لندن: جميلة حلفيشي «كلنا أبناء آدم، وكل ما يفرق بيننا هو الدمقس» مقولة قالها العالم البريطاني توماس فوللر (1654 - 1734) ولا تزال أصداؤها تتردد إلى اليوم. فما إن طرحت دار «زيغنا» الإيطالية مجموعة من البدلات من الدمقس الناعم الملمس، عززتها بحملة دعائية بعنوان «باشن فور سيلك» (عشق للحرير)، حتى أرسلت إشارة قوية بأن هذا القماش، على الرغم من نعومته ولمعته، لا يتعارض مع مفهوم الرجولة ولا مع التصميم الرجالي التقليدي. وكونها دارا إيطالية عريقة كسبت ثقة السوق لكلاسيكيتها العصرية منذ عقود، فإنها مهدت الطريق لكي يتقبل الرجل النسخة الجديدة منه من دون أن تزغلل لمعته عينيه، إن لم يكن في مناسبات النهار، ففي مناسبات المساء والسهرة على الأقل. فالمقصود هنا ليس الدمقس الذي تعود عليه الجميع، إما مخلوطا بالقطن أو الصوف أو الكتان، بل ذلك الذي يتمتع بلمعة تعكس الضوء، وكان إلى عهد قريب مقرونا بأزياء المرأة وأنوثتها، إلا أنه بدأ يتسلل بخجل إلى عالم الرجل منذ فترة واستقوى في موسم الصيف الحالي. طبعا هناك من سيقول إن هذه الخامة استعملت منذ زمن في البدلات الرجالية وإنها ليست جديدة أو دخيلة، وهم محقون في قولهم، لأنها بالفعل كانت الأكثر استعمالا في الماضي قبل أن يكتشف الإنجليز الصوف ويدخلوه في بدلاتهم، لكن الفرق أنه قلما كان يستعمل وحده في العقود الأخيرة، بل يخلط بخامات أخرى تستهدف التخفيف من لمعته ومنحه مظهرا مطفيا ومقبولا، أو كان يستعمل في بعض التفاصيل مثل ياقة السترة أو حواشي البنطلون، وفي الغالب في ربطة العنق أو القميص، إلى أن قرر مصممو الأزياء وخياطو «سافيل رو» على حد سواء، أن يكونوا أكثر جرأة ويزيدوا من جرعته من أجل التجديد. ريتشارد جيمس، من سافيل رو، مثلا، يؤكد أن الإقبال على الدمقس الناعم الملمس واللماع زاد مؤخرا، مضيفا أن الرجل، حتى وإن لم يكن يميل إلى هذا النوع بشكل كبير، إلا أنه كان يستعمله في الكثير من التفاصيل إلى جانب الإكسسوارات، بدءا من القمصان ومناديل الجيب إلى تبطين السترات والجوارب وغيرها من مكملات المظهر الرسمي الأنيق. ويشير أيضا إلى أن «مزجه بخامات أخرى مثل الكتان والصوف والقطن يمنحه قواما يسهل عملية تصميمه ويبرز جماليات جسم الرجل أكثر. فمزجه بقماش الكتان البسيط مثلا يجعله رائعا ومنعشا، على أن تكون نسبته أعلى من نسبة أي قماش آخر، علما أنه كلما زادت نسبته في البدلة أصبحت مناسبة للمساء والسهرة أكثر». والملاحظ في الكثير من عروض الأزياء الموجهة لهذا الصيف أن لمعته لم تقتصر على البدلات بل امتدت إلى القمصان والبنطلونات والمعاطف، وحتى بيوت الأزياء المعروفة بمخاطبة الرجل الراقي والهادئ مثل «إريمينيلدو زيغنا»، التي كانت من بين الأوائل ممن ركبوا هذه الموجة. فقد طرحت سترات مفصلة بأزرار من اللؤلؤ وبنطلونات وقمصان مطبعة، القاسم المشترك بينها دائما هي تلك اللمعة الحريرية الناعمة التي تعكس الضوء مع كل خطوة أو حركة. هذا النوع من «القماش يجب أن لا يخيف الرجل بل العكس، فهو يتمتع بمزايا كثيرة يمكن استغلالها لصالحه، منها أنه مترف ويتمتع بوجوه مختلفة» حسب رأي أنا زيغنا، التي تضيف أنه: «قماش مثالي لخلق خطوط عصرية ومفعمة بالرجولة». ومن هنا كانت تشكيلتها لهذا الصيف بعنوان «عشق للحرير» (باشن فور سيلك). وحتى تفند رأي البعض بأنه غير عملي وأن العناية به صعبة لأنه يبقع ويتجعد بسرعة، مما قد يعطي نتيجة عكسية، تقول إن تركيز «زيغنا» عليه هذا الموسم، لم يكن اعتباطيا أو مجرد رغبة في تقديم الجديد، بل جاء نتيجة أبحاث كثيرة، خصوصا بعد أن اشترت شركة «تيسيتورا دي نوفارا» الواقعة شمال إيطاليا والمتخصصة في صناعة وإنتاج كل أنواع الحرير منذ عام 1932. فقد كانت تريد منذ البداية أن تحصل على أنواع متعددة منه، وأن تتحكم في طريقة غزله ودبغه حتى تحصل على الملمس والدرجات المناسبة منه. ولأن الإيطاليين أكثر من أتقنه، بالإضافة إلى أنهم لا يتخوفون من تجربة الجديد عندما يتعلق بالأناقة، فإن دار «إيترو» بدورها قدمت مجموعة من الاقتراحات الدمقسية في بدلات وسترات منفصلة أغلبها مطبع بنقوشات جريئة وقليل منها بلون واحد. ولأن الصيف من الفصول التي يسمح فيها المصممون عموما لخيالهم بأن يشطح إلى ثقافات بعيدة، فإنها استلهمت من الهند نقوشاتها وأخذت منها حرير البروكار والدمقس الذي استعملته في سترات للمساء تقدر بـ885 جنيها إسترلينيا مع بنطلونات بـ330 جنيها إسترلينيا. كين إترو، المصمم الفني للدار يشرح أن «الدمقس عملي ونخبوي في الوقت ذاته، لأنه يتشرب اللون أكثر من أي خامة أخرى، عند دبغه، مما يضفي عليه توهجا غنيا». ويتابع: «يمكن الحصول فيه على كل أنواع التأثيرات سواء كان الهدف منه نتيجة ناعمة الملمس أو خشنة، مطفية أو لامعة». كريستوفر بايلي، مصمم دار «بيربيري» مثل الكثير من المصممين لم يستطع مقاومة إغرائه، وقدمه بلمعة معدنية في معاطف مطرية يقدر سعرها بـ1995 جنيها إسترلينيا، كما أن هناك كنزات تقدر بـ695 جنيها إسترلينيا، بينما استعمله البلجيكي دريز فان نوتن في سترات بألوان صارخة بأسعار تتراوح ما بين 540 و620 جنيها إسترلينيا يمكن تنسيقها مع بنطلونات تقدر بـ405 جنيهات إسترلينية. أما فريدا جيانيني مصممة دار «غوتشي» فقررت أن تخفف من نخبويته بإدخاله عالم «سبور» وشابا في بنطلونات مطبعة تقدر بـ595 جنيها إسترلينيا، مع قمصان «بولو» بـ545 جنيها إسترلينيا. لكن ما يبدو رائعا وبراقا على منصات عروض الأزياء، قد يصعب ترجمته في أرض الواقع أحيانا، خصوصا إذا كان بتصاميم شبابية وبألوان الطبيعة المتوهجة، مما يجعل كل تأكيدات وتطمينات المصممين، لا تنجح في إقناع بعض المتحفظين والكلاسيكيين بعمليته ومناسبته للكل، لهذا، ورغبة في تلبية طلبات كل الأذواق حتى لا تتأثر مبيعاتها، فإن معظم هذه البيوت طرحت مجموعات مخلوطة بالصوف والقطن لبدلاتها المتوجهة للمناسبات العادية (الكاجوال) تحديدا بالإضافة إلى قطع منفصلة يمكن استعمالها على حدة وبمزجها بقطع بخامات مختلفة. * همسات جانبية: * الجميل في هذا القماش أنه منعش في الصيف ودافئ في الشتاء. * قبل إدخال الصوف في البدلات الرسمية، كان الخامة الأكثر استعمالا في الماضي، والآن فإن الكثير من الخياطين يتجنبون استعماله ويفضلون عليه الصوف، بسبب صعوبة تطويعه، خصوصا إذا كانت نسبة الحرير فيه عالية، وهذا يعني أنه يحتاج لدراية وخبرة خياط ماهر وإلى وقت أكبر لتنفيذه، لهذا السبب لا تستغرب أن يكون سعره عاليا. * في كل الحالات، أنت تحتاج ولو لبدلة واحدة من الدمقس هذا الصيف لحضور حفل كبير أو عرس، وتأكد أنه سيكون مميزا ولافتا بشكل إيجابي إذا كان بجودة عالية. * إذا كانت فكرة بدلة من الدمقس اللامع لا تروق لك، يمكنك الاكتفاء بسترة أو ببنطلون تنسق أيا منهما مع قطعة من قماش مختلف، علما بأن «كانالي»، «لوبيام» وغيرهما فكرا في هذا الموضوع وطرحوا سترات «بلايزر» يمكن أن تكون حلا وسطا. «كانالي» مثلا تقدم خزانة متنوعة تشمل بدلات لماعة بعضها مخلوط بالكتان، يقدر سعرها بـ1100 جنيه إسترليني، وسترات منفصلة بـ920 جنيها إسترلينيا. * عند الحديث عن أنواع الحرير، فإنه لا بد للإشارة إلى أنه يأتي بدرجات ومستويات متعددة، وأن أفضله يتوفر في آسيا وإيطاليا تحديدا، نظرا للخبرة الطويلة في التعامل معه. وحسب الخبراء، فإن أفخم البدلات، تصنع من «دوبيوني» وهو اسم مشتق من كلمة «دوبيو» الإيطالية، أي المزدوجة، التي تشير إلى طريقة صنعه من شرنقة دودة قز مزدوجة ونادرة قلما تجود بها الطبيعة. عندما يتم لف خيوطها، فإن طولها قد يصل إلى أكثر من كيلومتر، بينما يتطلب إنتاج بدلة واحدة لنحو 5.000 «دوبيوني».
مشاركة :