استنكر نشطاء وحقوقيون مغاربة مضمون فيديو برنامج “المواعدة العمياء” الذي كانت بطلته مؤثرة مغربية – هولندية ظهرت بملابس فاضحة لاختيار فارس أحلامها مستعينة بكلبتها. وأثار الفيديو الجدل حول قيم الأسرة المغربية وما حققته المرأة في المغرب من مكتسبات. واعتبر برنامج “المواعدة العمياء” مشجعا على العلاقات العابرة. خلق فيديو “المواعدة العمياء”، الذي ظهرت فيه المؤثرة المغربية – الهولندية أرماني الجوماني وهي “شبهَ عارية” أمام مجموعة من الشبان الذين تم إخفاء وجوههم، جدلا واسعا بشأن قيم الأسرة المغربية وفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من التأويلات حول نظرة المجتمع وخصوصا شباب الفيسبوك إلى المرأة. وقد أجمع طيف كبير من المجتمع المغربي على أن السماح بنشر مثل هذا النوع من المحتوى يشكل تهديدا لقيم المجتمع والأسرة. وبررت صاحبة الفيديو أرماني الجوماني الموضوع عبر حسابها الشخصي على تطبيق تيك توك بكونها لم تترعرع داخل المجتمع المغربي، بل في هولندا حيث يعتبر هذا الأمر عاديا. كما بررت الشابة البالغة من العمر 20 عاما استعانتها بكلبتها لاختيار “فارس أحلامها” بالحديث عن أهمية حيوانها الأليف في علاقتها مع شريك حياتها. وتطرقت أيضا إلى انزعاج المغاربة من الفكرة العامة للبرنامج، حيث اعتبرها كثيرون مهينة للرجال ومذلة ومشجعة على العلاقات العابرة، لتنفي أرماني هذا الأمر وتجدد اعتذارها للمشاهدين. وأطلقت المؤثرة المغربية – الهولندية على تطبيق تيك توك نسخة من البرنامج الأميركي “بلند داتينغ” (المواعدة العمياء) الذي يبث في منصات التواصل الاجتماعي. فكرة البرنامج تدور حول شابة تحاول التعرف على فارس أحلامها من خلال اختيار أحد الشباب بناء على ملابسه وطريقة كلامه وتدور فكرة البرنامج حول شابة تحاول التعرف على فارس أحلامها من خلال اختيار أحد الشباب بناء على ملابسه وطريقة كلامه، دون رؤية وجهه، وقد طالت الانتقادات استعانتها بكلبتها من أجل اختيار شريكها بين مرشحين اثنين في المرحلة النهائية، ولتفادي الانتقادات نشرت أرماني فيديو عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتذرت فيه وأشارت إلى أن ملابسها تعكس هويتها الهولندية. واستنفر مضمون الحلقة ناشطين في مجال حقوق الإنسان إلى جانب طيف واسع من المواطنين الذين اعتبروا أن الشريط ينشر التفاهة ويستورد قيما وسلوكات غريبة عن البيئة المغربية ويطعن في كرامة الرجل والمرأة على حد السواء والأسرة المغربية، ويضرب المكتسبات الحقيقية التي حققتها المرأة المغربية. وأكد عبدالمنعم الكزان، الباحث في العلوم الاجتماعية، أن أغلب المحتجين والمنتقدين كانوا ينتقدون الصورة التي حاول البرنامج أن يسوقها حول الثقافة المغربية والرجل والمرأة المغربيين، بشكل لا يعكس مطلقا واقع الرجل أو المرأة في المغرب (تناول المخدرات، الكحول، مستوى ثقافي بسيط)، وأيضا التكريس الفج لمكانة المرأة المغربية كمحاولة لغرس نموذج مشوه ومهزوز للشاب المغربي أو الشابة المغربية على المستوى الإعلامي وتسويقه، مذكرا بأن الإعلام المغربي سبق له أن قدم برامج مرتبطة بالزواج. وأوضح الكزان في تصريح لـ”العرب” أن “الإشكال ليس في التعاطي مع فكرة التعارف والمواعدة في حد ذاتها باعتبارها طبيعة وغريزة بشرية يختلف التعاطي معها ثقافيا من مجتمع إلى آخر، لكن في نفس الوقت يجب التعاطي مع هذا الأمر بشكل أكثر حكمة وقدسية وعقلانية ومسؤولية وصرامة من جهة الأسرة ومن جهة الفتاة والشاب المعنيين، حتى يتوج الأمر ببناء أسرة منسجمة، فالإنسان ليس كائنا اجتماعيا فقط، بل هو كائن أخلاقي أيضا”. وطالبت نجية تزروت، رئيسة شبكة “الرابطة إنجاد ضد عنف النوع”، بـمنع أي محتوى إشهاري يسيء إلى المرأة أو لا يواكب مقتضيات الدستور الذي يبقى متقدما جدا بخصوص تحقيق المساواة بين النساء والرجال، في الوقت الذي لم يستطع فيه المجتمع بعد أن يستوعب ذلك، مع ضرورة إعادة تفعيل المرصد الوطني لحماية صورة النساء في الإعلام، ما من شأنه إيقاف أي صورة نمطية يمكن أن تتسرب بخصوص المغربيات. بدورها اعتبرت فتيحة شتاتو، محامية وعضو فيدرالية رابطة حقوق النساء، الواقعة “صدمة قوية لقيم المجتمع المغربي الراسخة، وضربا واضحا لصورة المرأة، التي لا يمكن أن تكون بهذا الشكل”. وأوضحت شتاتو أن الفيديو يضرب في الحقيقة المرأة والرجل معا، وينقص من كرامتهما معا، كما يشوه سمعة المؤسسة الزوجية في المغرب، والتي تنبني على تقاليد عريقة ممتدة عبر التاريخ. وبالنسبة إليها يعتبر تدخّل الأجهزة الأمنية أمرا محمودا من أجل الوقوف بحزم ضد “مثل هذه الممارسات التي تضر بالمرأة المغربية وتشوه صورتها بشكل كبير”. وترى المحامية والعضو في فيدرالية رابطة حقوق النساء أن انتقال الأمر إلى جيل الشباب الحالي خطير، ويصعّب المحافظة على المكتسبات الكبيرة التي حققتها المرأة المغربية، وقالت “تبريرات بطلة الفيديو بكونها ترعرعت في هولندا تدفعنا إلى دعوتها إلى قراءة تاريخ المرأة والمجتمع المغربي”. أسر محافظة ونظرا لردود الفعل القوية ضد هذا البرنامج دخلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على الخط للتحقيق في شبهة المساس بالأخلاق العامة والحضّ على الإخلال العلني بالحياء بواسطة الأنظمة المعلوماتية، وذلك بعد تداول شريط الفيديو، حيث قامت اليقظة المعلوماتية للأمن الوطني بإحالة الفيديو على المكتب الوطني لمكافحة الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وذلك من أجل بحث هذه المسألة تحت إشراف النيابة العامة المختصة. وأكد عبدالمنعم الكزان أنه يمكن التعامل مع البرنامج من خلال التفاعل مع مشاكل تنشئة المهاجرين المغاربة في بلدان الاستقبال، فالمؤثرة تمزج بين ثلاث ثقافات الهولندية والمغربية والفنلندية أيضا، وأن طريقة تعاطي المؤثرة مع المواعدة تثير إشكالية الاستلاب والتشتت والفصام الثقافي للعديد من المهاجرين، إذ أن فسح المجال لكلبة كي تختار شريك حياة مرافقتها أمر لا يستسيغه المغاربة، كما أن الأمر يطرح قضية التحولات التي فرضها الفضاء الرقمي في التعاطي مع مسائل مثل الحب والزواج وعلاقات الرجل والمرأة كعلاقات إنسانية. وفي إطار اختلاف قيم المجتمع المغربي عن قيم وتقاليد مجتمعات أخرى، منها ما يتعلق بالزواج في المغرب الذي يحتكم إلى مجموعة من القواعد والضوابط والتقاليد، ونظرا لمحاولة تسويق صور النمطية وخطابات الدونية والوصمِ والإهانة وتَشْيِيءِ المرأةِ في المضامين الإعلامية وغيرها من الوسائط الرقمية، نبهت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، إلى أن محاربة الصور النمطية ترتبط بأدوار المؤسسات التعليمية في التوعية والتحسيس بخطورة تنميط أي فرد من المجتمع. وحسب الكزان شهدت مشاريع التعارف تحولات يتداخل فيها ما هو ديجيتالي رقمي يخضع لتأثير الترندات والهندسة الاجتماعية وشبكات البوتات الاجتماعية، وما هو اجتماعي. كما أن البحث عن شريك في عصرنا الراهن أصبحت له هوامش كبيرة في الفضاء العام المنفلت من رقابة الأسرة، بالإضافة إلى العديد من فضاءات التعارف الرقمي التي تسهل هذا الأمر. المحتجون والمنتقدون كانوا ينتقدون الصورة التي حاول البرنامج أن يسوقها حول الثقافة المغربية والرجل والمرأة المغربيين وأضاف الكزان في حديثه لـ”العرب” أنه “على المستوى الأنثروبولوجي لا بد أن نذكّر بالخصوصية الثقافية للمغاربة وربما هي أقدم من الثقافة الفنلندية والهولندية نفسها في مسألة المواعدة للفتاة والشاب في العديد من مناطق المغرب، خصوصا الجنوب الشرقي وسوس؛ إذ كانت تتم أمام أعين العائلة والقبيلة، وكل اختلاء وابتعاد عن القبيلة مرفوضان في إطار ما يسمى بظاهرة ‘الصقير أو تاجماعت أو تاقرفيت’، حيث تخرج الفتيات في الأعياد أو المناسبات أو فصل الصيف وهن يرتدين جلابيبهن للقاء الشباب، ويكون ذلك في الغالب بين العصر والمغرب، للتفاهم والتواصل والتعارف الذي غالبا ما يكلل بالخطبة والزواج على الطريقة المغربية التي تبرز في طقوس العرس المغربي المعروف”. ولاقى برنامج “المواعدة العمياء” المبثوث على قناة موجودة في يوتيوب انتقادات كثيرة، منها ما سجله يوتيوبر حين استغرب أولا من كون الشبان موضوع اختيار الشابة، باستثناء واحد، غادروا الدراسة باكرا، بمعنى أن مستواهم العلمي والأكاديمي محدود، وفي ذلك إشارة إلى التشجيع على أن “فارس الأحلام” ليس من الضروري أن يكون متعلما. كما ركز صاحب القناة على ملاحظات تخص الأسئلة التي تطرحها الشابة على فرسان أحلامها المفترضين، حيث لا وجود لأي سؤال جوهري، فقط “التفاهة” مثل ماركة الملابس وصفات الفتاة التي يريدها وليست التي يحبها، واكتمل المشهد بحضور الكلبة التي صارت معيارا أو اختبارا لاختيار “فارس الأحلام”. وتطرق المدون إلى عدد المشاهدات الذي بلغ 700 ألف مشاهد في يوم واحد، ولم يستبعد أن يصل إلى مليون في اليوم الثاني، وهو نتاج طريقة اشتغال أصحاب برنامج “المواعدة العمياء” في نسخته المغربية، والذي جعل من الإثارة في لباس الفتاة ونوعية المشاركين العمود الفقري لجذب انتباه عموم رواد يوتيوب، ليخلص إلى أن الحل الأمثل هو المقاطعة لمن يرفض مثل هذا الفيديو.
مشاركة :