مؤسسات التصنيف انتقلت من الإفراط في التفاؤل إلى التشاؤم

  • 4/14/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تخضع مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى حول العالم حاليا، لحالة من التدقيق والمراقبة الشديدة، إثر تزايد الشكوك العالمية بشأن أدائها. ودفعت تلك الشكوك بعدد من المؤسسات الرسمية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إضافة إلى مجموعة من صفوة الاقتصاديين الدوليين إلى الاستفسار عن مدى مصداقية المنهج التحليلي المستخدم لدى تلك المؤسسات عند تحديد التصنيفات الائتمانية المختلفة، وتصاعدت حدة الانتقاد أخيرا إلى درجة تحميلها مسؤولية الجزء الأكبر من الأزمة الاقتصادية العالمية. ويوجد في العالم حاليا ثلاث مؤسسات تصنيف ائتماني رئيسية وهي "ستاندرد آند بورز"، و"موديز"، و"فيتش"، وتعد المؤسستان الأولى والثانية مؤسسات تصنيف عامة مركزها في الولايات المتحدة ويتم تداول أسهمها في سوق الأوراق المالية في نيويورك، أما مؤسسة "فيتش" فهي مؤسسة خاصة وعلى الرغم من أنها في الأساس مؤسسة أمريكية إلا أنها الآن تحظى بوضع مميز في أوروبا. ولكن قبل الخوض في تفاصيل الاتهامات التي توجه إلى تلك المؤسسات الثلاث فإن الأمر يتطلب إلقاء نظرة سريعة على الأهمية الاقتصادية لها وأسباب نشأتها والدور الاقتصادي المنوط بها. ويعرف توماس ستانلي أستاذ نظم الاستثمار في جامعة كامبريدج مؤسسات التصنيف الائتماني باعتبارها مؤسسات تهدف إلى توفير التصنيف الائتماني للمستثمرين الأفراد والمؤسسات، عبر إمدادهم بالمعلومات التي تساعدهم على تحديد ما إذا كانت الجهات المصدرة لالتزامات الديون والأوراق المالية ذات العائد الثابت، قادرة على الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بسداد تلك الديون أو عوائد الأوراق المالية. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن الشرط الأساسي لضمان مصداقية عمل تلك المؤسسات أن يتصف تحليلها بالموضوعية، وهو ما تفتقده حاليا جراء ارتباط مصالحها بالولايات المتحدة، والمؤسسات الثلاث "ستاندرد آند بورز"، و"موديز"، و"فيتش"، تأسست في أوائل القرن العشرين في الولايات المتحدة بوصفها مؤسسات تصنيف ائتماني محلي، لكن نشاطها أخذ الطابع العالمي مع تمدد الاقتصاد الأمريكي، وهيمنته على الاقتصاد الدولي خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى الرغم من أن ارتباطها بالولايات المتحدة كان عامل قوة فيما سبق، فإنه بات الآن عاملا سلبيا يضع شكوكا في مصداقيتها. وأوضح لـ "الاقتصادية"، إيف آستون من وحدة التصنيف الائتماني في مجموعة "لويدز" المصرفية، أنه يوجد في العالم عديد من مؤسسات التصنيف الائتماني كما أن أغلب المصارف الكبرى حول العالم لديها وحدات خاصة بها للتصنيف الائتماني، ومع هذا فإن المؤسسات الثلاث الكبرى تتمتع بوضع مميز في الأسواق، ولديها قدرة أكبر على التأثير في سوق الأسهم في العالم. وأضاف آستون أن "تلك الوضعية أخذت في التآكل منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في 2008، لأن المؤسسات الثلاث تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الأزمة، لأنها كانت تبالغ في التقديرات الإيجابية للاقتصاد العالمي خاصة الاقتصاد الأمريكي، وبما يخالف الواقع، ولهذا أعطت تقييمات خاطئة عن القدرة على الإقراض في الولايات المتحدة، ونجم عن ذلك أزمة الديون العقارية التي مثلت بداية الأزمة المالية. وتعتبر آستون أن قرار وزارة العدل الأمريكية بتغريم مؤسسة "ستاندرد آند بورز" خمسة مليارات دولار في شباط (فبراير) في 2014 بتهمة المبالغة بشكل مفرط ومتعمد في تقييماتها الاقتصادية الإيجابية، ما مثل خديعة للمستثمرين يعد دليلا ملموسا على عدم إمكانية الوثوق حاليا بتقييم مؤسسات التصنيف المالي. ودفع هذا الوضع بالمؤسسات الثلاث لأن تسير من النقيض إلى النقيض، فبعد الإفراط في التقييم الإيجابي للاقتصاد الأمريكي والعالمي، فإنها الآن تتبنى أنماطا متحفظة للغاية من التحليل المالي، ومع هذا فإن سلوكها لا يخلو من انتقاد حاد من قبل المختصين. ريتشارد ألتون نائب رئيس وحدة التعامل الدولي في بنك إنجلترا يعتبر أن رد فعل مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث على الانتقادات الموجهة لها يكشف عن أزمة بنيوية في تركيبة تلك المؤسسات. وأشار لـ "الاقتصادية"، إلى أن تهمة الإفراط الإيجابي في تقييم مؤسسات التصنيف الائتماني قبل 2008، تقابلها الآن تهمة الإفراط في التشاؤم والسلبية في تقييم كافة اقتصادات العالم باستثناء الاقتصاد الأمريكي. ويستدرك قائلا "إن تلك المؤسسات تتفادى دائما الإشارة إلى تراجع التصنيف الائتماني للولايات المتحدة في معظم الأحيان، ومرجع ذلك بسيط، فالقول إن التصنيف الائتماني للاقتصاد الكلي في الولايات المتحدة تراجع يعني بشكل أو آخر انخفاض التصنيف الائتماني لجميع الشركات الأمريكية ومن بينها تلك المؤسسات الثلاث، ومن ثم تراجع أسعار أسهمها في البورصة، وهنا تكمن المشكلة فالمؤسسات الثلاث لا تتمتع باستقلالية حقيقية عن الاقتصاد الأمريكي، فهي تلعب دور القاضي والجلاد في آن، وهذا يضع شكوكا حول مصداقيتها، تلك الشكوك تحديدا هي ما دفع بعدد من مؤسسات التصنيف الائتماني الصغيرة في الصين والولايات المتحدة وروسيا إلى تشكيل تحالف بديل للمؤسسات الثلاث، بهدف خلق مؤسسات تصنيف ائتماني أكثر استقلالية وشفافية، ولا تخضع لهيمنة دولة واحدة". لكن مشكلة التصنيف الائتماني لا تقف عند هذا الحد، فهناك مشكلات أخرى مرتبطة بمنهجية التحليل المالي المستخدم في مؤسسة مثل فيتش تحديدا، فهي تعتمد على عدد من المختصين والمحللين الذين يعلنون نتائجهم دون الكشف عن أصول قاعدة البيانات التي اعتمدوا عليها في التحليل، وغالبا ما تكون تقاريرهم النهائية غامضة وغير شفافة، ويصعب على المختصين فهمها، ومن ثم يلجأ الجميع إلى النتيجة النهائية التي تعلنها تلك المؤسسة دون أن يسأل أحد عن الكيفية التي وصلت بها إلى تلك النتيجة. وأشار لـ "الاقتصادية"، راليف جون الاستشاري في "رويال بنك أف اسكتلندا"، إلى أن مؤسسات التصنيف الائتماني باتت في كثير من الأحيان عبئا على النظم المصرفية، وعائقا حقيقيا أمام استغلال الفرص الاستثمارية المتاحة، فالمؤسسات الثلاث الكبرى تمثل شبكة احتكارية في هذا المجال، وعلى الرغم من أن أغلب المصارف الكبرى لديها وحدات خاصة بها للتقييم الائتماني، إلا أنه نظرا لهيمنة تلك المؤسسات فأنه في كثير من الأحيان يصبح تقيمها هو التقييم المعتمد، ويضعف ذلك ممارسة إدارات المخاطر في المصارف الاستثمارية، ويضعف قدرتها على اتخاذ قرارات شجاعة بالاستثمار في بلدان تقيمها مؤسسات التصنيف الائتماني ضعيفة، بينما تعتبرها إدارات المخاطر الائتمانية جيدة". ونظرا للدور السلبي الذي تلعبه مؤسسات التصنيف الائتماني في الاقتصاد الدولي فقد أصدر البرلمان الأوروبي مرسوما عام 2014 يمنعها من إصدار التقييم أكثر من ثلاث مرات في العام الواحد، خشية أن يؤدي إفراطها في إصدار تقييمات متتابعة إلى تفجير أزمة اقتصادية في بلدان الاتحاد، خاصة منطقة اليورو التي تعاني أزمة ركود حاد. وعزز القرار الأوروبي موقف الصين التي تقود حاليا حملة شرسة ضد مؤسسات التصنيف الائتماني بعد أن تم تخفيض تصنيفها في نهاية آذار (مارس) الماضي من ثابت" إلى "سلبي، ما استدعى انتقادا واضحا من قبل وزير المالية الصيني لتلك المؤسسات، واعتبرها ذراعا ضمن أذرع قوى دولية تستهدف الصين على حد قوله، متهما المختصين العاملين فيها بعدم امتلاك معرفة كافية بالاقتصاد الصيني، والمبالغة في تقييمهم للصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، إلى الدرجة التي جعلت الوزير الصيني يصف المؤسسات الثلاث بأنها تمارس عملية ابتزاز على الاقتصادات الأخرى نيابة عن القوى المسيطرة على الاقتصاد العالمي، لمنع الاقتصادات الناشئة من النهوض، مطالبا المستثمرين الدوليين بعدم الأخذ بتلك التقديرات، إنما تقييم الواقع بأنفسهم.

مشاركة :