الظهور الأول المهتز لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا يقرب الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، من حملة عسكرية متجددة هناك، كما يقربها من مجموعة عقبات ستختبر قدرتها على صون تلك البلاد، التي يجتاحها التطرف، والحرب الأهلية. وكان التوتر على أشده، أخيراً، في أعقاب وصول فايز السراج على متن سفينة إلى طرابلس قادماً من تونس. وقد هلل المسؤولون الغربيون لتعيينه في العاصمة الليبية كونه مؤشراً إلى نهاية عامين من الانقسام السياسي في البلاد، على الرغم من وجود حكومتين متنافستين في طرابلس، وفي شرقي البلاد. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، قد جعلت من تشكيل حكومة وحدة وطنية شرطاً مسبقاً أساسياً لإطلاق مهمتين متلازمتين، للبدء بجهود دولية لتحقيق الاستقرار، وللمساعدة في محاربة اتباع تنظيم داعش، الذين يتكاثرون في البلاد. وستتعرض كل من هاتين المهمتين لضغوط نابعة من التوتر الكامن بين فصائل الميلشيات، التي تأمل الدول الغربية أن تشكل جبهة موحدة ضد الجماعات الإرهابية، كما من الممانعة القوية للدول الأوروبية لخوض غمار الفوضى في ليبيا، حتى بين تلك الدول الأكثر عرضة للتهديد من تنامي داعش في أنحاء البحر الأبيض المتوسط. ويأتي هذا التقدم السياسي المبدئي فيما تتقدم الولايات المتحدة بخطط لشن هجمات مكثفة ضد الفرع الليبي لـداعش، الذي يبلغ قوامه 8 آلاف مقاتل. وفي غضون ذلك، يواصل المسؤولون الأميركيون سعيهم للحصول على إذن من الدول المجاورة للقيام بطلعات جوية أميركية، الأمر الذي من شأنه أن يسمح للطائرات الأميركية بالمزيد من الوقت في المراقبة أو مهمات الإغارة. وحتى الآن، رفضت تونس والجزائر السماح بها، ما يعني إمكانية انطلاق مهمات الطائرات المأهولة، والموجهة عن بعد من المنشآت العسكرية في إيطاليا وإسبانيا واليونان، أو من مناطق أبعد مثل بريطانيا. التحدي الأكبر لكن التحدي الأكبر من المحتمل أن يكون الانقسامات بين الفصائل المسلحة الكثيرة في ليبيا، بما في ذلك الميليشيات، التي تشكلت خلال ثورة 2011، وبقايا فلول جيش الدكتاتور السابق معمر القذافي. وتأمل واشنطن في بناء قوة متماسكة من بين تلك الجماعات لقتال داعش. واستنادا إلى أحد المسؤولين الليبيين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قد تحاول الولايات المتحدة حشد قوات من مصراته، المدينة المزدهرة في الغرب، لمحاربة معقل داعش في سرت، ومن إجدابيا، حيث يتولى قائد الميليشيا المحلية إبراهيم جضران قوة حماية نفطية هامة في ليبيا.. لكن المحللين يحذرون من أن مد يد الغرب في سبيل تحقيق ذلك إلى ميليشيات فردية، وكثير منها قاتلت بعضها بعضاً مراراً وتكراراً منذ عام 2011، يمكنه أن يزيد من حدة العنف بين الفصائل، ويقلص احتمالات المصالحة الوطنية. ويتعين على الولايات المتحدة، والدول الأوروبية والعربية، بعد أشهر من المباحثات، التوصل إلى التزامات عسكرية ملموسة، لما بات يعرف ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وقد تعهدت إيطاليا بتوفير نصف الموارد على الأقل لهذا الجهد، الأمر الذي يمكنه أن يجلب ألوف الجنود الإيطاليين أو غيرهم من الجنود الأوروبيين، لتقديم المشورة إلى القوى المحلية بشأن تأمين أمن العاصمة.. لكن روما، عند تأملها في إحجام الدول الأوروبية عن الانجرار في حملة في الخارج محفوفة بالمخاطر، قامت أيضاً بوضع سلسلة من الشروط لإرسال جنودها، تشمل قراراً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتوفير أمن كاف في طرابلس قبل نشر قوات إيطالية، وهو الأكثر صعوبة. ويقول المسؤولون الأميركيون والأوروبيون، إن نهجهم الحذر سوف يعطي الحكومة الجديدة الوقت المطلوب لتحديد وطلب المساعدة المناسبة من الخارج، لكنهم يعترفون أيضاً بوجود فسحة ضيقة لمساعدة حكومة السراج في إثبات شرعيتها. ولا يبدو أن الخطط الغربية تأخذ في الاعتبار التطرف المنتشر بشكل واسع في البلاد، الذي جعل ليبيا مرتعاً للجماعات المتشددة منذ عام 2011.
مشاركة :