نظمت جلسة في أبوظبي للكتاب بعنوان الإمارات العربية المتحدة في الذاكرة الأوروبية، وجاءت الجلسة بالتعاون مع الأرشيف والمكتبة الوطنية، حيث تحدث الباحث والأكاديمي الدكتور مني بونعامة، مؤكداً أن الخليج اجتذب لفيفاً من الرحّالة الأوروبيين، بدءاً بالبرتغاليين والهولنديين، إلى الفرنسيين والإنجليز والأميركيين وغيرهم، وذلك منذ مطالع القرن السادس عشر الميلادي، مدفوعين بالعديد من الأسباب، التي من بينها حب المغامرة وركوب الأهوال والمخاطر، والرغبة في الاستكشاف والاستطلاع والمعرفة، وإن كان هذا الأخير لا يمثّل إلا النزر القليل من زوّار الصحراء الجدد، لأن المنطقة كانت رمالاً قاحلة تظلها شمس لافحة، وتلازمها قساوة دائمة في العيش والحياة، ولم يكن فيها ما يغري أولئك الرحّالة الأوروبيين، الذين اعتادوا في بلدانهم المترفة أجواءً مختلفة تماماً عن أجواء الصحراء الطاردة، إلا أن ذلك لم يثن عزيمتهم عن اعتمال الرحلة، وارتياد المجهول، مدفوعين بالرغبة الجامحة في تحقيق أهدافهم. وأشار بونعام أن الحب والشغف قادا الرحّالة الأوروبيين إلى استكشاف الذات والآخر والعالم، وما يزخر به من مكنونات وخبايا وأسرار، وقراءة العلامات بدل الكلمات، ودفعهم إلى اعتمال الرحلة وخوض غمارها، وارتياد المجاهل لاستكشاف المخبوء والمنسي من الشرق العربي، ودوّنوا في رحلاتهم التي كتبوها مشاهداتهم وانطباعاتهم عن المجتمعات المَزورَة، وما تزخر به من ثراء وغنى. كما رصدوا العديد من المعلومات والمعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما يتصل بيوميات وحياة المجتمع الخليجي والإماراتي على وجه الخصوص ملتقى القرنين الثامن عشر والعشرين الميلاديين، وقد تفاوتت صحة المعلومات المرصودة، واختلفت تبعاً للغرض والحاجة من تدوينها. ولفت إلى أن بعض الكتابات الأوروبية تعكس نظرة مشوّهة مضمّخة، بيد أن مجمل تلك الكتابات على اختلاف أنواعها وتباين ألوانها، لم تكن كلها سلبية، بل حوت العديد منها بين طياتها الكثيرة من المعلومات الزاخرة والغنية، التي وثقت لتاريخ المكان وما طاله من تغيرات وتحولات جذرية. أما الرحّالة فأكد أن كتاباتهم تزخر بكثير من الصور التي اختزنوها في ذاكرتهم ومشاهداتهم وانطباعاتهم عن المنطقة وحياة أهلها وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما أثارتهم رؤيته، واستوقفتهم مشاهدته، وأصبغوا عليهم حالة من الذهول والاندهاش، فاستغرقوا في وصف الأرض، وجغرافيتها، وتضاريسها، ومناخها، ومواردها، وبرها وبحرها وجوها، وسكانها وحالتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وعاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم، وما يتصل بمختلف أحوالهم من نحلة عيشهم وطرائق تفكيرهم وأزيائهم وملابسهم، وطقوسهم. كما لفت إلى أن الكتابة عن الرحلة وما تحتويه من مغامرات ومفاجآت ومخاطر ومخاوف تنتاب الرحّالة أثناء الرحلة، تضفي جميعها نكهة خاصة على الكتابة، وتكسيها بطابع من التشويق المفعم بالذهول والاندهاش من المشاهدات والمواقف التي يمر بها هذا الرحّالة أو ذاك، فالمشاهد التي يصورها عن محطاته التي وقف بها، والصور التي يرسمها في مخيلة القارئ، والتي تحيله إلى الأماكن وطبيعة المجتمع الذي يزورنه، واكتشاف المخبوء، والمجهول، والمنسي من العالم، تعدّ رصداً من الأهمية بمكان، حيث راكمت لنا مدوّنة رحلية مليئةً بالصور والمشاهد عن إمارات الأمس.
مشاركة :