صراحة الرياض : تسآلت الباحثة في ماجستير الإدارة والتخطيط التربوي سلطانة محسن العتيبي عن غياب الجودة النوعية في نظام التعليم في المملكة و ما مدى الرضى في سوق العمل عن مخرجات التعليم ، مقترحةً تشخيص تلك المشكلة بشكل صحيح حتى تتم معالجة المشكلة و إنتاج موارد بشرية على مستوى وكفاءة عالية ، وذلك في مقال ذكرت فيه الباحثة : في كثير من الأحيان يتبادر إلينا عدد من الأسئلة المهمة حول واقع التعليم في المملكة وبالذات حول نوعية التعليم، وجودة مخرجات التعليم، كون التعليم يعد قطاعا حيويا ومحورا رئيسيا من محاور التنمية بمجالاتها المتعددة وهو ركيزة أساسية في تقدم وتطور الأمم، ولا يمكن تصور قيام نهضة حقيقية في بلد ما دون أن يواكب ذلك وجود نظام تعليمي عالي الكفاءة، فهل التعليم في بلادنا حقق الجودة النوعية !!وما مدى وفاء المخرج التعليمي باحتياجات البلاد الاقتصادية والاجتماعية والإنتاجية والخدمية؟ وما قدر النجاح أو الإخفاق في التطوير النوعي للتعليم السعودي؟ وما الأزمات النوعية التي واجهها التعليم السعودي؟ وما التجربة السعودية التي يمكن أن تقدّم لدول ما زالت في بدايات تنميتها البشرية كخبرة سعودية خالصة في هذا المجال؟ بطريقة أخرى ما مدى قيام عناصر منظومة التعليم السعودي من منهج ومعلم ومدير ومؤسسة المدرسة أو الكلية أو المعهد بأدوارها المفترضة (الكفاءة الداخلية للتعليم) لتخريج كل تلك الأفواج من الخريجين؟ في مقابل التساؤل عن مدى رضا المجتمع وسوق العمل عن نوعية تلك المخرجات ووفائها باحتياجاته (الكفاءة الخارجية للتعليم)؟ لعل المجيب عن هذه التساؤلات يعي واقع التعليم في بلادنا، ومدى الحاجة لتركيز على نوعية التعليم ، فالهدف الأساسي من التعليم ينصب في تخريج موارد بشرية على مستوى وكفاءة عالية وقدرة على المنافسة في سوق العمل العالمي. فقط من خلال الاستثمار في وتطوير مواردها البشرية، تتمكن الدول من التقدم والازدهار، فأستراليا وفنلندا ونيوزيلندا والنرويج وكوريا الجنوبية وكندا وإيرلندا، على سبيل المثال، تتقدم على جميع دول العالم في تطوير الموارد البشرية ـــ حسب تقارير الأمم المتحدة حتى عام 2010 م ـــ والمعزز بالواقع العملي لتقدم ورقي هذه الدول على جميع دول العالم، فما هو موقعنا في هذا السباق النوعي والحقيقي؟ فهل نحن ضمن أفضل (5) أو (10) أو (20) أو (30) أو (40) دولة في العالم في مجال التعليم؟ أم ما زلنا متأخرين في الترتيب العالمي؟ وهل يتم العمل في تطوير التعليم بخطة استراتيجية ومنهجية تضمن رفع مستوى وكفاءة الطلبة والطالبات ومنافستهم مع أقرانهم في الدول المتقدمة؟ فالتعليم العام والتعليم العالي والتعليم المهني يفترض أنها تعمل ككتلة واحدة، إلا أنه يلاحظ أن كل الجهات المسؤولة عن التعليم تعمل بشكل مستقل عن بعضها. وخصوصاً فيما له علاقة بمشاريع تطوير التعليم. فتطوير التعليم العام، على سبيل المثال، وعلى مدى العقود الماضية، يعمل بشكل مستقل عن مشاريع تطوير التعليم العالي والمهني مما يحد من الاستفادة من هذه المشاريع، وخصوصاً على المدى الطويل، مما يعد من أهم معوقات التخطيط الاستراتيجي ،حتى بعد دمج الوزارتين لم يتحقق أي تنسيق بين التعليم العام والتعليم العالي، فهناك علاقة استراتيجية وطبيعية تربط التعليم العام بالتعليم العالي والمهني ، فمخرجات التعليم العام تمثل مدخلات للتعليم العالي والمهني، وبالتالي فإن هناك شراكة استراتيجية مطلوبة بين هذه الجهات لرعاية وتطوير الموارد البشرية، الطلبة والطالبات، فهل يعكس الوضع الحالي لمشاريع تطوير التعليم المختلفة هذه العلاقة؟ ومن المسؤول عن مستوى وكفاءة مخرجات التعليم الجامعي والمهني؟ وكيف نقيس مستوى وكفاءة مواردنا البشرية بمثيلتها في الدول المتقدمة؟ وكيف نقيم أداء ومخرجات مشاريع تطوير التعليم في المملكة على مدى العقود السابقة؟ ومن خلال قراءة سريعة لمشاريع تطوير التعليم العام في المملكة، نلاحظ تعدد هذه المشاريع، مع تركيزها على تطوير المناهج وخصوصاً الترجمة، وتطوير المباني، مع ملاحظة ضعف التنسيق والتكامل، إن وجد، مع الجهات الأخرى المؤثرة في العملية التعليمية، التعليم العالي والمهني، فقد تم تخصيص وصرف مليار ريال تقريباً، على سبيل المثال، على ترجمة مناهج الرياضيات والعلوم في إحدى الدول العربية، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم بناء مدارس حديثة وبمواصفات عالمية، وصرف المليارات عليها، ومع هذا لم يتطور التعليم، وتم سعودة التعليم العام قبل أكثر من عشر سنوات، ومع هذا لم يتطور التعليم وغيرها من المحاولات .. وما زالت مخرجات التعليم العام دون المستوى المطلوب، وتؤكده تقارير الأمم المتحدة، ونتائج المسابقات التعليمية الدولية، ونتائج الطلبة والطالبات في اختبارات القدرات العامة والتحصيلية المحلية، على ضعف هذه المخرجات.إذن إين الخلل في النظام التعليمي!؟ في الحقيقة الأمر معقد وشائك، ومحاولة سرد كل الأسباب الكثيرة التي أدت إلى هذا التراجع الخطير في مستوى التعليم غير ممكن في هذه المساحة الصغيرة التي يُتيحها مقال بسيط كهذا، فقط سأذكر بعض النقاط من وجهة نظري الشخصية، أجدها الأهم والأكثر تأثيرا التي ضعف في التعليم لدينا: عدم وجود رؤية محددة للتعليم ومبنية على إطار نظري واضح ما عدا الخطوط العريضة والسياسات العامة الواردة في «سياسة التعليم»، فليس هناك رؤية واضحة يتفق عليها المخططون للتعليم توجه المشروعات التطويرية التربوية. عدم وجود استراتيجية واضحة من القائمين على هذا القطاع لإحداث النقلة المتأملة منه، والتركيز في تلك المحاولات لم يشمل جميع الأطراف الرئيسية في هذا القطاع (مخرجات، احتياجات، مناهج، معلمين. إلخ). تدني تأهيل المعلمين بالرغم من إقرار درجة البكالوريوس التربوي حدًا أدنى للتأهل لوظيفة (معلم) إلا أنه في كثير من الأحيان يتم الاستعانة بالحاصلين على درجة البكالوريوس غير التربوي في بعض التخصصات، كما أنه لا يوجد معيار للاختيار من الحاصلين على البكالوريوس سوى المفاضلة بينهم بناء على معايير يحكمها العرض والطلب. ورغم أن الوزارة أنشأت نظامًا لاختبار كفاءة المعلمين الجدد إلا أن تدني مستوى المعلمين في هذا الاختبار كثيرا ما يجبر الوزارة على التنازل عن معاييرها والقبول بمعلمين حصلوا على نتائج متدنية في ذلك الاختبار. عدم وجود آلية لقياس ناتج التعليم فليس هناك آلية واضحة لمعرفة مدى تحقيق النظام التعليمي لأهدافه. عد التنسيق بين التعليم العام والتعليم العالي فكل جهة تعليمية تعمل مستقلة عن الجهات الأخرى، مع أنه يفترض التكامل والعمل بشكل وحدة متكاملة ومترابطة للحصول على مخرجات ذات كفاءة عالية. وأخيرا إن التشخيص السليم لأي مشكلة هو أول وأهم خطوات الحل، وأهمية التعليم ليس فقط لحاضرنا وإنما أيضاً لمستقبل أجيالنا القادمة يحتم علينا ألا نظل ندور في دوامة التجربة والخطأ المفرغة، ونحن أكثر من أي وقت مضى مطالبون بمواجهة صادقة مع المشكلات الحقيقية التي تواجه نظامنا التعليمي.
مشاركة :