حمل تصريح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذي أكد فيه الثلاثاء أن أمن الأردن وسيادته فوق كل اعتبار، إشارة واضحة إلى وجود مخاوف جدية على مصير الأردن إذا جرت حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، خاصة أن جزءا منها سيكون على أراضيه، وفي ظل اتهامات للمملكة بأنها تقف في الصف المقابل لما تسميه إيران “محور المقاومة”، ما يرفع منسوب الخطر على أمنه القومي. وقال الملك عبدالله الثاني إن “أمن الأردن وسيادته فوق كل اعتبار”، وإن “الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة، وحماية مواطنينا قبل كل شيء”، جاء ذلك خلال لقائه وجهاء وممثلين عن أبناء محافظة المفرق (شمال شرق)، وفق ما نشره الديوان الملكي على منصة إكس. ويسعى العاهل الأردني من خلال الاجتماع إلى طمأنة الأردنيين بأن عمان قادرة على حماية أمنها في حال تطور التصعيد إلى حرب بين إسرائيل وإيران. لكنّ مراقبين يعتقدون أن القيادة الأردنية متخوفة من نتائج التصعيد، وأن مصير الأردن على المحك وليس مصير غزة فقط، مشيرين إلى أن محاولة الأردن الاستعراضية في بداية الحرب لا علاقة لها بالخطر المحدق بالمملكة الهاشمية. وسعى الأردن عقب بدء الهجوم الإسرائيلي العنيف على غزة لإظهار انحيازه إلى الفلسطينيين ودعوته إلى الوقف الفوري للحرب ومعارضته عمليات التهجير القسري التي ألمح إليها مسؤولون إسرائيليون. وأسهم سقف الخطاب الحكومي المرتفع ضد إسرائيل في تشجيع تحرك الشارع الأردني في مظاهرات شبه يومية وسط دعوات إلى قطع العلاقات مع إسرائيل وإبطال الاتفاقيات المبرمة معها، بما في ذلك اتفاقية وادي عربة. ووجد الأردن نفسه في معادلة صعبة باتت تهدد مصيره داخليا وخارجيا؛ فداخليّا يتعرض لتهديد متمثل في ضغط الأردنيين من أصول فلسطينية، المخترقين من حركتيْ حماس والجهاد الإسلامي، والذين يجدون في الاحتجاج على الحرب فرصة للتظاهر ضد ما يعتبرونه سياسة رسمية تُعاملهم كمواطنين من درجة ثانية بسبب أصولهم. ويكمن الخطر الداخلي الثاني في ضغوط الإخوان المسلمين الذين يحركون الشارع برفع مطالب من نوع قطع كافة العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير وإلغاء كافة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع إسرائيل، وعلى رأسها اتفاقية الغاز واتفاقية الماء مقابل الكهرباء، وغير ذلك من الاتفاقيات. لا أحد يعلم إلى أي مدى ستعمل إيران على الاستفادة من الفوضى ولديها ميليشيات عراقية موالية على حدود الأردن أما الخطر الخارجي فيتمثل في أن الأردن تحول إلى ساحة مواجهة لحرب المسيّرات والصواريخ بين إيران وإسرائيل بحكم موقعه الجغرافي، وهو ما يرفع منسوب المخاوف على أمنه القومي. ولا أحد يعلم إلى أي مدى ستعمل إيران على الاستفادة من الفوضى الراهنة ولديها ميليشيات عراقية موالية على حدود الأردن الشرقية ويتواجد الحرس الثوري فعليا على الحدود الشمالية. وشرعت إيران وأذرعها، من لبنانيين وفلسطينيين، على مواقع التواصل الاجتماعي في شن حرب إعلامية ونفسية على المملكة الهاشمية تقلل من تاريخها ووزنها وتأثيرها في قضايا المنطقة، وتم نشر خرائط قديمة تصور أراضيها جزءا من فلسطين. وجاءت الحرب النفسية تحت هاشتاغ #حملة_إلغاء_الأردن. يقول البعض إن “الأردن غير موجود أصلا كي نلغيه”، ويرى البعض الآخر أن الأردن ليس أكثر من قاعدة #أميركية_بريطانية_فرنسية_إسرائيلية. وما يظهر أنها حملة موجهة من إيران وحلفائها التحذير من أن “أحرار الأردن” سينتفضون وستدعمهم حماس والجهاد الإسلامي وتسلحهم #كتائب_حزب_الله العراق، وهو تحذير مبطن من أن الأردن لن يبقى بمنأى عن نفوذ إيران التي تتحرك بحرية تامة في محيطه الإقليمي (العراق وسوريا). كما أن الإيرانيين لا يبدو أنهم نسوا للملك عبدالله الثاني تحذيره المبكر من “الهلال الشيعي” الذي تخطط إيران للوصول إليه، وهو ما تحقق فعلا. ومن خلال اعتراضه مسيّرات وصواريخ قادمة من إيران ومتجهة إلى إسرائيل، وضع الأردن نفسه في صف مناوئ لإيران وأذرعها في المنطقة. وتقف هذه الخطوة وراء الحملة الواسعة التي تشكك في تاريخ الأردن ووجوده. وأعلن الأردن أنه اعترض “أجساما طائرة” خرقت أجواءه ليل السبت – الأحد تزامنا مع الهجوم بالصواريخ والمسيّرات الذي شنّته إيران على إسرائيل، في إشارة واضحة إلى المقذوفات الإيرانية. ويقول وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة “لا علاقة للأردن بصراع النفوذ بين المشروع الفارسي والمشروع الصهيوني، وهو لا يريد أن يكون طرفا في نزاع إقليمي”. ويشير المعايطة إلى تمدّد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان، ورغبة الأردن في “حماية أمنه واستقراره من أي تهديد”، مؤكدا أن “الساحات المحيطة بالأردن أصبحت ساحات إيرانية”. yy ويقول الباحث في الشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط نمرود جورين لفرانس برس “هناك شعور بأن إيران تسعى ربما للتدخّل في الأردن وتغيير الديناميكيات هناك لصالحها، كما فعلت في بلدان أخرى”. ويؤكد أن “هذا بحدّ ذاته مصدر قلق كبير للأردن”. ويرى المحلل العسكري واللواء الأردني المتقاعد سليمان منيزل أن “وصول مسيّرات وصواريخ إيرانية إلى سماء عمان اختراق فاضح للسيادة الأردنية والمجال الجوي الأردني”. ويوضح أن “اعتراضها كان يجب أن يتمّ بمجرد دخولها الأجواء الأردنية فوق المنطقة الشرقية”، لكن “عددها كان هائلا وقد يكون خارج إمكانات الأردن التصدّي لها (لدى دخولها)، لذلك تمّ التعامل معها ضمن التحالفات الموجودة”. وأثار تدخّل الأردن في الهجوم الإيراني انتقادات في وسائل الإعلام الإيرانية. وكتبت وكالة أنباء “فارس” فجر الأحد، نقلا عن مصدر عسكري، “قواتنا المسلّحة ترصد بدقة تحرّكات الأردن خلال عملية تأديب الكيان الصهيوني. وفي حال شارك الأردن في أي أعمال محتملة، فسيكون الهدف التالي”. واستدعت وزارة الخارجية الأردنية سفير إيران في عمّان وطلبت من بلاده الكفّ عن “التشكيك” في مواقف المملكة. وقال وزير الخارجية أيمن الصفدي إنه لو كان “الخطر قادما من إسرائيل، فسيقوم الأردن بالإجراء نفسه الذي قام به، (…) لن نسمح لأي كان بأن يعرّض أمن الأردن والأردنيين للخطر”. ويقول المعايطة “الأردن لم يدافع عن إسرائيل، وإنما دافع عن سيادته وعن سلامة أرضه ومواطنيه”. ومع انتشار تقارير عن احتمال قيام إسرائيل بضربة للردّ على الهجوم الإيراني، أعلن الجيش الأردني في بيان فجر الثلاثاء أن سلاح الجو الملكي “زاد طلعاته الجوية لمنع أي اختراق جوّي والدفاع عن سماء المملكة”. وأكد “موقف الأردن الثابت بعدم السماح باستخدام” مجاله الجوّي “من أي طرف ولأي غاية”.
مشاركة :