أثارت القرارات الجريئة التي اتخذها الرئيس الأميركي جو بايدن، أخيرا، ومن بينها إعفاء ملايين الأميركيين من قروض الطلاب الفدرالية، بقيمة مليارات الدولارات، العديد من الانتقادات بأنه اتخذ هذه الإجراءات «التقدمية» لاستمالة ناخبي «اليسار». ودعا ديمقراطيون بايدن إلى التركيز على المعتدلين لتوسيع قاعدته الانتخابية قبل أشهر من الانتخابات، وفق ما كتبت صحيفة وول ستريت جورنال. وأعرب بعض الديموقراطيين عن قلقهم من أن بايدن يرتكب خطأً كبيراً، لكنهم أقروا بحاجة الرئيس، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، إلى دعم قاعدته الانتخابية بالإعلان عن إجراءات ليبرالية، في حين تظهر استطلاعات الرأي أن ضعف بايدن الرئيسي لا يكمن في اليسار، بل في ناخبي الوسط، الذين يرون أنه لا يفعل ما يكفي لجذب المعتدلين والمستقلين. سياسات وسطية وفي هذا الصدد، قالت لورين هاربر بوب، من مجموعة «ويلكوم باك» الديموقراطية، إن «الذين انتخبوا بايدن في المقام الأول هم ناخبو يسار الوسط الذين أحبوا سياساته الوسطية، ومع ذلك، يبدو أن الإدارة تخشى التحدث عن أشياء يهتم بها الناس بالفعل، وقد تسيء إلى مجموعة صغيرة من الأيديولوجيين». كما وجد استطلاع أجرته «وول ستريت جورنال»، أخيرا، أن بايدن يتخلف بفارق ضئيل عن منافسه دونالد ترامب، الذي يتقدم في صفوف الناخبين المستقلين بـ 6 نقاط، 36 بالمئة مقابل 30 بالمئة. من جهتها، وجدت مجموعة الاستراتيجية الديموقراطية (Blueprint)، في استطلاع حديث، أن 52 بالمئة من الناخبين يشعرون بالقلق من أن بايدن ليبرالي للغاية، 61 بالمئة منهم من المستقلين، مشيرة إلى أن 53 بالمئة من المعتدلين ممن صوّتوا لبايدن في 2020 أعلنوا أنهم سيصوتون لترامب هذا العام. وأكدت «Blueprint» أن «الإجراءات اليسارية» تسهم في تعبئة الناخبين الشباب والأقليات الذين ابتعدوا على بايدن، في حين يميل الناخبون السود واللاتينيون والأميركيون الآسيويون إلى أن يكونوا أكثر اعتدالًا، مضيفة أن 38 بالمئة من الناخبين الذين تحولوا إلى ترامب منذ 2020 تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا، في حين أن 13 بالمئة فقط يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر. ما يريد المعتدلون سماعه وشككت حملة بايدن في هذا التحليل، مشيرة إلى خلافاته المستمرة مع اليسار، حيث قالت المتحدثة باسم الحملة، لورين هيت، إن «بايدن قام بتجميع تحالف واسع ومتنوع، لأنه قدّم تشريعا تاريخيا بشأن البنية التحتية وتسعير الأدوية والتصنيع والأسلحة»، مؤكدة أن «ترامب أدى من ناحية أخرى إلى نفور المعتدلين بشدة بسبب مواقفه المتطرفة، مثل تأييد حظر الإجهاض والكذب بشأن نتائج الانتخابات، لدرجة أن عشرات الآلاف من الجمهوريين المسجلين يواصلون التصويت لمصلحة نيكي هيلي في ساحات المعارك الحاسمة، بعد أسابيع من سقوطها». ومع ذلك، يشعر بعض الوسطيين بالقلق من فشل بايدن في التعبير عن مواقف شعبية من شأنها أن تجتذبهم بشأن قضايا الطاقة والهجرة والاقتصاد والسلامة العامة، حيث أشار كبير منظمي استطلاعات «Blueprint»، إيفان سميث، إلى أن الانتاج الأميركي من الطاقة وصل في عهد بايدن إلى مستويات تاريخية، وهو إنجاز شعبي يدعمه الناخبون بأغلبية ساحقة، لكن لم يتم الترويج له بالطريقة اللازمة، حيث لم يتم ذكر هذا الإنجاز في خطاب حالة الاتحاد الأخير، الذي فضّل فيه بايدن الحديث عن الاستثمارات المناخية و»العدالة البيئية». ونتيجة لذلك، لا يوافق أغلب الأميركيين على طريقة تعامل بايدن مع مسألة الطاقة، ويلومه كثيرون على ارتفاع أسعار الغاز. كما أدى فشل الرئيس في الترويج لهذا الجانب من سجله إلى إحباط الحلفاء المعتدلين، فقد كتب السيناتور جو مانشين (ديموقراطي من فرجينيا الغربية) أخيرًا في صحيفة واشنطن بوست أن «بعض مستشاري الرئيس المتطرفين في البيت الأبيض يشعرون بالقلق الشديد بشأن إثارة غضب نشطاء المناخ، لدرجة أنهم يرفضون التحدث عن هذه الإنجازات». وحول فشل «الكونغرس» في تمرير اتفاق الهجرة، يرغب العديد من الناخبين في رؤية الرئيس يتولى زمام الأمور بنفسه، بدلاً من مجرد إلقاء اللوم على الجمهوريين في فشل الصفقة. وقال النائب توم سوزي (ديموقراطي من نيويورك) إن بايدن يحتاج إلى تذكير الناخبين بمواقفه المعتدلة وإنجازاته الحزبية، مضيفا أن «الكثير من الناس أكثر اعتدالًا يصوتون للديموقراطيين، وأغلب إجراءات الرئيس تنتمي للوسط ومكنته من الفوز في 2020». لكنّ بعض الاستراتيجيين من اليسار يرفضون فكرة أن يتجه بايدن نحو الوسط. وقالت أنات أوسوريو، مستشارة الاتصالات وكبيرة مستشاري التعاونية البحثية، وهو اتحاد استراتيجي تقدمي، إن الناخبين الذين «يتنقلون» حالياً بين المرشحين هم إلى حد كبير من الشباب والمحبطين. دعم إسرائيل وتعدّ الحرب بين إسرائيل وغزة مجالًا آخر يشعر فيه البعض بالقلق من أن بايدن سينتهي به الأمر إلى الاهتمام كثيرًا بالجانب التقدمي، حيث دعت حملة بايدن مرارا وتكرارا لتهدئة الناخبين العرب الأميركيين الغاضبين، ورفع بعض أعضاء «الكونغرس» اليساريين لافتات «أوقفوا إرسال القنابل» خلال خطاب حالة الاتحاد. ودعا التقدميون إلى فرض شروط على المساعدات الأميركية وتعليق مبيعات الأسلحة للدولة اليهودية، وهي خطوات رفض بايدن اتخاذها حتى الآن. وأظهرت استطلاعات رأي أن الناخبين يثقون بترامب أكثر من بايدن في التعامل مع الصراع. وقال مارك ميلمان، خبير استطلاعات الرأي الديموقراطي ورئيس الأغلبية الديموقراطية من أجل إسرائيل، إن علامات بايدن الضعيفة بشأن هذه القضية ليست نتيجة معارضة واسعة النطاق لدعمه للدولة اليهودية، مؤكدا أنه يجب على بايدن أن يضع في اعتباره أن معظم الأميركيين ما زالوا يدعمون إسرائيل. ويشير العديد من نشطاء يسار الوسط إلى أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم الاحتجاجية ضد بايدن كان أقل بكثير من العدد الذي خرج للإدلاء ببيان ضد ترامب، بما في ذلك عشرات الآلاف الذين صوّتوا لهايلي في الانتخابات التمهيدية حتى بعد انسحابها من الانتخابات التمهيدية. إن هؤلاء الناخبين هم الذين يحتاج بايدن بشدة إلى الوصول إليهم لتغيير آفاقه الانتخابية، وهم المعتدلون الواقعيون في الضواحي والمتشككون في سياسات اليسار المتطرف. وقالت النائبة سوزي لي، وهي ديموقراطية تمثّل منطقة متأرجحة في نيفادا إن «بايدن أثبت أنه قادر على العمل مع كلا الجانبين وإنجاز الأمور الصعبة بالفعل. التحدي هو الذي جعل الناس يفهمون ذلك».
مشاركة :