لم يكن معظم الناس يعرفون بوجود شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) قبل 18 شهراً. ثم أصبح "تشات جي بي تي" الآن من الأدوات الأكثر رواجاً عند الشركات في مختلف أنحاء العالم. لكن بينما يحلم رؤساء الشركات بزيادة الإنتاجية وتوفير التكاليف، يخشى كثيرون أن يصبحوا معتمدين على أحد نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي الرئيسية القليلة إلى درجة قد تثبت صعوبة الإفلات منها. استطاعت "أوبن إيه آي" بسرعة أن تجذب بعض الأسماء الكبيرة ضمن عملائها من الشركات، فيذكر موقعها الإلكتروني أسماء مثل "برايس ووتر هاوس كوبرز" و"أمجين" (Amgen) و"جت بلو إيرويز" (JetBlue Airways) و"ريوت غيمز" (Riot Games) و"كلارنا بنك" (Klarna Bank AB). وفي العام الماضي، كتبت عن بنك "مورغان ستانلي" الذي أصبح واحداً من أوائل البنوك الكبرى التي طرحت روبوت دردشة داخلي يعتمد على نموذج "أوبن إيه آي". أخبرت "أوبن إيه آي" "بلومبرغ نيوز" في يناير أن لديها 260 شركة ضمن عملائها، بينما قالت هذا الشهر إن لديها 600 ألف مستخدم من المؤسسات، على الرغم من أنها لم تحدد عدد الشركات الفردية التي سجلت لديها. ويتنافس منافسوها في شركات عديدة مثل "ألفابت" و"ميتا بلاتفورمز" و"أنثروبيك" (Anthropic) على اللحاق بالركب. قيمة الخدمة مقابل التكلفة ما يثير الدهشة هو القيمة التي تعتقد بعض الشركات أنها تحصل عليها بالفعل من هذه الأدوات، مما دفعني إلى التساؤل عن سبب تحصيل بائعي الذكاء الاصطناعي أسعاراً لا تمثل سوى جزءاً صغيراً من تلك القيمة؟ وهكذا، كنت أسأل الشركات والمستثمرين عن الموعد الذي يعتقدون أن تبدأ فيه "أوبن إيه آي" وغيرها في رفع رسومها، وكيف سترد الشركات على ذلك. تعتبر مشكلة التقيد ببائع رئيسي مألوفة للغاية. معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم شبهوا طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي القادمة بتوسع خدمات الحوسبة السحابية، فبعد فترة من النمو القوي في البداية، بدأت التكاليف في الارتفاع، ووجدت الشركات التي تتطلع إلى تنويع مورديها أنها تواجه مشاكل في البرمجة وإدارة البيانات يجب التغلب عليها، إضافة إلى عقود يتعين إعادة التفاوض بشأنها. لم يكن أحد مستعداً للتحدث علناً عن كيفية حدوث ذلك مع "أوبن إيه آي" ومنافسيها، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم الرغبة في المخاطرة بإثارة توترات في العلاقات الناشئة مع هذه الشركات، بل وفي الحقيقة لأن أحداً لا يعرف أيضاً ما هي الإجابات المحتملة حتى الآن. لذلك، فإن ما يلي هو من باب التكهنات القائمة على المعرفة، أو على الأقل دليل تقريبي للقضايا المحتملة. من حيث القيمة، أعلى مضاعف ربحية سمعته جاء من مستثمر في مرحلة النمو قال إن إحدى شركاته حققت مكاسب في الإنتاجية ووفورات في التكاليف تعادل 10 أضعاف الرسوم السنوية التي كانت تدفعها لشركة "أوبن إيه آي". ولم يحدد مستخدم آخر رقماً، لكنه قال ببساطة إن القيمة الاقتصادية كانت أضعاف التكلفة. الانتشار على نطاق أوسع يعد فرض رسوم قليلة إجراءً معيارياً في دليل عمل وادي السيليكون، حيث تسعى الشركات الناشئة إلى تحقيق التوسع السريع بهدف أن تصبح أكثر انتشاراً قدر الإمكان في السوق المستهدفة. وبالنسبة للنموذج اللغوي الكبير، هناك ميزة إضافية، وهي أنه كلما زاد عدد من يستخدمونه، تحسنت قدراته بوتيرة أسرع. أما بالنسبة لشركة "أوبن إيه آي" و"جيمناي" التابعتين لشركة "غوغل"، هناك فائدة إضافية تتمثل في أن استخدام الذكاء الاصطناعي يحفز الطلب على قوة الحوسبة في الخدمات السحابية لشركتي "مايكروسوفت" و"ألفابت"، مما يعني أنهما تجنيان الإيرادات مرتين. يتوقع معظم الأشخاص الذين تحدثت معهم أن تبدأ الأسعار في الارتفاع بمجرد أن تصبح نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مدمجة في طريقة عمل عملائها. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بعد ذلك هي: إلى أي مدى وما الذي يمكن للمستخدمين فعله حيال ذلك؟ هل سيكون التحول إلى مورد جديد لنموذج الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه أصعب من تغيير مزود الخدمات السحابية، أو التحول من شركة "أبل" إلى نظام "أندرويد" التابع لـ"غوغل"؟ في الحقيقة، لا أحد يعرف. خاصة أن كثيراً من الأمور تعتمد على كيفية تطور هذه النماذج، وما إذا كان صانعوها يحاولون احتجاز العملاء بصفة مستمرة أو تيسير الانتقال من مورد إلى آخر. سيعتمد الأمر أيضاً على الغرض الذي تستخدم الشركة تقنية الذكاء الاصطناعي من أجله، فكلما زادت أهمية الذكاء الاصطناعي بالنسبة للشركة وزادت أهمية دقة المخرجات، كلما كان استبداله أصعب وأكثر تكلفة. مستويات عملاء "أوبن إيه آي" لدى "أوبن إيه آي" ثلاثة مستويات من العروض لعملائها من المؤسسات. الأول هو دفع 60 دولاراً للشخص الواحد شهرياً مقابل استخدام "تشات جي بي تي"، وذلك لإجراء بحث عام أو كتابة مسودات أولية سريعة مثل المواد التسويقية. وتغيير هذا الخيار إلى منتج آخر أمر بسيط. والمستوى الثاني هو الوصول إلى النموذج من خلال واجهة يمكن استخدامها في إنشاء تطبيقات، وهذا يشبه كثيراً استخدام الخدمات السحابية من حيث التحديات التقنية التي يحتمل مواجهتها أثناء الانتقال لمنتج آخر. يتضمن المستوى الثالث العمل بشكل وثيق مع "أوبن إيه آي" للحصول على نسخة خاصة من النموذج الأساسي ومن ثم تدريبه أو ضبطه لوظيفة محددة وربما أكثر دقة. وهنا يتعاظم خطر الوقوع في شرك المورد الأوحد، خاصة في الأنشطة شديدة التنظيم مثل التمويل. ويمكن أن يكون الوقت والتكلفة المحتملة للبدء مجدداً بنموذج جديد أكبر بكثير. إن نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، التي يمكن الحصول عليها مجاناً، تقلل جزئياً من تسعير حتى المستوى الأكثر تطوراً. غير أن استخدام مثل هذه النماذج ينطوي على مقامرة لأن الشركات يتعين عليها أن تستثمر أموالاً أكثر حتى تجعلها قابلة للاستخدام، مع الأمل في أن يواكب مجتمع المصادر المفتوحة شركات النماذج المغلقة التي تحصل على تمويل أفضل. تغيير نماذج الذكاء الاصطناعي يعتقد البعض أن تغيير النماذج سيكون رخيصاً وسهلاً. فقد استطلع شركاء في "أندريسن هورويتز" (Andreesen Horowitz) مؤخراً آراء 70 صانع قرار في مجال الذكاء الاصطناعي في الشركات الكبيرة، وتوصلوا إلى أن معظمهم يصممون التطبيقات بطريقة تجعل استبدال نموذج بآخر أمراً ممكناً. ويتوقع أحد المستخدمين الذين تحدثت معهم، والذي يعمل في مجموعة مالية كبيرة، أن تكون النماذج في المستقبل جيدة للغاية بحيث تستطيع توجيهها فقط إلى مجموعة بيانات أو إلى مهمة معينة فتقوم بإنجازها على نحو جيد مع إجراء تعديلات طفيفة إن وجدت. مع ذلك، كان لدى مستخدم بمجموعة مالية كبيرة مختلفة وجهة نظر معاكسة، تتمثل في أن التدريب ليس ما يستغرق وقتاً، بل تقييم للفعالية والدقة هو الذي يستغرق شهوراً من العمل، ومن المرجح أن يستمر كذلك. كما يمكن أن يؤدي التسرع في استخدام أداة جديدة من دون اختبار مناسب إلى أخطاء مثل روبوت الدردشة "ماي سيتي" (MyCity) في نيويورك، والذي أعطى الشركات المحلية إجابات خاطئة ونصائح مخالفة للقانون. سيكون ذلك كارثياً بالنسبة لأي نشاط تجاري مهم أو يخضع للتنظيم. ومع ذلك، ربما لا تحتاج شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي أبداً إلى رفع الأسعار. ويجب أن يستمر الانخفاض في تكلفة القدرة الحاسوبية مع استمرار تحسن الرقائق. وإذا أصبحت الأدوات من نوع "جي بي تي" منتشرة كما تأمل الشركات التي تقف وراءها، فإن السوق ستكون كبيرة جداً حتى أن الأسعار المنخفضة للغاية ستظل تدر إيرادات مذهلة. من المرجح أن ينتهي الأمر بشركة "أوبن إيه آي" وأقرانها وقد اكتسبت قوة سوقية هائلة، أن تبدو مهيأة لأن تصبح مؤسسات توريد مهمة وبنيوية بنفس الطريقة التي صارت عليها الخدمات السحابية فعلاً. ومع اندفاع الشركات لإطلاق إصداراتها الخاصة، يجب عليها بذل قصارى جهدها للتخطيط لذلك اليوم، وتجنب الوقوع في مصيدة مزود واحد للخدمة.
مشاركة :