مدريد - تجمّع الآلاف من مناصري الحزب الاشتراكي الإسباني في مدريد اليوم السبت لحضّ رئيس الوزراء بيدرو سانشيز على عدم تقديم استقالته، قبل نحو 48 ساعة من إعلانه قراره على خلفية تحقيق يطال زوجته بتهمة استغلال النفوذ والفساد. واحتشد المناصرون الذين قدّرت السلطات عددهم بـ12500 شخص، خارج مقر الحزب في العاصمة، تزامنا مع عقد اجتماع لقادته. ورددوا شعارات مثل "بيدرو رئيساً"، ورفعوا لافتات كتب عليها "إسبانيا بحاجة إليك". وكان سانشيز أعلن في 24 أبريل/نيسان أنه "يفكّر" بالاستقالة بعدما فُتح تحقيق بحق زوجته بيغونيا غوميز في الـ16 من الشهر الجاري بناء على شكوى تقدمت بها جمعية "مانوس ليمبياس" الأيادي النظيفة، وهي مجموعة تعتبر قريبة من اليمين المتطرّف. وأكد سانشيز (52 عاماً) الذي يتولى الحكم منذ 2018، أنه سيعلن قراره الإثنين، وعلّق نشاطاته حتى ذلك الحين وقال في رسالة نشرها الأربعاء "أحتاج إلى التوقّف والتفكير" لاتخاذ قرار "بشأن ما إذا كنت سأستمرّ في منصب رئيس الحكومة أو إذا كان عليّ أن أتخلّى عن هذا الشرف". وشكّل الإعلان مفاجأة في إسبانيا حتى لوزراء مقرّبين من سانشيز أكدوا أنه لم يطلعهم على إعلانه هذا بشكل مسبق. وقالت سارة دومينغيز، وهي مستشارة في الثلاثينات من العمر شاركت في التحرك "آمل أن يقول سانشيز الإثنين إنه سيبقى" رئيسا للوزراء، معتبرة أن حكومته "اتخذت إجراءات جيدة جدا لصالح النساء والأفراد المنتمين لمجتمع الميم، والأقليات". بدورها، أبدت الموظفة الحكومية ماريا دييز (44 عاما) خشيتها من أن يتولى "اليمين المتطرف الحكم، ما سيؤدي إلى تراجعنا في مجال الحقوق والحريات". وقام مسؤولو الحزب المجتمعون في مقره بمدريد، بتحية المناصرين المحتشدين وتوجهت نائبة رئيس الحكومة وزيرة الميزانية ماريا خيسوس مونتيرو إلى سانشيز بالقول "أيها الرئيس، ابقَ. بيدرو، ابقَ، نحن معاً... علينا أن نتقدم، أن نواصل دفع هذه البلاد إلى الأمام، لا يمكن لإسبانيا أن تتراجع". وتترقّب إسبانيا قرار سانشيز وفي حين لم يستبعد محللون أن يعمد إلى الاستقالة، رأى آخرون أن من الخيارات الممكنة طرح الثقة في البرلمان ليُظهر أن حكومته لا تزال تحظى بالغالبية في مجلس النواب، ما يتيح له البقاء في منصبه. بدوره اتهم ألبرتو نونييس فيخو زعيم الحزب الشعبي اليميني، أبرز أطياف المعارضة الإسبانية، سانشيز بتقديم "مسرحية". وقال إن "الغالبية العظمى" من الإسبان "تشاهد بذهول المسرحية الأخيرة التي قدّمها سانشيز". كما اعتبرت الأمينة العامة للحزب كوكا غامارا أن سانشيز يسعى إلى "الحصول عبر جعل نفسه في موقع الضحية، على تأييد لا يتمتع به حاليا". وبحسب ما ذكر موقع "إل كونفيدانسيال" يركزّ التحقيق ضد زوجة سانشيز على صلات لها بمجموعة السياحة الإسبانية "غلوباليا" مالكة شركة الطيران "اير يوروب" في وقت كانت تُجري الأخيرة محادثات مع الحكومة للحصول على مساعدات في مواجهة الانخفاض الكبير في الحركة الجوية الناجم عن جائحة كوفيد. كما يوجّه المعارضون انتقادات لرئيس الحكومة على خلفية قضية فساد متعلقة بعقود لشراء كمّامات خلال جائحة كوفيد - 19، يُتهم فيها مُقرّب من أحد الوزراء في حكومته من 2018 إلى 2021، والذي كان من الحلقة الضيقة لسانشيز. مدريد - جدد وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، انتقاده للحزب الشعبي" بي.بي" المعارض بسبب استمراره في اتهام حكومة بيدرو سانشيز بالرضوخ لما يسميه بـ"تعسف المغرب"، في استمرار لسياسة اليمين المتطرف باستخدام هذه الورقة للمزايدة السياسية بعد فشله في تحقيق طموحاته في الانتخابات الأخيرة والتي أثبتت أن المزاج العام في أسبانيا يتواءم مع السياسية الخارجية للتقارب مع الرباط. وقال ألباريس بأن الحزب الشعبي "مهووس" بالعداء تُجاه المغرب، وذلك خلال رده في البرلمان الإسباني على المتحدث باسم العلاقات الخارجية للحزب الشعبي، كرلوس فلوريانو، الذي اتهم الحكومة الإسبانية بالاستسلام وعدم اتخاذ أي تدابير تُجاه المغرب الذي يُمارس "التعسف" على مدينتي سبتة ومليلية بطرق مختلفة، من بينها رفض الرباط فتح الجمارك التجارية بالمعبرين الحدوديين. وأكد الوزير الأسباني بأن العلاقات بين المغرب وإسبانيا تسير في مستوى جيد، منتقدا "الهوس العدائي" الذي يكنه الحزب الشعبي في خرجاته المستمرة ضد المغرب، من أجل انتقاد الحكومة الإسبانية وتبخيس انجازاتها السياسية. وكانت العلاقات المغربية – الإسبانية موضوعا رئيسا في الانتخابات المحلية، التي أعطت المرتبة الأولى للحزب الشعبي اليميني المعارض. فحسابات الأحزاب السياسية الإسبانية المعارضة أرادت إظهار حكومة بيدرو سانشيز عديمة المسؤولية عندما قررت دعم سيادة المغرب على صحرائه. ولاحظ مراقبون أن الحزب الشعبي الإسباني الذي كان في السابق يركز على ضرورة بناء علاقات جيدة مع المغرب، أصبح في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد فشله في تولي الحكومة أمام حزب العمال الاشتراكي بعد انتخابات 23 يوليو/تموز الماضي، ينهج سياسة عدائية تُجاه المغرب، يفوق فيها أحيانا العداء "المنهجي" الذي يمارسه حزب "فوكس" المنتمي لليمين المتطرف. ودأب حزب “فوكس” على توظيف ورقة المغرب مع بداية كل استحقاق انتخابي للعزف على وتر معاداة المهاجرين وتحقيق مكاسب انتخابية، لكنه فشل في تحقيق مآربه بخسارة مدوية. وعلى الرغم من النجاح الانتخابي الذي حققه الحزب الشعبي، إلا أنه كان على حساب حليفه الحزب اليميني المتطرف فوكس الذي خسر 19 مقعدا وأحزاب أخرى لا تمت بصلة إلى تحالف الأحزاب اليسارية، وهو ما دفع الكثير من المحللين الإسبان للحديث عن انتصار انتخابي لليمين المحافظ في طعم هزيمة سياسية، واستقرار انتخابي لتحالف سانشيز وتحقيق مكسب سياسي ثمين تمثل في إفشال طموحات المعارضة في تغيير وجهة إسبانيا وسياساتها الخارجية. وأبرزت مخرجات الانتخابات الأخيرة 23 يوليو 2023، أن الحاسم الأكبر هو موضوع المغرب، أو إدارة العلاقة مع المغرب، والمقاربة التي ينبغي على مدريد تبنيها في إدارة سياستها الخارجية مع المغرب. وأظهرت هذه الانتخابات، أن موقف الإسبان من قضية الصحراء قد تغير بشكل كبير، وأن حكومة بيدرو سانشيز لم تكن معزولة شعبيا بقرارها الاستراتيجي، وأن إسبانيا، أصبحت ترى نفسها، بل وترى مصالحها الاستراتيجية، في ظل الاستمرارية أكثر منها في ظل القطيعة، وأن ما يؤكد ذلك أن الأحزاب المتطرفة، في جهة اليسار لينت مواقفها فلم تتأثر مقاعدها، وفي جهة اليمين، تأثرت مقاعدها بشكل كبير بسبب الحساسية الشعبية التي أثارها عداؤها المفرط للمغرب. وكان وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، قد انتقد الحزب الشعبي في مارس/آذار الماضي، بأنه "مهووس بالعداء للمغرب"، وذلك في معرض جوابه على نائبة برلمانية تنتمي للحزب المذكور، في جلسة بالبرلمان نوقشت فيها العلاقات المغربية الإسبانية. وحسب الصحافة الإسبانية أنذاك، فإن النائبة البرلمانية عن الحزب الشعبي، بيلار روخو، كانت قد وجهت سؤالا لألباريس، طالبت فيه معرفة تطورات خارطة الطريق الجديدة بين الرباط ومدريد، وجددت السؤال عما إذا كان المغرب اخترق هاتف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، مما دفع ألباريس إلى اتهام الحزب الشعبي بأنه حزب أصبح مهووسا بالعداء للمملكة المغربية. وأضاف ألباريس بأن الحزب الشعبي الإسباني "أدار ظهره" للمغرب تحت قيادة ألبيرتو نونييز فييخو، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه العلاقات مع بلد مثل المغرب جيدة، خاصة في ظل الروابط والشراكات العديدة التي تجمع بين البلدين. وأوضح ألباريس، بأن قيمة العلاقات التجارية بين المغرب وإسبانيا تتجاوز 20 مليار يورو، كما أن المملكة المغربية تُعتبر ثالث شريك لإسبانيا من خارج الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التعاون الثنائي الذي يجمع البلدين في قضايا مثل الهجرة ومكافحة الإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الإسباني، كان قد وجه في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي انتقادات حادة لأحزاب اليمين، بسبب استمرارها في الادلاء بتصريحات وخرجات معادية للمغرب، واستغلالها لبعض القضايا التي لم يتم حلها بعد بين مدريد والرباط، مثل قضية الجمارك التجارية بسبتة ومليلية، حيث اعتبر بشكل غير مباشر أن ذلك مزايدات سياسية.
مشاركة :