يبدو أنه بات علينا أن نتعود على المهاترات، والظواهر الصوتية، والاستعراضات الفجة في كل مجال وميدان، وما حدث في مجلس النواب في الجلسة التي ناقشت اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة سيداو، وما حدث في العمومية غير المسبوقة لغرفة تجارة وصناعة البحرين مثالين ليس إلا..!! نتوقف عند هذين المثالين تحديدًا لأن ثمة قاسم مشترك بينهما، يمكن أن يكون عنوانه التجربة الديمقراطية البائسة، أو العاجزة، أو الكسيحة اختاروا ما شئتم، وعلينا ان ننظر ونتمعن في كلا الموضوعين من هذه الزاوية بالذات لا أكثر كثيرًا ولا أقل قليلاً..! حين تابعنا ما حدث في تلك الجلسة البرلمانية قلنا بان هذا الذي حدث هو امتداد للحالة التي ينطبق عليها المثل العربي دود الخل منه وفيه..!! وحين تابعنا كيف ظهرت عمومية الغرفة وجدنا من يضطهد باتقان ما يفترض انه ممارسة ديمقراطية بالصراخ والعويل والسباب والتشكيك والإساءات، وكيف جاء تجار ينطبق عليهم قول إيليا أبوماضي جئت لا أدري من أين أتيت..!! وفي كل هذه الأجواء والمناخات علينا أن نلاحظ بأنه سيكون من الخطأ الفادح ان نعتبر أن ما حدث هنا وهناك وكأنه أمر لا يعنينا.. صورة النواب أمامكم أحسبها واضحة منذ زمان، وكذلك الحال بالنسبة للغرفة، هذه المؤسسة الرائدة في المنطقة، وريادتها في أمرين الأول في تاريخ تأسيسها عام 1939، والثاني يتمثل في كونها المؤسسة الأولى في الممارسة الديمقراطية عبر انتخابات مجلس إدارتها منذ ذلك الوقت وحتى الآن، والمؤسف حقًا أن نجد ما آلت إليه هاتان التجربتان الديمقراطيتان المفترضتان، النواب، وحتى لا نقع في فخ التعميم، نقول بعض النواب، بل كثر من النواب، لا يمكن ولا يجوز ان نصنفهم بان يمثلون الشعب حقًا، فقد وجدناهم بارعين في تسطيح العمل البرلماني، والإساءة الى كل ما يمت الى معنى الديمقراطية، بل والدفع حتى بهذا المعنى الى غرفة العناية الفائقة، وذاكرة المواطن تختزن الكثير من الأمثلة النموذجية، التي يمكن استخراجها من واقع سجل أداء النواب، من أقوال وأفعال واستعراضات فجة هي في أبسط تحليل تفرغ العمل البرلماني السليم من مضمونه، ولا ننسى في غمرة التذكر والتذكير كيف ظهر لنا نائب او أكثر في الجلسة المذكورة، بأي مستوى، نواب لم يتحملوا بعضهم بعضًا، تبادلوا الصراخ، وملؤوا القاعة بالضجيج والغوغائية والحركات البهلوانية والمواقف الدونكيشوتية، وفرد بعضهم عضلاته وكأنه في حلبة مصارعة، يكفي ان تتمعنوا في ردود أفعال بعض النواب في الجلسة إياها، ولا تنسوا ما حدث في جلسات اخرى كثيرة، لتكتشفوا الى اي مدى هو سوء أداء هؤلاء النواب، وكيف أمعنوا في جعل العمل البرلماني مقطع الأوصال، حتى أصبح بمقدور المرء ان يعد هذا الأداء من باب المسرحية الهزلية الرديئة، مما جدد شعور الناس المتابعين بالاستغراب والخيبة والمرارة، ارجعوا الى ما نشر، والى المقاطع الصوتية والمرئية في شأن تلك الجلسة، وقبلها جلسات عديدة، لتكتشفوا المدى الذي بلغته مساحة الاهتراء في العمل البرلماني، والتجربة التي يفترض انها ديمقراطية..!! الشعور نفسه راود من تابع مجريات عمومية الغرفة، هذه الرائدة في تجربتها الديمقراطية، فقد وجدنا فيها استعراضات من كل الأنواع، بدءًا من الصوت العالي، والجعجعة الفارغة، والألفاظ غير اللائقة، والتشنجات والصراخ، والشطط،، والتحشيد والتحشيد المضاد، وكل ما له دلالات لا تقبل التأويل، وكلها تصب في خانة تمس بشكل او بآخر التجربة الديمقراطية لهذه المؤسسة الأهلية، الحوار الديمقراطي، والممارسة الديمقراطية غيبهما تجار كنا نظن - رغم ان بعض الظن إثم ـ بانهم يتمتعون بقسط وافر من الحذاقة والذكاء بحيث يميزون بين الجدية والهزل، وهو أمر لا يستحق شرحًا ولا تعليقًا ويمكن الاستعاضة عنه بتأمل ما حدث، او بالعودة الى تغطيات الصحف المحلية على ما أثير في تلك العمومية، لندرك بان ما جرى ليس من شأنه أن يعزز الممارسة الديمقراطية بما فيه الكفاية.. بل انها بالمجمل تعني انسدادا شديدا في شرايين الديمقراطية في مناخنا العام..!!! هل ذلك كله أمر مقصود..؟ هل هناك من يريد ان يبلغنا بان الديمقراطية أمنية جميلة عسيرة المنال في مؤسساتنا، وفي واقعنا..؟ هل يمكن قبول استمرارية ما نحن عليه وان نكتفي بالزعم اننا نعيش جوًا ديمقراطيًا، او توجهًا ديمقراطيًا وان هذا هو الأمر الممكن والمطلوب في هذه الأيام على الأقل..؟ وهل يمكن قبول هذا التفجر للعصبيات والمناكفات والمزايدات والاستقطابات وتصفية الحسابات والتراجعات وخلط الأوراق، والذهاب الى تفاصيل وقضايا ضيقة تحت عناوين شتى لجعلها سمة المرحلة لدى النواب، والتجار، ولدى آخرين ممن يفترض انهم يمثلون قوى مجتمعنا المدني، وهو الحال الذي أدى الى إجهاضات كثيرة، وخلطات مضحكة في مسار العمل الوطني العام، هذا المسار الذي لم يترك في الأفق البحريني سوى علامات الاستفهام والتعجب..!!
مشاركة :