راعي الدكان يقول: الإزاحة وليس الإسقاط.. هي الحل!

  • 4/14/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

اطلعت على مقالة الكاتب جمال خاشقجي المنشورة السبت ٣٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٦ بعنوان: «الدكان مغلق للإصلاحات». بداية يجب أن أقول إنني راعي دكان، وبنيت خبرتي كلها من الدكان، رحم الله والدي الذي مزج الدكان بأوروبا، حين أرسلني صغيراً إليها طلباً للعلم، لكنني الآن أسأل سؤالاً واحداً وهو «هل وصلنا فعلياً إلى مرحلة يجب فيها علينا أن نغلق الدكان؟». يجب أن أعترف بأنني أتفق تماماً مع الأخ جمال خاشقجي في أن الوضع الحالي بملف السعودة وتوطين الوظائف يحتاج إلى إعادة نظر، ومعالجة بأساليب أخرى غير المعمول بها حالياً، لكنني أختلف معه في طرحه المستند إلى نظرية «إغلاق الدكان»، لانطلاق عملية تصفية الموجود من العمالة الأجنبية بعملية إسقاط العمالة السعودية مكانها. قبل أن أوضح ما أقصده لنقف على أرضية ثابتة نتفق عليها مجدداً، وهي أن التشخيص لمشكلة البطالة لم يكن مكتملاً، إذ لا يمكن وصف علاج من دون تشخيص صحيح، ولا يمكن إجراء جراحة بالطبيب وحده من دون طبيب تخدير وممرضين وغيرهم، والعكس صحيح فمن دون جرَّاح لا يغني وجود البقية. البقية هنا من دون جرَّاحهم (وزارة العمل) التي من المفترض أنها منظم لسوق العمل، إلا أنها كلفت بدور غير دورها، وهذا ما جعلنا ندور معها في حلقة مفرغة، والبطالة أو توالد الوظائف مرتبط ارتباطاً تاماً بعملية الإنتاج، وعملية الإنتاج لا علاقة لها بوزارة العمل، بل إن الطبيب الغائب (وزارة التخطيط والاقتصاد) هي التي تضع الخطط لتوسع السوق وتوالد الوظائف، هذا غير تذليل العقبات وفك الأزمات والتنسيق، غيابها سبب معظم كل الأزمات من البطالة إلى السكن، وعلاوة على كل ذلك تنقصنا الدراسات الدقيقة التي تقدم الأرقام الفعلية لحجم البطالة السعودية، وحجم الأرقام الصحيحة للوافدين. ماذا نعني بالبطالة؟ وعند تناولها رقمياً، هل تشمل الجنسين؟ هل الفصل بين الذكور والإناث بالأرقام سليم؟ هل البطالة المقنعة تحسب أيضاً؟ هل عملية الربط بين حجم العمالة الأجنبية وحجم البطالة بشكل عام أمر منطقي؟ هل العمالة الأجنبية تشمل العاملين في المنازل؟ علماً أنني أؤمن مقتنعاً بأن ليس كل عمالة أجنبية هي أجنبية، فعديد منها استحق المواطنة أباً عن جد وبما قدمه من عمل وانتماء، والعديد منهم يجب احتواؤهم كسعوديين. حين تذهب إلى مطار هيثرو في لندن ستجد من يختم جوازك بريطانياً من أصل هندي، ويرتدي عمامة هندوسية أو سيخية، ومن ينظم الصفوف بريطانية من أصل باكستاني، وعند المغادرة لاحظ وجوه من يتأكدون من سلامة الأمن وتفتيش الركاب ستجد الملامح المختلفة ليس بينها الإنكليزية، إنما كلهم يحملون الجنسية البريطانية، كيف تم ذلك؟ إنه استحقاق بأسلوب الاستيعاب والاحتواء والحاجة والانتماء. إننا الآن في زمن عالم القرية الصغيرة وتبادل الخبرات ومحاولة استحواذها وتوطين المناسب منها، وفي زمن بين خيارين إما نمو سريع ومتعدد (وهذا لا يمكن أن يكون إلا بعمالة وخبرات أجنبية)، أو نمو بطيء ومحصور لنحبي كالسلحفاة من دون وافدين وبخبرات محلية. إن كل السياسات الرامية إلى معالجة البطالة بنظام السعودة المعمول به الآن تسعى إلى إسقاط السعودي مكان الأجنبي، بينما المنطقي والأفضل أن يعمل وفق نظرية الإزاحة، أي نهيئ السعودي ليتمكن من تحقيق التنافسية ويعمل على إزاحة العامل الأجنبي والإحلال مكانه. شبابنا فيهم الخير وواع ومميز، لكنهم في نظام السعودة الحالي كالخيل التي فيها مهر أصيل سريع يسبق الريح، لكن عند الحواجز لا يستطيع القفز، بدلاً من إطلاقه في سباقات الجري نصر على أن ندخله إلى ميدان القفز، مهما حاولنا لن يقفز، وإن فعلها سيؤذي نفسه. نريد إزاحة منطقية كتطور طبيعي تلقائي، مع التركيز على تهيئة البيئة التنافسية للمنشآت الصغيرة، وهذا أهم مفتاح، إنه طفل صغير يحتاج حليباً مختلفاً وحاضنة واهتماماً خاصاً، حتى يمشي على قدميه، لا أن تضربه البلدية والشروط التعجيزية والبيروقراطية، ومن ثم يجهز عليه الأجنبي بمساعدتنا وتسهيلاً منا، كذلك من أهم طرق الإزاحة المبادرات المتنوعة والمعالجات، وأهمها الاهتمام بملف الفساد الذي نجده حاجزاً بيننا وبين كل لحظة إبداع نحتاجها، على سبيل المثال لا الحصر، أكرر لا الحصر! لو اطلعنا على حجم بعض مناقصات الاستيراد الموردة لبعض الجهات الحكومية من الخارج، لوجدنا أن الكلفة المحملة أضعاف الكلفة الحقيقية، ولو وظفنا هذه الكلفة المحملة في إنشاء مصانع، ستكون مجدية اقتصادياً، وتنتج هذه المواد المستوردة لتدار بسواعد سعودية ابتداء. لذلك من المهم جداً تجديد نظام المناقصات، والتأكد من عدالته وبمراقبة من هيئة النزاهة. ثم لا ننسى تعثر برنامج التوازن الاقتصادي الذي لو نجح لسد فراغات كثيرة، نعم كل ذلك وغيره من الجوانب (بل جدران وعمدان) وجب أن تكون لها الأولوية في علاج المشكلة، وليس تمزيق نسيج سوق الدكاكين الذي هو عبارة عن دوائر اقتصادية قائمة، وهي آخر ما تتم معالجته وبدراية ووعي يضمن سلامة الإجراءات، وليس إقفالها من الساعة 9 مساء، بينما عمدة لندن لم يجد من طريقة لتنشيط سوق مدينته إلا أن ينجح في أن يشغل المترو 24/7، ويسمح لمحال أكسفورد ونايتسبرج بأن تفتح إلى 10.30 مساء، أما مشكلة تأثير ذلك في العمالة السعودية فهناك ألف حل وحل، ليس بينها الإغلاق عند الـ9. نعم، إن أسلوب إدارة ملف السعودة حالياً فشل ولم يحقق ما نريده، على رغم كل النوايا الطيبة، لكنه وصل إلى طريق مسدود، لن تنفع معه كل عمليات التجميل. ويدي على قلبي ألا تتكرر التجربة في إدارات حكومية أخرى. لهذا فإن المطلوب العودة إلى القاعدة الأساسية، والانطلاق من جديد وعدم حشر أنفسنا وفق نظرية الإسقاط، أنت نفسك قلت إن كل المعنيين بالشأن الاستثماري سيحملون عليك جراء رأيك، فلماذا إذاً ندخل هذه المتاهة؟ وهل نحن أساساً بحاجة للدخول إليها؟ رياح السعودة بإخراجها الحالي لم تأت وفق ما تشتهي سفننا، فهل تريد أن نغرق السفن لنحل المشكلة؟ الحلول كثيرة ومتنوعة، والبدائل متوافرة، من مبادرات وطنية كورش السيارات داخل المدن، والأسواق الشعبية، والأسواق حول الحرمين، أي كل المواقع التي يكون النجاح فيها أسهل، تكون من نصيب السعودي وبالتدرج، مبادرات الأسر المنتجة التي أصبحت مجرد ديكور تراثي يعرض في المؤتمرات والمناسبات الوطنية، لماذا لا تكون أسواقاً ثابتة في كل مدينة وبربع تكاليف حافز؟ الآن، من الحكمة أن نتعامل مع الأمور بنظرية التدرج، لأنها دوائر اقتصادية متداخلة في النسيج الاقتصادي، وإن بدا أنها للأجانب، إنما جزء كبير منها يستفيد منه المواطن بشكل أو بآخر، إنما اتفق معك ليس بشكل منصف للمواطن، لكنها قائمة ولا يمكن فكها فوراً، بل بالتدرج لضمان النجاح وتقليل الإضرار والخسائر، في الوقت نفسه نؤسس للمستقبل ولا نمنح الرخص المهنية أو غيرها إلا للسعوديين من دون عمالة أجنبية مستوردة، وأن تبقى سفننا في الميناء منتظرة هبوب الرياح التي تحركها نحو بر الأمان، والرياح ستأتي بالمبادرات والمعالجات، لكن لا يمنع هذا أن نبقى على تواصل مستمر وتشاور دائم. نعم، أنت تملك رأياً، وأنا أيضاً أملك، لكن المطلوب أن نملك معاً رأياً واحداً نتفق عليه. لهذا أيها الجميل جمال خاشقجي أتمنى أن تقبل دعوتي لزيارتي في قريتي «رغبة»، لنسير معاً فوق نفودها الذهبي، وأن نتناول «الجريش والقرصان» في منزل تراثي، وأن يكون عنوان لقائنا: «إلغاء واقع التستر وطاقية الإخفاء»، فمثلاً هناك استثمارات عدة نعلم أن الأجنبي يجني 50 في المئة من صافي الأرباح، لكن السؤال من يملك الـ50 في المئة المتبقية؟ الجواب سأبلغك إياه بعد أن تقبل دعوتي لكي أسالك أنا؛ هل فعلاً نحتاج إلى خبراء أجانب لمعالجة مشكلاتنا؟ ألم يعد فينا الخير لكي نحلها بأنفسنا، على رغم أن هؤلاء الخبراء الأجانب استثنوا أصحاب الدكاكين من الرأي والمشورة والتي تطالب بإغلاقها؟     * رجل أعمال نائب رئيس مجلس أمناء منتدى الرياض الاقتصادي.

مشاركة :