هل تنقذ الرسوم الجديدة البندقية من الإنهاك السياحي

  • 4/23/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

البندقية (إيطاليا) - تحتفل إيطاليا الخميس، الخامس والعشرين من أبريل، خلال عطلة عامة بالتحرر من الاحتلال الألماني النازي عام 1945، وبالتزامن مع الاحتفالات تطبق مدينتها الشهيرة المطلة على البحر الأدرياتيكي “البندقية” لأول مرة في تاريخها الممتد على مدار 1600 عام رسوما على دخول الزائرين إليها. فباعتبارها متحفا مفتوحا سيتعين على أي شخص يزور المدينة خلال الفترة بين الساعة الثامنة والنصف صباحا والرابعة عصرا، ولا يريد المبيت فيها، أن يدفع خمسة يوروهات. وتنهي المدينة الساحلية بذلك خلافا طويلا للغاية بين أهل البندقية، وتبدأ تجربة فريدة من نوعها في العالم ستحظى بمتابعة فضولية من مقاصد سياحية أخرى تعاني أيضا من تدفق مفرط للسائحين. والسياحة المفرطة، كما يسميها الخبراء، تتسبب الآن في أضرار جسيمة في مدن مثل أمستردام وبرشلونة ودوبروفنيك، وذلك على مستوى الشوارع والمباني والمجتمع ككل، فالضجيج المستمر وارتفاع الأسعار يجعلان الكثير من أهل هذه المدن يغادرونها إلى الأبد. وهذا الاتجاه كان واضحا في البندقية منذ فترة طويلة: لم يعد يتجاوز عدد المقيمين بشكل دائم في المدينة التاريخية نحو 50 ألف نسمة، بعد أن كان عددهم يزيد عن 175 ألف نسمة قبل بضعة عقود. وفي المقابل يوجد في المدينة أكثر من 50 ألف سرير للزائرين. والآن، حتى قبل بدء موسم الذروة بفترة طويلة، يصعب بشدة السير عبر الحارات الضيقة المحيطة بساحة سان ماركو وجسر ريالتو. السياحة المفرطة تتسبب الآن في أضرار جسيمة في مدن مثل أمستردام وبرشلونة، وذلك على مستوى الشوارع والمباني وفي بعض الأيام تعج المدينة بأكثر من مئة ألف سائح. وبوجه عام بلغت تقديرات عدد السائحين الذين زاروا المدينة خلال العام الماضي نحو 15 مليون سائح. يُجرى رصد تدفق الزوار على جدار ضخم من الشاشات في أحد مراكز التحكم بمحطة قطار جزيرة ترونكيتو. ويُوصَم في البندقية بأسوأ سمعة سائحو الرحلات البحرية الذين يتواجدون في المدينة لبضع ساعات فقط ويركضون في مجموعات كبيرة خلف راية يحملها مرشد سياحي، وينضم إليهم في مرتبة أسوأ الزوار سائحو اليوم الواحد الذين يتسمون بالحرص الشديد عند إنفاق أموالهم. ويشتكي سائق الجندول أندريا جيانيلو (27 عاما) قائلا “إنهم يأتون بالقطار من البر الرئيسي في الصباح، ومعهم حقيبة ظهر بها زجاجة ماء وشطائر بالزبدة أعدوها بأنفسهم، ويبقون على هذا النحو حتى المساء. كل ما نأخذه منهم هو نفاياتهم”. الآن سيتعين على الزائرين الذين يفدون إلى المدينة في زيارة مقتضبة دفع خمسة يوروهات كرسم دخول. ستكون اللائحة الجديدة مخصصة للأيام التي تكون فيها البندقية مزدحمة بشكل تقليدي، هذا يعني أنها ستُطبق مبدئيا في 29 يوما، من الخامس والعشرين من أبريل حتى الخامس من مايو على نحو شامل، وبعد ذلك باستثناء واحد (هو 3/2 يونيو) – في جميع عطلات نهاية الأسبوع حتى منتصف يوليو. وعند دفع رسم الخمسة يوروهات سيحصل السائح على رمز استجابة سريع “آر كيو – كود” على هاتفه عبر الإنترنت. وإذا لم يسدد الزائر الرسم ستُفرض عليه غرامة تتراوح بين 50 و300 يورو. وستتحق السلطات المعنية من تسديد الرسوم على وجه الخصوص في محطة القطار وفي أهم مراسي القوارب، مثل ساحة سان ماركو. وسيُعفى السكان المحليون والعمال والموظفون الذين يترددون على المدينة بشكل يومي والأطفال دون سن الـ14 عاما من هذا الرسم. وسيحتاج أيضا الزائرون الذين سيبيتون في المدينة إلى رمز الاستجابة السريعة، لكنهم سيحصلون عليه مجانا من الفندق أو مؤجِّر نزل المبيت. ولا تحظى هذه الرسوم بترحاب كبير بين أصحاب الفنادق في البندقية لأنها تزيد من أعباء العمل. وحاول رجال أعمال ومبادرات أهلية على مدار السنوات الماضية إيقاف المشروع لأسباب متباينة للغاية، لكن لم تُجدِ محاولاتهم نفعا بعد أن وافق مجلس المدينة بأغلبية واضحة في الخريف الماضي على تطبيق الرسوم مدفوعا بمخاوف من أن اليونسكو كانت على وشك أن تضع البندقية على القائمة الحمراء لـ”التراث الثقافي العالمي المهدد”. ويأمل عمدة المدينة لويجي بروجنارو في الحيلولة دون فقدان سمعة المدينة كجزء من التراث العالمي عبر تلك الرسوم، ويقول السياسي المنتمي إلى تيار يمين الوسط “الأمر لا يتعلق بالتربح. الحملة في حد ذاتها تكلف أكثر من الإيرادات التي سنحصل عليها. الهدف الأول هو حماية المدينة وجعلها مكانا يستحق العيش فيه مرة أخرى”. البندقية مزدحمة البندقية مزدحمة كما توصلت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية بعد إعادة حساب العائدات المتوقعة إلى نتيجة مفادها أن الدخل المتوقع خلال الأيام التي ستُطبق فيها الرسوم يكفي لتمويل البنية التحتية والضوابط اللازمة لعملية التطبيق، بينما لن تتبقى أموال لترميم القنوات والشوارع والمباني، كما وعدت سلطات المدينة. إلى جانب ذلك، يشكك العديد من الخبراء فيما إذا كانت “تذكرة البندقية” ستفيد بأي شيء. فكيف سيكون رسم الخمسة يوروهات رادعا لأي شخص يزور المدينة التي تتسم بأسعار جنونية في بعض الأحيان؟ في مقهى “كافيه فلويان” بساحة سان ماركو تبلغ تكلفة الكابتشينو الآن 12 يورو، بينما تبلغ تعريفة ركوب الجندول لمدة نصف ساعة مساء 110 يوروهات. يقول السائح الألماني روني بروير (44 عاما) “هذه المدينة تجعلني فقيرا بالفعل. خمسة يوروهات لم تعد ذات أهمية”. هل ستكون الرسوم حقا غير مؤثرة؟ على سبيل المثال عائلة بروير (الزوجة والابن والحماة) من بين الأشخاص الذين استأجروا شقة في البر الرئيسي لمدة أسبوع. ثلاثة بالغين: هذا يعني خمسة يوروهات لكل منهم على مدار سبعة أيام، ومع اللائحة الجديدة سيعني هذا إجمالي رسوم 105 يوروهات. ورغم ذلك لا يزال بروير، الذي يعمل نجارا، يرى الأمر على ما يرام. يقول بروير “تحتاج المدينة بالتأكيد إلى صيانة”. ورسميا كل شيء مجرد تجربة حتى الآن، فلا توجد تواريخ يتسم فيها التدفق السياحي بالذروة بعد يوم الرابع عشر من يوليو، لكن لا يتوقع أحد في الوقت نفسه أن يتم إلغاء الرسوم بعد فترة قصيرة من تطبيقها. ومن المرجح أن يتم تمديد العمل على نحو مرن يتوافق مع أعباء التدفق السياحي على المدينة. بالإضافة إلى ذلك ستتمكن المدينة من تتبع مسار الزوار في أرجائها على نحو مفصل إذا قام الجميع بتسجيل الدخول عبر هواتفهم المحمولة. وفي مركز التحكم في جزيرة ترونكيتو من الممكن بالفعل اليوم تحديد الجنسيات التي تشكل الأغلبية عند جسر ريالتو. وفي المستقبل ستتاح لمركز التحكم خيارات بيانات مختلفة تماما.

مشاركة :