.. هل نحن "ضحايا"؟ أم أننا لا نأخذ المسؤولية لما نكون من المسؤولين كاملة لتحقيق مسؤوليتنا، وما يستحق كامل الناس من حقوق؟ عندنا اصطلاح في الخليج يعبر عنه المرء لما يبلغ عنده السيلُ الزبي فيقول: "خلاص، انبطت جبدي!" ويعني أنه سئم ولم يعد يحتمل أكثر. بالنسبة لي أنا "انبطت جبدي" من كثرة ما أسمع في كل مكان وفي كل مقام عن ضحايا وزارة المالية، وكأن وزارة المالية شريرٌ جبارٌ مهمته فقط إعاقة المشاريع التي تطور البلدَ والناس. لا أدخل في نقاش مع موظف صغير في أي وزارة أو مصلحة أو رأس كبير فيها، إلا وأسمع الشكوى من وزارة المالية.. يعني أنهم ضحايا وزارة المالية. هل حقاً وزرة المالية هي البعبع المخيف، أو هي الرأس الأكبر العنيد، الذي لا يفهم ولا يريد أن يفهم أن الدنيا كي تسير في كل تصريف وكل مشروع وكل برنامج لا بد أن تُبذَل لها الأموال؟ ولأن الوزارة عنيدة، وقوية، يلجأ إليها الجميع فتردهم بأقل مما يريدون في أحسن الأحوال؟ وتتكرّر الميلودراما والصياح والانتقاد بأنهم ضحايا مساكين. لو كان هذا صحيحاً، فإن وزارة المالية وفقا لهذه الرؤية تتحكم في مفاصل بعض وزارات الدولة، ولو كان ذلك صحيحاً، فإن هذه الوزارة تتحكم أيضا في قرارات جهات حكومية أخرى، قد تكون في بعض الأحيان ليست من اختصاصها. وهذا ليس من المنطق. ما الصحيح إذن؟ ببساطة وصراحة، لا أعلم. فأنا لم أدخل أقبية وزارة المالية المخيفة، ولا أعرف دهاليزها التي يضيع فيها السائر حتى وهو يحمل الـ "جي بي إس". بل هل الوزارة كذلك؟ مما أسمع، وبمخيلة قارئ القصص من صغره كان ذاك الوصف الذي لا أتصوره يكون واقعاً. إنما أعرف شيئاً واحداً، هو أن على كل مسؤول أن يحمل نفسه ويتحمّل المسؤولية. أنت وزير في وزارةٍ ما يجب أن تتحمّل المسؤولية، وتتلبس صفة البطل لا صفة الضحية وتقاتل من أجل مسؤوليتك المنوطة بك، هل تعلم لماذا؟ لأن مدى جدية أي إنسان في تحمُّل مسؤولية يحدّد مقدار ما يستحق من صفات الشرف والاحترام. على المسؤول الحقيقي ألاَ يشير للعقبات والمعوقات، فالمسؤولية ببساطة هي قدرة الإنسان على تجاوز العقبات والمصاعب لتحقيق ما اختار، أو أُختيرَ له وقبَل، لتحقيقه. لذا بمباشرة صريحة إن لم تنجز أسباب مسؤوليتك وأنت باقٍ عليها، فأنت تخسر قيمة كبيرة من شخصيتك واحترامك. وكقارئ مدمن عرفت أنه لا يمكن أن ينتصر مَن يظن ويصدق أنه ضحيّة.. لذا، ما العمل مع وزارة المالية؟ في مقال الغد "مقتطفات الجمعة" نكمل.
مشاركة :