كلنا يتذكر الدراسة الشهيرة التي قامت بها أخصائية نفسية سعودية قبل بضع سنوات وأثارت حينها جدلا واسعا، ذكرت من خلالها أن نصف السعوديين يعانون من أمراض نفسية!! لا أريد العودة إلى تلك التفاصيل المؤلمة التي أثارت لغطا واسعا آنذاك، وخرجت منها الباحثة بجملة من المؤشرات الاجتماعية المفزعة، كارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار المخدرات، وقلة فرص العمل، وغياب أسباب البهجة والحبور الاجتماعي، وإزاحة كل مقومات الفرح الجمعي من الساحة وفق تابوهات اجتماعية كانت مصممة مسبقا لهذا الغرض، وأن سبب اكتئاب الرجل هو الرهاب الاجتماعي، أما اكتئاب المرأة فيعود للوسواس القهري وفقا للباحثة، أعاذنا الله وإياكم من القهر والوسواس. لكن الذي يرجع اليوم إلى أدوات التواصل الاجتماعي وطبيعة الطروحات التي تزدحم بها هذه «الميديا» الجديدة، يدرك أن هذه الدراسة لم تذكر الحقيقة، لأن أكثر من 75% من هذه الطروحات تؤكد على وجود اضطرابات سيكولوجية عميقة، ونفسيات اجتماعية مأزومة، وأن المسافة بين الشخصية الحقيقية الظاهرة والشخصية الافتراضية الغائبة تختزل هذه الحقيقة في كل أبعادها، وتجسد هذا الانفصام الاجتماعي، وتعكس هذا التناقض والازدواجية، وأن العقد المترسبة في النفوس كانت أكبر مما كنا نظن ونعتقد، وأن من يتسقون مع ذواتهم لا يتجاوزون نسبة قليلة جدا وسط هذا الطوفان الهائج من المتناقضات الاجتماعية التي تعتري الساحة، وأن من يتحدثون بأسمائهم الحقيقية لا يمثلون سوى نقطة في بحر أولئك المقنعين الذين يكشفون يوما بعد آخر عن حجم الانفصام الاجتماعي الذي أصاب منظومتنا الاجتماعية والقيمية في مقتل، ويعكس زيف تلك المفردات الطوبائية التي ما نزال نسحبها قسرا على أفراد هذا المجتمع الفاضل إمعانا في الزيف والضحك على الذقون، والتي كانت للأسف عنوان حقبة غوغائية ودعائية مزيفة أفرزت لنا هذا البناء المضطرب في التركيبة السيكولوجية، والانحراف الفاضح في السلوكيات العامة، وأضرمت نار التناقضات والازدواجية في النفوس، وكرست كل أشكال هذا الانفصام الذاتي. ولأن النهايات محكومة بالمقدمات، كان لابد أن نحصد ما زرعنا، وأن ندرك متأخرين أن هذه المؤشرات الخطيرة جدا كانت من صنع أيدينا مع سبق الإصرار والترصد، وهي الحصيلة الفعلية والمنتج الحقيقي لتلك الحقبة المأزومة. وما خفي كان أعظم.
مشاركة :