسة لا يزال في طور التفعيل وهو تخفيض الإنتاج الذي أقرته أوبك بلس وما زالت تلتزم به كمجموعة تقييدا للإنتاج وسعيا لإزالة أي فائض يقود إلى عدم استقرار السوق النفطية. كل هذه المحركات الرئيسة إذا استثنينا منها التوتر في الشرق الأوسط فإن هذا قد لا يعني أن أسعار النفط فقدت محركاتها الأخرى ووقود الارتفاعات المتوقعة خصوصا هذا الصيف الذي يبدو أنه سيكون ساخنا جدا في ظل احتدام المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
مشاركة :