بروكسل – وجدت الدول الغربية أن مخاطر ترك لبنان لأزماته أكثر خطرا مما تعتقد على أمنها مع تفاقم أزمة اللاجئين السورية والتداعيات السياسية التي خلفتها في البلاد إضافة إلى ضعف دور الجيش في مواجهة تنامي قدرات حزب الله الحليف لإيران، فقرر الاتحاد الأوروبي الخميس عرض حزمة مالية بقيمة مليار يورو على لبنان لمساعدته على تخطي أزماته. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، أن الأموال ستكون متاحة اعتبارا من هذا العام حتى 2027 مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيدعم أيضا القوات المسلحة اللبنانية بالمعدات والتدريب لإدارة الحدود. وأضافت المفوضة "أستطيع الإعلان عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو للبنان، ستكون متاحة بدءا من هذا العام حتى 2027" من أجل المساهمة في "الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي". وحضت السلطات على "التعاون الجيد" لمنع "الهجرة غير النظامية ومكافحة تهريب المهاجرين" وبدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار في عام 2019 بعد هدر في الإنفاق وفساد استمر لعقود. ومع ذلك، عطلت مصالح خاصة للنخبة الحاكمة الإصلاحات المالية التي من شأنها أن تمهد للبنان الطريق للحصول على حزمة مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي. وتسبب السماح للأزمة بالتفاقم في حرمان معظم اللبنانيين من الوصول إلى مدخراتهم وانهارت العملة المحلية وواجهت المؤسسات العامة من المدارس وحتى الجيش صعوبات جمة في مواصلة عملها. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية اللبنانية عن فون دير لاين قولها إن لبنان" يواجه تحديات كبيرة محليا، نتيجة للتوترات والحرب في المنطقة. إننا نتفهم ذلك ونحن هنا أولا وقبل كل شيء لنقول إن الاتحاد الأوروبي يدعم لبنان وشعبه بقوة. ونريد أن نستكشف سبل تعزيز تعاوننا". وأضافت "ناقشنا اليوم كيفية تعزيز علاقاتنا السياسية والاقتصادية، ودعم أمن لبنان واستقراره ونحن نريد أن نساهم في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في لبنان. أولا، من خلال تعزيز الخدمات الأساسية مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة للشعب اللبناني. ثانيا، سنواكبكم في المضي قدما بالإصلاحات الاقتصادية والمالية والمصرفية". وأشارت إلى أن "هذه الإصلاحات أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد في المدى الطويل. ومن شأن ذلك أن يسمح لبيئة الأعمال والقطاع المصرفي باستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتاليا تمكين القطاع الخاص من الاستثمار. إنَّ لبنان في حاجة إلى قوة دفع اقتصادية إيجابية لإتاحة الفرص لشركاته ومواطنيه. ثالثا، الأمن والاستقرار هما أيضا أساسيان للاستثمار". ويستضيف لبنان مئات الآلاف من السوريين الفارين من الحرب في بلادهم منذ 2011. وقال ميقاتي، مكررا بذلك تصريحات أدلى بها مسؤولون لبنانيون آخرون، الخميس إن اللاجئين يضيفون ضغوطا على الاقتصاد المنهار في بلادهم وإن أغلب سوريا آمنة الآن بما يكفي لهم للعودة لبلادهم. لكن الأمم المتحدة تقول إن سوريا لا تزال خطرة بشكل لا يسمح بعودة اللاجئين إليها. وعندما أعادت السلطات اللبنانية بعض السوريين قسرا العام الماضي تعرضوا للاعتقال والتجنيد الإجباري. وقال خريستودوليدس إن وجود السوريين في لبنان لفترة طويلة هو ملف يحتاج إلى معالجة. وأضاف للصحفيين “دعوني أوضح، الموقف الحالي غير قابل للاستمرار بالنسبة للبنان وغير قابل للاستمرار بالنسبة لقبرص وغير قابل للاستمرار بالنسبة للاتحاد الأوروبي. هذا الوضع غير قابل للاستمرار منذ سنوات مضت”. وتحدثت المسؤولة الأوروبية عن حلول مبدئية لهذه الأزمة قائلة "لمساعدتكم في إدارة الهجرة، نحن ملتزمون إبقاء المسارات القانونية مفتوحة إلى أوروبا، وإعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت نفسه، نعول على حُسن تعاونكم لمنع الهجرة غير الشرعية ومكافحة تهريب المهاجرين". ولفتت إلى أن الاتحاد الأوروبي يتفهم "التحديات التي يواجهها لبنان نتيجة استضافة اللاجئين السوريين.. ومنذ عام 2011، دعم الاتحاد الأوروبي لبنان بمبلغ 2.6 مليار يورو – ليس فقط للاجئين السوريين، وإنما أيضا للمجتمعات المضيفة، وسنستمر في دعمكم". وتابعت "سننظر في كيفية جعل مساعدة الاتحاد الأوروبي أكثر فاعلية. ويشمل ذلك استكشاف كيفية العمل على نهج أكثر تنظيماً للعودة الطوعية إلى سوريا، بالتعاون الوثيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في الوقت نفسه ثمة حاجة إلى تعزيز الدعم من الأسرة الدولية لبرامج الإغاثة الإنسانية والتعافي المبكر في سوريا". وأشار ميقاتي "خصصنا القسم الأكبر من الاجتماع لبحث ملف النازحين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية والتعاون بين لبنان وقبرص ودول الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذا الملف وتداعياته المباشرة وغير المباشرة". وقال إن "لبنان تحمل منذ اندلاع المعارك في سوريا عام 2011، العبء الأكبر بين دول المنطقة والعالم في موضوع استضافة اللاجئين، مع ما شكله هذا الملف من ضغط كبير على الشعب اللبناني برمته وعلى كل القطاعات اللبنانية. وكنا حريصين دوما على التعاون مع مختلف الهيئات والمنظمات الأوروبية والدولية في هذا الملف". وتابع "إلا أن الواقع الحالي لهذا الموضوع بات أكبر من قدرة لبنان على التحمل، خصوصا وأن عدد اللاجئين بات يناهز ثلث عدد اللبنانيين، مع ما يترتب على ذلك من أعباء وتحديات تضاعف من أزمة لبنان الاقتصادية والمالية وتهالك بناه التحتية". وأضاف "الأخطر من ذلك تصاعد النفور بين بعض اللاجئين السوريين والمجتمع اللبناني المضيف نتيجة الأحداث والجرائم التي ارتفعت وتيرتها وباتت تهدد أمن لبنان واللبنانيين واستقرار الأوضاع فيه". ويقول باحثون إن ذلك تزامن مع زيادة قوارب المهاجرين التي تنطلق من شواطئ لبنان إلى أوروبا متجهة بالأساس إلى قبرص القريبة وإيطاليا. وكان الجيش في صلب المباحثات الأوروبية اللبنانية، حيث تتطلع الدول الغربية إلى دور أكبر للجيش اللبناني لترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات حزب الله وضغوطه لتحقيق مصالح سياسية في الداخل أو تجاه ملفات إقليمية. ونوهت فون دير لاين "سندعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى. وسيركز هذا البرنامج أساسا على توفير المعدات والتدريب لإدارة الحدود. إلى ذلك، سيكون من المفيد جدا للبنان أن يبرم ترتيبات عمل مع الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، خصوصا بشأن تبادل المعلومات والوعي بالأوضاع". ويعد الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي بقيت تحظى بدعم دولي وإقليمي، وقد تم عقد العديد من المؤتمرات لإسناده ماليا في وقت يواجه فيه لبنان أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة منذ العام 2019. وتصاعدت أصوات من داخل الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية في الآونة الأخيرة مشككة في الجدوى من الاستمرار في دعم الجيش اللبناني في ظل عجزه عن حماية سيادة لبنان واستقلالية قراره، ولجم حزب الله وخروقاته للقرار الأممي 1701. لكن الأطراف الإقليمية والدولية تعتبر أن الجيش هو الجهة الأكثر موثوقية في البلاد، وفي فبراير الماضي تسلم الجيش اللبناني، 3 خافرات و4 زوارق بحرية سريعة مقدمة من الولايات المتحدة. وكثفت دول في مقدمتها الولايات المتحدة وفرنسا دعمها العسكري واللوجستي للجيش اللبناني لاعتبارات منها تعزيز سيادة الدولة ومنع انهيارها، بحسب مراقبين. وأشار ميقاتي إلى أن "أمن لبنان من أمن دول أوروبا والعكس صحيح، وإن تعاوننا الجدي والبناء لحل هذا الملف يشكل المدخل الحقيقي لاستقرار الأوضاع، مع الأخذ بعين الاعتبار الاحترام المتبادل والتعاون المثمر". وشدد على رفض الحكومة أن يتحول لبنان إلى وطن بديل للاجئين. وختم قائلا إن "لبنان يقدر للاتحاد الأوروبي موقفه الجديد بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية في لبنان لتمكينها من ضبط الحدود البحرية والبرية والقيام بواجباتها في منع الهجرة غير الشرعية من لبنان وإليه، ودعم المجتمعات اللبنانية ذات الحاجة، وفي الوقت ذاته تخصيص جزء من الدعم لتحفيز العودة الطوعية للاجئين السوريين".
مشاركة :