تعيش العاصمة السودانية الخرطوم على وقع أزمات خانقة لا سيما بعد مرور أكثر من عام على النزاع المسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وتحولت حياة المواطنين بسبب تردي الأوضاع المعيشية للعودة إلى الحياة البدائية لمواجهة النقص الشديد في شتى الخدمات بعد انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصالات وندرة المياه، وباتت ظاهرة استخدام عربات الكارو التي تجرها الحمير أمرا مألوفا بعدما كانت قد تلاشت سابقا، والرجوع إلى "الزير" وهو إناء فخاري لتبريد المياه عوضا عن الثلاجات الكهربائية. وطالت المعاناة السكان بلا استثناء مما دفعهم أيضا إلى العودة للاحتطاب البدائي وقطع الأشجار في الشوارع والمنازل لاستخدامها وقودا للطهي، ووفقا لآخر إحصائية لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، فقد أدي النزاع المسلح إلي مقتل أكثر من 13 ألف شخص بينما تجاوز عدد الجرحى 26 ألفا. ويكابد سكان العاصمة السودانية الخرطوم الذين فضلوا البقاء علي مدي عام كامل من الحرب أوضاعا بالغة الصعوبة، ولجأ المواطنون إلي استخدام وسائل بديلة لمواجهة متطلبات الحياة. --عربات الكارو وسيلة التنقل أصبحت عربات الكارو، وهي عربة تجرها الخيول أو الحمير، وسيلة المواصلات الرئيسية للمواطنين في غالب مناطق العاصمة السودانية الخرطوم بسبب تعذر استخدام السيارات المعرضة لخطر النهب وصعوبة الحصول علي الوقود وارتفاع أسعاره. وقال عبد السلام جمعة، وهو مواطن من حي (جبرة) بجنوب الخرطوم، لوكالة أنباء ((شينخوا)) اليوم " نستخدم الكارو كوسيلة مواصلات للوصول إلى الأسواق القريبة، كما أنها الوسيلة الوحيدة لنقل المرضي والمصابين إلي مستشفيات المنطقة". وأضاف جمعة "أننا نستخدم عربات الكارو في خدمة توصيل المياه إلي السكان بالخرطوم مع استمرار انقطاع المياه منذ اندلاع الحرب"، مشيرا إلى أن عربات الكارو وسيلة نقل تقليدية كانت قد تلاشت سابقا، ولكنها تعود من جديد كوسيلة بدائية يضطر الناس لاستخدامها بسبب تأثيرات الحرب. وأشار إلى أن عربات الكارو كانت تستخدم سابقا في السودان، وخاصة في المناطق الزراعية، وهي عربة مكونة من أربعة إطارات أو اثنين، تقطرها الدواب وتستخدم لنقل المحاصيل الزراعية أيضا. -- الزير وسيلة تبريد المياه لم تجد الكثير من الأسر السودانية في الخرطوم وسيلة لتبريد المياه مع ارتفاع درجات الحرارة سوى استخدام الزير، وهو إناء مصنوع من الفخار، يعود إلي آلاف السنين ويصنع من طين البحر المحروق، ويستخدم لحفظ المياه وتبريدها، ويصفه السودانيون بأنه "ثلاجة الفقراء". وقالت رؤي مضوي، وهي من سكان حي الإنقاذ بجنوب الخرطوم "إنه مع انقطاع الكهرباء، وارتفاع درجات الحرارة لم نجد وسيلة مناسبة لتبريد المياه سوى استخدام الزير وهو من الوسائل القديمة التي كانت تستخدم سابقا، ومع التطور وانتشار الثلاجات الكهربائية كانت قد اندثرت هذه الوسيلة التراثية، ولكنها تنتعش الأن بسبب تأثيرات الحرب". وتابعت "هناك إقبال كبير الأن علي شراء الزير المصنوع من الفخار، حتي أن صناعته بدأت في الانتعاش أيضا ونلاحظ أن مصانع تقليدية لصناعة الزير وبعض الأواني الفخارية الأخري تنتشر في منطقتنا". -- مكواة الفحم والفانوس وسائل بدائية تعود للواجهة عادت المكواة الأثرية القديمة التي تعمل بواسطة الفحم، والفانوس التقليدي إلى الظهور من جديد في مناطق بالعاصمة السودانية الخرطوم، كوسائل تقليدية بديلة في ظل الانقطاع شبه المستمر للكهرباء. وقالت فاطمة خليل، وهي مواطنة من حي مايو بجنوب الخرطوم "مع انعدام الكهرباء والوقود أصبح من واجبنا إيجاد البدائل بهدف الاستمرار في الحياة وما من سبيل لكي الملابس إلا باستخدام مكواة الفحم القديمة، ولا مجال لتوفير الإنارة إلا عبر الفانوس الأثري". والفانوس مصباح يستضاء به ويوضع بمكان في المنزل ويعمل بواسطة استخدام الكيروسين أو الجازولين. -الرسائل الورقية وسيلة تواصل يلجأ سليمان عيسي وهو مواطن من حي الأندلس بجنوب الخرطوم إلى إرسال رسائل مكتوبة عبر المسافرين من الخرطوم إلي ولاية سنار (وسط السودان) للاطمئنان علي أفراد أسرته التي نزحت إلى سنار هربا من الحرب في الخرطوم. وقال عيسي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "اضطررت للبقاء بالخرطوم خوفا علي المنزل من النهب والسرقة، ومع انقطاع خدمات الاتصالات في فبراير الماضي أواجه صعوبات في التواصل مع أفراد أسرتي المتواجدة بولاية سنار". وأضاف "أنني أصبحت اعتمد علي الرسائل الورقية، وإرسالها عبر المسافرين من الخرطوم إلى سنار، وكذلك تفعل أسرتي بإرسال رسائل مكتوبة تصلني، وهذه وسيلة تواصل بدائية كنا نسميها سابقا (الجوابات)، وكانت قد اندثرت ولكنها تعود الأن بسبب انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت". وتعمل في السودان ثلاث شركات لتقديم خدمات الهاتف المحمول وهي شركة زين، شركة سوداني وشركة MTN ، إضافة إلى شركتين لخدمات الإنترنت هما كنار وسوداتل. وانقطعت خدمات الهاتف المحمول وخدمات الإنترنت بصورة شاملة في الخرطوم ومدن أخري مطلع فبراير الماضي، ولكن خدمات بعض الشركات عادت بصورة تدريجية في بعض المناطق مطلع مارس الماضي. ومنذ 15 أبريل 2023، يدور نزاع مسلح بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. ووفقا لآخر احصائية لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، فقد أدي النزاع المسلح إلي مقتل 13 ألفا و100 شخص، وجرح 26 ألفا و51 آخرين. وتسبب القتال الذي اندلع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 إلى فرار حوالي 8.1 مليون شخص من منازلهم في السودان، من بينهم حوالي 6.3 مليون شخص نازح داخل السودان و1.8 مليون شخص آخر فروا إلى الخارج، وفقا لأحدث تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا". ويواجه 18 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد جوعا حادا بسبب الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من نصف السودانيين البالغ عددهم أكثر من 48 مليون نسمة، أي حوالي 25 مليون شخص، باتوا يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.■
مشاركة :