في مساء مختلف، قبل ثمانية أعوام، شاهدنا وسمعنا – كسعوديين – ما يشبه الأحلام. كان الأمير محمد بن سلمان يقف في قلب المشهد، وخلفه شعار رؤية السعودية 2030. كان يتحدث أمام مجموعة من الوزراء والقياديين والإعلاميين، فيما تسمّر خلف مختلف الشاشات ملايين السعوديين بأطفالهم وأحلامهم وأمنياتهم المحلقة. ظهر وهو يشير إلى المستقبل، ونحن ننظر معه وننتظر. كانت تلك الليلة من 2016 تمثل الإعلان عن إطلاق رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي وضعها بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، صاحبُ السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظهما الله. تحدث الأمير الملهم وفريقه المتقد عن رؤية التغيير والنهوض، الغايات الرئيسة التي أصبحت واضحة ومعلنة، وعشرات المستهدفات وبرامج التحول التي رسمت مساراتها بإتقان، ووضعت مؤشرات قياسها بدقة، وشكلت لها الكوادر والفرق والهيئات الإدارية والفنية التي تضمن التقدم عبر المتابعة والقياس والمحاسبة أيضا. كان سقف الطموح عاليا جدا، وملامح الاهتمام تطاول حتى تلك الأجيال التي لم تولد بعد. مستقبل آخر ينمو فيه الوطن والمواطن بشكل مثالي، وتزدهر فيه الأرض كما يجب، وتستثمر فيه السعودية مواطن قوتها وركائز نهضتها الرئيسة: عمقها الثقافي والتاريخي، وقدراتها الاقتصادية والاستثمارية والبشرية، وموقعها الجغرافي المميز. بدأ العمل سريعا، وكأنه ماراثون لا يسمح فيه بأخذ الأنفاس، أو ثورة من التغييرات المتتالية والسريعة في كل المجالات، تغييرات طالت حتى أكبر الرؤوس التي اعتادت الخمول، وامتهنت التنظير الذي يسحق الحماس ويجعله هامشيا. كان بلدوزر مؤشر الأداء لا يعترف بالأسماء، ولا تعنيه التبريرات، ولا يقف عند الأرقام المتواضعة. قاد الأمير محمد بن سلمان، خلال ثماني سنوات، ما يشبه الحرب على الفوضى والترهل والفساد، كان الواقف دائما حين يسقط الآخرون لالتقاط الأنفاس واستعادة الطاقة. وآمن، ومعه السعوديون، بأننا قادرون على الانتصار والتغيير والنهوض. في عامها الثامن؛ نعيش اليوم، مع رؤية السعودية 2030، ما كنا نخاله أحلاما وضربا من الخيال، نعيش اليوم في السعودية التي شكلت ملامحها في مساء 25 أبريل 2016. نقطف الآن من تلك الأشجار التي غرست ذلك المساء، ونسير في تلك الطرق التي كنا نتمنى أن نراها. اليوم، نعايش القفزة التي حملت الأنظمة والتشريعات والسياسات، والتحول التقني السريع والمذهل، الاهتمام الدقيق بالإنسان وصحته وغذائه وتعليمه وجودة حياته، البنى التحتية والبيئة واستدامتها. والثقافة التي أعيد تشكيلها بما يمنح الإنسان الثقة، ويمكّنه من قدراته، ويدفعه نحو النهوض والعمل. نأكل، اليوم، من الغذاء الذي أصبحنا نراقب أمنه، ونسعى إلى وفرة مصادره وتعزيز مخزونه الاستراتيجي، الذي وصل هذا العام إلى 2.4 مليار من المنتجات الزراعية. ونشرب من المياه التي غفلنا عن أمنها عقودا كثيرة، وأعاد الاهتمام بها حتى معالجة واستغلال ما يصل إلى 25% من رجيعها، وحماية مواردها عبر الاستعاضة بالمياه المحلاة، وتدوير المياه المعالجة في القطاع الزراعي بما يتجاوز 483 مليون متر مكعب في العام. نعيش اليوم في الدولة التي كانت تعتمد على النفط بشكل رئيس، وأصبح إسهام الأنشطة غير النفطية يشكل 50% من إنتاجها المحلي عام 2023، في نسبة قياسية تمثل أعلى مستوى تاريخي. نرقب الصناعة والاقتصاد الرقمي وركائزها من بحث وتطوير وابتكار، ونواصل صناعة الأقمار الصناعية، والسيارات الكهربائية، والطائرات الذاتية، والدواء بتفاصيله الدقيقة. بعد ثمانية أعوام فقط من إطلاق الرؤية، قفزت المملكة في المؤشرات العالمية في مختلف المجالات، إذ أصبحت في الترتيب الثاني عالميا في مؤشر الأمن السيبراني، والثالثة في الأداء العام ومؤشر السوق المالية، وفي المرتبة السادسة بين دول العالم في محور الأداء الاقتصادي، وضمن المقدمة العالمية في محاور كفاءة الحكومة والبنية التحتية وكفاءة الأعمال. الرؤية التي كنا ننتظر نتائجها في 2030، أصبحت جزءا من تفاصيل حياتنا اليوم في منتصف 2024، نلمسها في كل الخدمات التي تحملها التطبيقات الحكومية بجوار أصابعنا، ونراها في الطرقات والأحياء والمباني التي أعيد تشكيل تفاصيلها، بما يتفق مع جودة الحياة وأحقية الإنسان، ونعيشها في بيئتنا التي استعادت زهوها وفطرتها، ونستمد القوة من الاقتصاد الذي مكنت أدوات نهضته وقوته. أصبح المستقبل الذي كنا ننتظره، متاحا اليوم. ولامست رؤوسنا سقف الطموح الذي كنا نبصره متناهي الارتفاع. والسعودية التي أعاد تشكيل ملامحها الأمير محمد بن سلمان، ذلك المساء، تهرول اليوم نحو مزيد من المجد والألق. agbalawi@
مشاركة :