«تُعرّض حياة الآخرين للخطر والابتزاز وعدم الاحترام»، «تتسبب بالإحراج وتعكير المزاج»، «تتجاوز الخصوصيات»، «تتقن الترويع والسخرية والغلاظة»... قد تكون هذه بعض المفردات الطاغية على كثير من برامج الفكاهات «الكاميرا الخفية» على الفضائيات العربية. «ينقلب المزاح إلى جِد»؛ مقولة يمكن تطبيقها وتذكرها عند مشاهدة هذه النوعية من البرامج، باستثناء بعضها، فلا مكان لمرضى القلب والأعصاب والحساسية والجلطات الدماغية والضغط عند معدّيها. وعلى الشاشات العربية، يضحك المشاهد كثيراً على مصائر أناس يقعون في فخاخ مقدمي «الكاميرا الخفية»، وهو لا يقدر الحال النفسية السيئة التي وصل إليها البطل «الضحية» في مواقف لا يُحسد عليها، وابتسامته للكاميرا في نهاية «المقلب» لا تعبر عما يدور في داخله، سواء كان شتائم أو غيرها. من الطبيعي أن الفكاهات تحمل في ثناياها العديد من الرسائل المفرحة للمتفرج مثل تغيير الجو النفسي السيئ الذي قد يعيشه ومحاولات رسم البسمة على الشفاه، لكنّ النتائج تأتي في المحصلة النهائية، وتصبح غير ذات منفعة عامة إذا عُرفت مخلّفاتها. خفة الظل قد تكون سمة لبرامج أخرى مميزة في طرحها وفكرتها، والمشاهد العربي دائماً ما يتذكر الفنان المصري فؤاد المهندس عند الحديث عن «المقالب» والكوميديا، وكذلك غيره من الفنانين السوريين مثل دريد لحام ونهاد قلعي. وتتمثل الغاية الأهم في برامج الكاميرا الخفية في معرفة ردود أفعال الناس، حتى أن مراكز الدراسات والبحوث تعتمد على فيديوات المواقف هذه لتبني عليها نتائج واستخلاصات سوسيولوجية وسيكولوجية وأنثروبولوجية. ولكن على شاشاتنا، يبدو أن المعركة هي لأجل المال فقط لا المجتمع، لاسيما حينما نتحدث عن موازنات ضخمة توضع لهذه البرامج، والتي على رغم نجاحها تؤثر في شكل سلبي على الجماهير. ولا تتوقف القافلة عند سلسلة برامج الفنان المصري رامز جلال «رامز قرش البحر»، أو «طيمشة ونيمشة» للسوري زياد سحتوت، أو «فؤش في المعسكر» لمحمد فؤاد، أو «الكاميرا دارت بيا» للمغربية جميلة البرجي بنعيسى، أو البرنامج التونسي «براكاج»، أو الجزائري «كاميرا كاشي»، أو السعودي «مقالب مذيع»، وغيرها من مقاطع الفيديو التي يروج لها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، مثل «سلامات شو» السعودي. فالأعصاب الباردة وخاصية البداهة (الإجابة السريعة) التي يتمتع بها مقدمو الكاميرا الخفية قد لا تفلح كثيراً في أن تجعل منهم أشخاصاً محبوبين في حياتهم العادية، الأمر الذي أكده أحد المقدمين، من أن المتلقين يبادرون إلى المزاح معه كلما رأوه في الشارع، وكأن حياته كلها كوميديا. وتجدر الإشارة إلى حقيقة خطيرة تتلخص في أن غالبية برامج المقالب التي تستضيف فنانين أو غيرهم من الشخصيات المعروفة، يُخطط لها مسبقاً كنوع من «التواطؤ» و «الفبركة» عبر سيناريوات مسبقة تفسد صدقية الفنان والهدف من البرنامج أصلاً. مثلاً، قد يتحول الهدف من الترفيه إلى التخويف، كما في حال سقوط طائرة «رامز واكل الجو» أو إضفاء طابع عدواني كما في «الحكم بعد المزاولة». ولكن، كيف هي حال الكاميرا الخفية الأجنبية؟ في البرامج الأجنبية، كثيراً ما تكون الفكرة بسيطة غير مستفزة تحمل لمحة إبداعية وتلامس المشاعر الإنسانية ولا تسيء بالتجريج أو المبالغة أو «الاستظراف»، كون الهدف يختلف من برنامج إلى آخر. من هنا، بات نجوم الكوميديا الأجانب معروفين، ولهذا كثيراً ما يغيرون ملامحهم، وينجحون في كثير من الأحيان، لكنهم في النهاية لا يتبعون أي أسلوب قائم على العنف «الدرامي»، مثل gags. وفي المحصلة، يحذر خبراء الاتصال والمتخصصون النفسيون والاجتماعيون من محاولة إسعاد الناس بإيقاع ضحايا آخرين، عبر استفزاز أخلاقهم مثلاً واستخدام كلمات نابية لا تناسب أفراد العائلة، لأن توصيل المعلومة إلى ذهن المشاهد عبر الترفيه يكون أسهل من أي طريقة أخرى، وهنا تكمن الخطورة أيضاً في اللعب بحياة الناس. وتاريخياً، ظهرت برامج الكاميرا الخفية للمرة الأولى في العالم سنة 1948 في أميركا على يد المنتج ألان فونت، وانتقلت الفكرة إلى فرنسا من خلال جان بول وجاك رولاند وجاك لوكرا على قناة «آر تي أف» سنة 1964.
مشاركة :