علم الاستغراب

  • 4/20/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الاستغراب مصطلح يهدف الى دراسة الغرب وثقافته وأساليب تفكيره وعاداته وجميع مجالات الحياة الغربية دراسة منهجية علمية معمقة، هذا يأتي كمقابل فكري وثقافي للاستشراق الذي يعنى بدراسة الشرق وثقافته وتاريخه وأساليب حياته الاجتماعية وتراثه.. الخ جدير بالإشارة أن المستشرق الألماني رودي بارت في كتابه "الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية" عام  1968 كان من أوائل من اقترح هذا المصطلح "علم الغرب" أو "الاستغراب" مطالبا بإنشاء اتجاه للبحث في العالم العربي والإسلامي شبيه بالدراسات الإسلامية في ألمانيا وأوروبا، بغرض دراسة تاريخ الفكر المسيحي الغربي بطريقة علمية، من أجل تحقيق تفاهم موضوعي أوسع بين العالمين (اللذين ظلا منذ فجر العصر الوسيط قرونا طوالاً يقفان أحدهما من الآخر موقف العداء)، على أن يؤخذ  هذا العلم مأخذ الجد وترسى له قواعد ثابتة ونظاما قاراً، ولتدعيم مطالبته هاته أشار في سياق حديثه ذاته إلى دعوة د . محمد رحبار المتحمسة في المؤتمر الإسلامي العالمي المنعقد في لاهور في ديسمبر 1957 م / يناير 1958م الى دراسة الغرب من قبل الشرقيين، وإن كان كما يقول بارت قد وُوجِه بمعارضة شديدة –  ص 18 – 19  (1) وهنا لا بد من الإشارة الى عمل المفكر المصري الدكتور حسن حنفي "مقدمة في علم الاستغراب" الذي صدر عام  1991 م، وهو مشروع للتراث وللتجديد في نفس الوقت، يقول الدكتور حنفي عن مشروعه هذا بأنه يتكون من جبهات ثلاث : الموقف من التراث القديم لموقف من التراث الغربي، الموقف من الدافع (نظير التفسير )، ويحاول حنفي ان ينقل الخطابة السياسية التي تعود عليها جيلنا الى مستوى الخطاب العلمي الرصين ويرى الدكتور علي إبراهيم النملة أن الدعوة الى وجود مثل هذا العلم "الاستغراب " "قد نبعت من الشعور بأن الساحة العربية العلمية والثقافية تكاد تخلو من معرفة ثقافات الأمم الأخرى نتيجة التقصير في تتبع النتاج الفكري العربي الإسلامي، الذي لم يخل في زمن من أزمان ازدهاره من الحوار العلمي الثقافي مع الآخرين، لكن ذلك لم يسمّ علما أو استغرابا أو نحو ذلك، ولكنه أخذ طابع الردود على الآخرين، وتبيان الحق في الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام  (2) كما أن العديد من الرحلات العربية الى دول الغرب لا يمكن ان نعدها  في إطار الاستغراب لأنها ذات طابع فردي وهي عبارة عن انطباعات شخصية  في غالبها ومتأثرة ومنبهرة بالغرب أكثر مما أنها  تعطي صورة بانورامية عميقة  أو تقدم دراسات علمية عن الحياة الغربية، وهناك رحلات  عربية نادرة يمكن ان  تعد من علم الاستغراب، وهذا ما أشار اليه الدكتور خالد برادة بالقول " ويعتبر ما قام به أبو الحسن بن جبير ت614هجرية من رحلات مدخلا الى فهم العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، حيث نبه الى ما كان من مودة وعلاقات تجارية بين افراد المسلمين والمسيحيين، مما يعتبر اسهاما معرفيا داخلا في علم الاستغراب، وإن لم يعرف وقتذاك بهذا الاسم.  (3) ويناقش الدكتور فرج محمد أبو شمالة موضوع الاستغراب من عدة نقاط يمكننا ان أن نوردها هنا  لأهميتها وهي: أولاً: قبل الشروع في دراسة الغرب علينا أن ندرس محاولات الشعوب الأخرى التي قامت بدراسات مشابهة كتلك التي أجريت في اليابان والصين والكوريتين مما يوفر للباحثين معلومات وطرائق بحث جديدة ومستجدة. ثانياً : العمل على انشاء مراكز علمية وبحثية ذات مصداقية علمية تعنى بشؤون الغرب ودراسة مجتمعاته وتقوم تلك المراكز بتصنيف المعلومات وتحليلها والتوصية بتكليفات علمية للباحثين بشأن البحوث اللازمة وتحديد أولوياتها. ثالثاً : الوقوف أمام فكرة الكتاب الإسلاميين ومقولاتهم حول الغرب وأن الصراع معه صراع ثقافي ونقد هذه المقولات والاستفادة من علم الاستشراق ووظائفه التي انجزها دون اغفال للجانب الحضاري والدوافع الدينية للاستعمار الغربي المولد والراعي للاستشراق والمستفيد من نتاجاته العلمية والمعرفية. رابعاً: النظر لأقسام بحوث الاستشراق في الجامعات العربية والعمل على تطويرها ودعمها. خامساً: عند مراجعة الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية نجد انها دون ان تسمى خجولة في دراسة الغرب، بل انها متناثرة ومشتتة بالجغرافية فضلا عن التوجهات التي اعتمدها معدوها، ويمكننا الزعم ان هذه الدراسات التي تتجه الى الرد على الاستشراق بـ "علم الاستغراب" هي ذات طابع فردي وايديولوجي ولا تنطلق من مؤسسات بحثية علمية، كما أن أي محاولة لدراسة الغرب ستكون مفرغة من مضمونها وجدواها مالم تتبع مؤسسة بحثية معنية وصاحبة مصلحة في البحث بالتعرف على المجتمعات الغربية والكشف عن ميكانيزمات العمل داخلها سادساً: عند دراسة الغرب علميا علينا ان نعلم ان  هناك اختلافات بين  المجتمعات الغربية  نفسها من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية  .  (4) اذن الاستغراب يستلزم دراسة الغرب دراسة علمية معمقة بالاستناد الى مراكز أبحاث وموفدين ومبتعثين الى الغرب خصيصا لأجل هذا المشروع، وهذا يتطلب إمكانيات ضخمة وقدرات فكرية وعلمية هائلة، ولا يمكن ان نعد مؤلفا هنا وكتابا هناك يتناول فيه المؤلفون الغرب بأن هذا يدخل في دائرة علم الاستغراب، لقد جرت نقاشات فكرية عديدة في الساحة الثقافية العربية عن التراث والمعاصرة، الاصالة والتحديث، الشرق والغرب.. الخ من المصطلحات السجالية، دون الوصول الى اتفاق منهجي سليم من قبل التيارات الفكرية العربية القومية والإسلامية والاشتراكية والليبرالية . ناهيك عن السجال الكبير حول عمل المفكر الأمريكي صموئيل هنتنغتون " صدام الحضارات". وبالارتباط بما تقدم فإن النقاشات والسجالات الفكرية ستتوالى حول موضوع الحضارات والعلوم والمعارف المختلفة وبالتالي حول "الاستغراب". وعلينا التذكير بأن ندوات ومؤتمرات ونقاشات  عديدة  جرت حول حوار الحضارات وحوار الأديان، ولكن السؤال يطرح نفسه من يحاور من، هل من الممكن ان يكون هناك ثمة توازن او عدل في حوار الأقوياء مع الضعفاء، هنا تأتي أهمية فهم وكشف اسرار والغاز الثقافة الغربية والتقدم التقني الغربي، وهذا لن يتأتى من خلال ندوات وحوارات ونقاشات وحسب وانما بتأسيس منظومة بحثية متكاملة قادرة على الكشف العميق والفحص الدقيق للحضارة الغربية، وكل ذلك من أجل النهوض بالمجتمعات العربية لتدخل الى مصاف مجتمعات العالم كما سعى الى ذلك ونجحوا فيه الصينيون واليابانيون والنمور الاسيوية وغيرهم من شعوب العالم المتحضر . الهوامش : د. عبد العزيز محمد آل سليمان " دارس الأمس مدروس اليوم " المجلة العربية عدد أكتوبر 2019 ص 6  د. علي إبراهيم النملة   " الاستغراب المنهج في فهمنا الغرب " ص 16 - كتاب  صادر عن المجلة العربية 2015    د.خالد برادة " الرحلات العربية ومحاولات اكتشاف العالم الغربي " مجلة الوعي الإسلامي  عدد مارس 2019 د.فرج محمد أبو شمالة  " الاستقلال المعرفي "  ص 20 – المجلة العربية  عدد أكتوبر 2019

مشاركة :