حتى وقت قريب كانت العروض المختلطة بين الجنسين محظورة في السعودية، لكن تدفق نجوم الرياضة والمسرح والشاشة الأجانب يظهر الرغبة في إظهار جانب جديد ومنفتح. وفي هذا السياق قدمت المملكة العربية السعودية أول أوبرا لها، وهي تفسير لأسطورة زرقاء اليمامة القديمة. الرياض - عندما طُلب من صالح زمانان أن يكتب نص أول أوبرا في المملكة العربية السعودية نفض الشاعر الغبار عن الأسطورة العربية القديمة لزرقاء اليمامة، وهي عرافة تم تجاهل نبوءاتها. وقال زمانان إن العبرة هي “كيف تهدد الكراهية الناس، والعواقب الوخيمة للقمع”. بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية هناك ما هو أكثر من مجرد الفن في هذه النهضة الثقافية؛ فمنذ عدة سنوات سعت البلاد إلى تخليص هويتها الوطنية من الأصولية الإسلامية. إن إحياء شخصيات مثل زرقاء اليمامة، التي ربما يرغب رجال الدين الأصوليون في الحكم عليها بالإعدام بتهمة السحر، يمثل هذا الأمر بشكل جيد، وفق صحيفة التايمز البريطانية. ومن بين جميع موضوعات الأوبرا بدا الجمهور والفنانون السعوديون أكثر تحمسًا لفرصة إظهار وجه بلادهم الجديد للأجانب. قال زمانان “إنه تراثنا، معروض في شكل فني غربي.. إنه يظهر أصالتنا، وكذلك انفتاحنا على العالم”. وقال رواد المسرح إنهم فخورون بالاهتمام الأجنبي بإنتاجات المملكة. وكان هناك تصفيق حار في مركز الملك فهد الثقافي بعد العرض، وارتسمت الابتسامة العريضة على وجوه الجمهور أثناء الخروج. وقالت لمياء، إحدى رواد المسرح، “أنا فخورة جدًا بهذا العرض، وعندما أرى أشخاصا أجانب مهتمين بذلك أشعر بالفخر، لأنه عادة ما تكون لديهم صور نمطية عنا”. ويدرك السعوديون بشكل مؤلم أنهم قد يكونون من بين أكثر الناس نمطية في العالم، ويرجع ذلك جزئيا إلى عقود من القواعد الإسلامية الصارمة التي فرضتها المملكة. وقالت سوسن البهيتي، السوبرانو السعودية وعضوة فريق التمثيل، “هذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى إطلاق نفسي كمغنية أوبرا.. إنه جزء من هدفي تغيير المفاهيم حول المملكة العربية السعودية والنساء السعوديات”. الرياض تستضيف الآن أشهراً من العروض الترفيهية الفخمة كل عام، وتجذب أكبر النجوم في العالم العربي وخارجه ومع وجود مجموعة صغيرة من فناني الأوبرا الذين يمكن الاعتماد عليهم، في ظل الحظر السابق على الأوبرا، قام المنظمون بإحضار قائد الأوركسترا الإسباني بابلو غونزاليس ودرسدنر سينفونيكر، مع جوقة الفيلهارمونية التشيكية برنو. ولعبت مغنية الأوبرا البريطانية سارة كونولي دور “زرقاء اليمامة”، وتقول إنها كانت تقضي ليالي بلا نوم قلقة بشأن الغناء باللغة العربية. وقد أمضت أشهرًا في العمل مع مدرس لغة سعودي. وأضافت “شعرت بالاستماع إلى موسيقى مميزة بشكل جميل باستخدام الكثير من الأصوات العربية التي سيعتادون على سماعها في الموسيقى الشعبية، ومختلف المجازات الموسيقية، والطرائق التي يمكن التعرف عليها، وما إلى ذلك، وجميع الآلات التي يستخدمونها”. وزرقاء اليمامة هي أم قبلية ذات عيون زرقاء تتمتع بموهبة التنبؤ بالمستقبل في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام. تتجاهل قبيلتها تنبؤاتها بالخطر الوشيك، وهي قصة ذات صدى عالمي وفقًا لإيفان فوكسيفيتش، رئيس شركة “أرابيان أوبرا”. وقد تم إنشاء الشركة في سويسرا للمساعدة في تطوير أداء وتعليم الموسيقى الكلاسيكية في الشرق الأوسط. ويقول “يدور عرض الأوبرا حول البطلة المحورية التي تتمتع بموهبة غير عادية من البصيرة، وتدافع عن العقل والحب في مواجهة الشدائد، حتى على حساب حياتها الخاصة”. ووصف العرض بأنه مأساة ملحمية مألوفة لدى الكثيرين في العالم الناطق بالعربية. وعندما تم طرح فكرة إنشاء أوبرا جديدة فخمة باللغة العربية لأول مرة قبل عامين، أصيب فوكسيفيتش ورفاقه بالذهول والحيرة في البداية. وتساءلوا كيف يمكن دمج اللغة العربية، التي تكتب من اليمين إلى اليسار، في تدوين الموسيقى الكلاسيكية الغربية الذي ينتقل من اليسار إلى اليمين؟ لكن الكتابة بالحروف اللاتينية الموحدة للغة العربية ساعدت في حل المشكلة. الاستثمار السعودي في تطوير ثقلها الثقافي في المنطقة وخارجها يتماشى مع الجهود المماثلة في الرياضة والقطاعات الأخرى النص العربي من تأليف الشاعر السعودي صالح زمانان، والموسيقى من تأليف الملحن الأسترالي لي برادشو. ويوضح برادشو أن “الخلاصة هي أن تكون موسيقى العرض غربية تحمل بصمة الموسيقى العربية، خاصة الموسيقى السعودية”، وقال إنه استخدم الجودة الإيقاعية لشعر زمانان كأساس للموسيقى. وتابع “لقد بدأت العملية برمتها من خلال الإملاء الإيقاعي لكل بيت من الشعر الذي استخدمناه في الأوبرا. وأصبح ذلك الأساس لإعداد جميع الخطوط الصوتية. ومن هناك عملت نوعًا ما من الأعلى إلى الأسفل للتنسيق”. ولعب باولو بتروسيلي، الذي يرأس حاليًا أوبرا دبي، دورًا رئيسيًا في تطوير هذا النوع من الفن في الشرق الأوسط، ويذكر أن عرض زرقاء اليمامة هو جزء من اتجاه أوسع في المنطقة. ويقول إن منطقة الخليج الأوسع “شهدت تطوراً ملحوظاً في مسرح الأوبرا” يعكس التقدير المتزايد للفنون المسرحية. ويضيف أن الاستثمارات في الأماكن الحديثة والمبادرات الثقافية جعلت المنطقة تصبح “مركزًا ديناميكيًا للأوبرا” قادرًا على جذب أفضل المواهب وتقديم عروض غامرة. ويؤكد هذا التطور التزام المنطقة بتعزيز التعبير الفني وإثراء المشهد الثقافي. وتوجد دور أوبرا في القاهرة ودمشق ومسقط ودبي، وتقوم المملكة العربية السعودية أيضًا ببناء دار أوبرا على أحدث طراز كجزء من إعادة تطوير منطقة الدرعية التاريخية في الرياض. إن الاستثمار السعودي في تطوير ثقلها الثقافي في المنطقة وخارجها يتماشى مع الجهود المماثلة في الرياضة والقطاعات الأخرى. وليس هناك شك في حدوث تحول حقيقي -لم يرحب به جميع السعوديين بأي حال من الأحوال- في العديد من جوانب الحياة اليومية في البلاد. وتستضيف الرياض الآن أشهراً من العروض الترفيهية الفخمة كل عام، وتجذب أكبر النجوم في العالم العربي وخارجه، على عكس ما كان عليه الحال قبل عقد أو عقدين من الزمن عندما كان أي أداء علني نادراً إلى حد كبير. ويقام حدث ميدل بيست، وهو حدث ضخم، بانتظام في ضواحي العاصمة السعودية، وقد أصبح الآن جزءًا من نسيج المجتمع السعودي. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :