يمثل مهرجان صيد سمك الحريد الذي يحتفي به أهالي محافظة جزر فرسان مع نهاية شهر أبريل من كل عام، امتدادًا لموروث شعبي ومناسبة سعيدة يحرص أهالي فرسان على الاحتفاء بها منذ مئات السنين؛ خاصة العرائس اللاتي لم يكملن عامهن الأول من الزواج؛ حيث تحتفي كل واحدة منهن بهذه المناسبة، وتنشد لها كلمات شعرية خاصة، بالتزامن مع مقدم سمك الحريد ومراسيم صيده بجزيرة فرسان التي قد تمتد لمدة أسبوع. ووفقًا لأديب ومؤرخ جزيرة فرسان إبراهيم بن عبدالله مفتاح؛ فإن موسم الحريد في جزيرة فرسان لا يحل على فرسان بمفرده، وإنما يأتي متزامنًا مع موسم هجرة الطيور القادمة من أوروبا والدول الاسكندنافية، إلى جزيرة قماح الواقعة غرب جزيرة فرسان التي تُعرف لدى أهالي الجزيرة بطيور "الجراجيح"؛ مما يجعل أرخبيل جزر فرسان محطة مهمة تلتقي فيها رحلات الطيور والكائنات المهاجرة جوًّا وبحرًا في هذا الوقت المحدد من العام. وأعاد عدد من كبار السن بجزر فرسان إلى الذاكرة رحلة صيد الحريد قديمًا حيث كان أهالي فرسان "رجالًا ونساءً" بمختلف فئاتهم العمرية يقطعون مسافة سبعة كيلومترات في اليوم المحدد لوصول سمك الحريد من مقر سكنهم بجزيرة فرسان إلى ساحل الحريد بخليج الحصيص على ظهور الدواب والجمال، في رحلة تبدأ بعد صلاة الفجر مباشرة، لتنتشر تلك الأسر -بعد وصولها- على الساحل الخاص الذي تظهر فيه أسماك الحريد، على مطلات طبيعية من الجبال ينخفض البحر تحتها نحو ثلاثة أمتار، في منطقة بطول ثلاثة كيلومترات على الشاطئ تظهر فيها تلك الأسماك دون غيرها من سواحل فرسان التي يصل طولها لأكثر من 200 كيلومترًا. وتظهر أسماك الحريد على شكل مجموعات كبيرة تسمى (سواد)، تضم المجموعة الواحدة منها أعدادًا مختلفة قد تصل إلى نحو ألفي سمكة، يحلّق عليها الصيادون بالشباك المُعَدة لتقريبها للساحل؛ حيث يقوم بقية الصيادين بعمل سور شجري من أشجار الكسب لمنع السمك من مغادرة المكان، ليتم بعد ذلك إعلان انطلاقة الصيادين وأهالي فرسان وزوارها الذين يكونون على أهبة الاستعداد على الشاطئ للانطلاق والبدء في الصيد بشباكهم المعدة بصفة خاصة لهذا النوع من الصيد والتي تُصنع بشكل دائري يشبه إلى حد كبير شباك مرمى كرة السلة مع فارق بسيط في اتساع حجم الشباك المستخدمة في صيد سمك الحريد؛ ليحصل كل منهم على نصيبه من الصيد وفق خبرته في الصيد وحجم شباك الصيد الخاص به. ونظرًا لأهمية صيد سمك الحريد التاريخية والثقافية والسياحية بالنسبة لجزيرة فرسان وأهالي الجزيرة والتعريف بها؛ فقد أطلق الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان في العام 1426هـ، أول نسخة رسمية لمهرجان الحريد بجزر فرسان، بعد أن كان يقام بجهود فريدة متواضعة من قِبَل أهالي جزر فرسان، ليشهد المهرجان ومحافظة فرسان عمومًا قفزات وتطورات توالت بشكل متسارع خلال الـ20 عامًا الماضية، في ظل الدعم الذي تجده من القيادة الرشيدة كغيرها من محافظات ومناطق وطننا العزيز. وأسهم المهرجان -خاصة بعد صدور الأوامر الملكية الكريمة- بتوفير عبارات نقل الركاب من جازان إلى فرسان ذهابًا وعودة، والمهيأة لنقل مئات الركاب يوميًّا مع سياراتهم مجانًا؛ وفقًا لجدول زمني محدد لرحلاتها اليومية، وآلاف الركاب خلال موسم الحريد الذي تتضاعف فيه عدد رحلات العبارات، إضافة لعبارات نقل البضائع، في التعريف بمحافظة فرسان والجزر التابعة لها وما يتوفر بها من مقومات طبيعية وسياحية، ودخول العديد من الاستثمارات في المجالات السياحة والإيواء "الفنادق والشقق المفروشة"، وإقامة المطاعم والسوبر ماركات والبوفيهات، التي جاءت بالتزامن مع العديد من المشروعات الحكومية الخدمية والتنموية في مجالات التعليم والإسكان وجودة الحياة، وغيرها من الخدمات التي تهم المواطن والزائر لجزر فرسان وتوفر سبل الراحة لهم. ومع كون مهرجان الحريد من أهم وأول المهرجانات السياحية والثقافية بمنطقة جازان؛ فإن أرخبيل جزر فرسان من أهم المواقع السياحية التي ينتظرها مستقبل سياحي واستثماري واعد على مستوى الوطن.
مشاركة :