منحت كلية الآداب بجامعة عين شمس درجة الدكتواره مع مرتبة الشرف الأولى للشاعر المصري سلطان إبراهيم عن رسالته «بلاغة الحجاج عن القضية الفلسطينية في الشعرِ الفلسطيني المعاصر». وقد أشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور إبراهيم محمود عوض استاذ الأدب والنقد بكلية الآداب والدكتورة هدى عطية عبد الغفار مدرس الأدب والنقد بالكلية. وحاول موضوع البحث، إلقاء الضوء على القضيةِ التي تُشَكِّلُ الجزءَ الأهمَ في الوجدانِ العربيِّ والإسلاميِّ، وعلى الصراعِ الأكبرِ والأخطرِ في حياةِ الوطنِ العربيِّ من مُحيطِهِ إلى خليجِهِ في محاولة للكشف عن الإستراتيجية الحِجَاجية التي تبناها الشعراء المنافحين عن القضية الفلسطينية في خطابهم الشعري. وقال الباحث في رسالته إنه يمكن النظر في النصوص باعتبارها نصوصًا إقناعية، ومعرفة مدى اهتمامهم بالجانب التواصلي تماشيًا مع حرصهم البالغ على الصياغة اللغوية. وأوضح في رسالته أن القضية الفلسطينة من القضايا التي تبرز فيها جدلية الأنا والآخر؛ فمن البدهي أن تتجلى فيها قوة الحِجَاج والبرهان في مواجهة الافتراء والزيف. وذكر أن الدراسة تتبعت ذلك من خلال وقوفها مع النصوص الشعرية الفلسطينية التي تحاج عن القضية الفلسطينية وتدافع عن حقِّ الشعب الفلسطيني في الوجود والبقاء، وتتبع ما يبرز في هذه النصوص بلاغة للحجاج وأدواته واستراتيجياته. وقد افتتح البحث بمبحث تمهيدي ألقي الضوء على المسار التاريخي للقضية الفلسطينية وكذلك أشكال الرفض وصور الدفاع عن القضية الفلسطينية. وتناول الفصل الأول المدخل النظري مُحررا مصطلح الحِجَاج ملقيا الضوء على النظرية الحِجَاجية بين الفكر العربي والفكر الغربي، وتناول الفصل الثاني التوظيف الحِجَاجي للصورة الفنية في الخطاب الشعري المحاج عن القضية الفلسطينية. بينما تناول الفصل الثالث دراسة الآليات الحِجَاجية في الأساليب الإنشائية في الشعر الفلسطيني، وجاء الفصل الرابع ليتناول التقنيات الحِجَاجية في الشعر الفلسطيني المعاصر. واختتم الباحث رسالته ببعض النتائج والتي من بينها أن النصوص الشعرية الفلسطينية التي تماست مع الخطابِ الشعريِّ المُنافحِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ، قد اشتملت على كثير من الآلياتِ الحِجَاجية المتنوعةِ شَكَّلَتْ مُدْركاتِ الحِجَاج، وأظهرتْ كيفيةَ صياغةِ الحُجَجِ في هذه النُّصوصِ الشعريةِ في ضوءِ النظريةِ النقديةِ التداوليةِ. ومن خلال الدراسة لوحظ أن الشعراء الفلسطينيين ينهلون من واقعهم ويستمدون منه صورهم، وقد تنوعت مصادر الصور الفنية لدى هؤلاء الشعراء بين صور طبيعية حية وصور طبيعية جامدة وصور موروثة، كما وُظِّفَ الثراثُ ورموزه توظيفًا حجاجيًّا أسهم في إثراء الدلالة وتوجيه المتلقي. وقد اتضح جليًّا -من خلال النصوص الشعرية الفلسطينية التي واكبت مسيرة القضية في مراحلها المختلفة- أن هذه النصوص قد دارت حول قضايا محورية، ومن بينها: الحرية، والحقوق العادلة مثل: حق النضال، وحق التحرير من المغتصب، وحق العودة إلى الوطن، وإنهاء مرحلة الشتات الفلسطيني في المنافي، وتحرير الأسرى من السجون. كما أن شعراء فلسطين الذين نافحوا عن قضيتها قد كانوا على وعي تام بمقاصد الخطاب في ظل السياق المُنتج لرسالتهم الإبداعية والمشحون بطاقات حجاجية ودلائل إقناعية، فظهر ما للسياق من أهمية وتأثير في صناعة المعنى وتشكيل الدلالة؛ وذلك من خلال الارتباط الواعي بما تكون عليه التراكيب المنتظمة مع مراعاة تناسبها وتوافقها مع سياقها المنتج للنص الشعري. وقالت الرسالة أن الخطاب الشعري لشعراء فلسطين ــ في الأعم الأغلب ــ قد أدى وظيفته التواصلية والتفاعلية في حينه، وجاء منسابًا مع تيار الحياة الإنسانية وملائما لفطرتها، في البحث عن الحق والعدل والحرية والمساواة، ورفض الظلم، والصمود في وجه المحتل الغاصب. كما أن ثراء النص الشعري للشعراء الفلسطينيين وغزارته وتشعبه واشتماله على جوانب القضية ومحاورها ما زال يعطي الفرصة للبحث والتقصي عن المضمر والمقصود في رسائله الشعرية، ويفتح آفاق التأويل لدى المتلقي، وهذا يتفق تمامًا مع الدرس التداولي والحِجَاجي. وقد اعتنى الشعراء بحسب ما توصلت له الدراسة من نتائج بخطابهم الشعري ومستوياته، وأدركوا أهمية إنتاج الخطاب بالشكل الذي يغدو مؤثرًا في المتلقي، مُسهما في توجيه أفكاره ورؤاه، سالكًا طريق الحِجَاج بوصفه استراتيجية ناجعة، وهذا الإدراك هو ما تصبو إليه المعالجات التداولية المعاصرة. وبحسب الدراسة فقد اعتمد الشعر الفلسطيني المعاصر استراتيجيات الخطاب، واهتم بوسائل الحِجَاج والإقناع دون أن يهمل التخييل الذي هو أساس الشعر، وقد زخرت نصوصه بالاستراتيجيات التداولية والتقنيات الحِجَاجية النشطة والخلاقة التي استثمر فيها الشعراء خبراتهم ومقدرتهم على صوغ الرسائل القوية الهادفة القاصدة إلى حمل المرسَل إليه على الإذعان والتسليم لدعواهم والاقتناع بعدالة قضيتهم المصيرية. ومن نتائج الدراسة أن القضيةُ الفلسطينيةُ قضيةُ هُويةٍ، والتعاطي مع مجرياتِها ضرورةٌ وحتميةٌ، وقد أثرت القضية تأثيرًا بالغًا على الشعراءِ الذين امتزجَتْ تجاربُهُم الشعريةُ بقضيتهم، وظهر ذلك جليًّا فيما حملتهُ نصوصُهم من بلاغةٍ حجاجيةٍ وآلياتٍ إقناعيةٍ، وتقنياتٍ دلاليةٍ ذاتِ طاقاتٍ إيحائيةٍ وُظِّفَتْ لاستمالةِ العواطفِ واستثارةِ المشاعرِ وإقناعِ العقولِ بعدالةِ القضيةِ الفلسطينيةِ. كما أن الشعراء الذين نافحوا عن القضية الفلسطينية سعوا إلى إثارة انفعال الطرف الآخر( المتلقي) من خلال نقل التجربة الشعرية الصادقة إليه، فأنتج خطاب هؤلاء الشعراء ــ في الأعم الأغلب ــ نصوصًا شعرية قادرةً على التصدي لمواجهةِ طوفانِ الدعاوى الزائفةِ التي تسعى إلى مسخِ الهويةِ وتضبيبِ الرؤيةِ وتغريبِ الفكرِ، مستعملًا البراهين الحِجَاجية الطامحة إلى مجابهةِ فِرَى الخَصمِ الصهيونيِّ الساعي إلى تشويهِ الحقائقِ وتزييفِ التاريخِ. ____________________ شاهد | البث المباشر لقناة الغد
مشاركة :