ردت طهران على قصف قنصليتها بدمشق من قبل إسرائيل بهجمات استمرت لساعات بصواريخ بعيدة المدى ومسيرات كان نتيجتها تدميرها دون إحداث إي ضرر يوازي ماقامت به تل إبيب عندما اغتالت شخصيات مهمة في الحرس الثوري الإيراني وهي ليست المرة الأولى لكن قصف المقر الدبلوماسي وضع طهران في حرج كبير ألزمها الرد حتى لا يتكرر مثل هذا الأمر مجدداً فهي ترسل إشارة واضحة لأمريكا تحديداً أن إشعال حرب بالمنطقة وارد من جبهات حدودية مع إسرائيل وأن لذلك تبعات اقتصادية عالمية سلبية عديدة بينما تريد أميركا عبر وسائل عديدة منها الهجمات الانتقائية لإسرائيل على أهداف وشخصيات إيرانية بقصد إضعاف إيران تدريجياً بقتل المحركين الفعليين للمشروع الإيراني التوسعي. وبعيداً عن كل التحليلات السياسية والتي ركزت منذ سنوات على أن ما تقوم به إيران خدم إسرائيل بنهاية المطاف فحالة الضعف والتفكك في الدول التي تلعب إيران فيها دوراً كبيراً في توجيه قراراتها وإدارة شؤونها عبر وكلائها والموالين لها كل ذلك صب بمصلحة تل أبيب إذ أن هذه الدول خرجت تماماً من القدرة على مواجهة إسرائيل عسكرياً وبذلك ترى أميركا أن أمن دولة الاحتلال الصهيوني قد أصبح متحققاً بنسبة شبه مطلقة، ولكن ما الذي يدعو نتنياهو وحكومته المتطرفة لكل هذا التصعيد الخطير إذا لم تكن هناك أهداف وأبعاد واسعة ولمشروع بعيد المدى فهو لا يمكن أن يكون من باب التعامل التكتيكي مع أحداث طارئة فهي هجمات متسلسلة منذ سنوات باغتيالات لشخصيات فاعلة بالملف النووي الإيراني داخل إيران تفسها وكذلك قصف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة لها في دول مجاورة لإسرائيل إضافة لاغتيال قيادات لا يمكن تعويضها بسهولة فهي تمسك بملفات حساسة منذ سنوات وتعتمد عليهم طهران في تصدير الثورة والتمدد خارجياً وكل ذلك تحت عين أميركا ودعمها وإن كانت تعلن أن لاعلاقة لها بما تقوم به إسرائيل لكن ما يهم دول المنطقة بل والعالم ماذا لو كان الهدف مزيداً من الاستفزاز لطهران واضطرارها لتوسيع دائرة المواجهة مع تل أبيب وقبل كل ذلك مع أميركا التي لن تقف متفرجة في حال شنت حرب من دول حدودية مع إسرائيل إن الأثر السريع هو ارتفاع أسعار النفط عالمياً حتى أن رئيس بنك جي بي مورغان توقع وصول الأسعار لمستوى 150 دولاراً للبرميل رابطاً ذلك بمخاطر جيوسياسية بالمقام الأول ويضاف لذلك أيضاً ارتفاع كبير بأجور الشحن البحري والتأمين عليه مما يعني عودة لتضخم جامح سينسف كل ما تم عمله بالسياسة النقدية المتشددة من البنوك المركزية الكبرى بالعالم وسيكونون مضطرين لرفع سعر الفائدة من جديد وسينزلق الاقتصاد العالمي عموماً لركود بقيادة الاقتصادات الكبرى وسيشهد العالم انتكاسة اقتصادية لا تقل خطورتها وحجمها عن ما أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية بل وحتى إقفالات جائحة كورونا، فأميركا تعيش سنة انتخابية مهمة للحزبين الديمقراطي والجمهوري وتعد مفصلية بتاريخ أميركا وينتظر الرئيس السابق ترمب المنافس للرئيس بايدن أي تدهور اقتصادي ناتج عن عودة للتضخم أو فشل السياسات الاقتصادية لحكومة بايدن أو الدخول في حرب غير منتظرة في هذا التوقيت مع إيران ليحقق مكاسب انتخابية، ويبدو أن حكومة نتنياهو تعي وضع الإدارة الأمريكية حالياً لذلك تتخذ قراراتها وفق ما تسمح لها الظروف بتحقيق أفضل المكاسب بوقت قصير ولذلك ارتكبت جرائم مريعة في غزة لتبتلع المزيد من أراضي الفلسطينيين وتفرض شروط السلام معهم بما يجعلها لا تقدم أي تنازل وبذات الوقت تهيئ الأجواء لضرب مفاصل القوة لإيران بما في ذلك مشروعها النووي مستقبلاً بينما أميركا تريد التهدئة هذه الشهور التي تسبق الانتخابات الرئاسية لكنها أيضاً تعمل على التمهيد لمنع تمدد الصين وروسيا عالمياً عبر العلاقة مع الشرق الأوسط حيث ترتبط إيران معهما بعلاقات واسعة جداً ومتعددة الجوانب. تتبع إيران سياسة الصبر الاستراتيجي وهو مجرد مصطلح هدفه الهروب من المواجهة المباشرة مع أميركا وإسرائيل حتى تتمكن من النجاح بمشروعها للصواريخ البالستية وأيضاً القدرة على إنتاج سلاح نووي لكن التصعيد الحالي ضدها حتى وإن كان احتمالية توسعه ضعيفة إلا أنه غيب أخبار جرائم إسرائيل بغزة عن الإعلام وأدخل العالم بتشعبات جديدة لأهداف قصيرة يريد نتنياهو تحقيقها لكن ذلك قد يكون من باب بداية التوجه لوقف مشاريع إيران العسكرية ومنعها من تحقيق ما تهدف له من تمكين قدراتها العسكرية والتي ستشعل سباق التسلح بالمنطقة أكثر لكن سيكون لهذا التصعيد لو تحقق تبعات اقتصادية سلبية عديدة على العالم وستضطر الكثير من الشركات والمستثمرين الأجانب للانتظار ووقف ضخ استثماراتهم بالمنطقة بخلاف التبعات التي سيخلفها التضخم عالمياً وأيضاً مخاطر الدمار الذي سيلحق بدول تتواجد بها إيران قد تكون ساحة الصراع.
مشاركة :