تشاد: انتخابات رئاسية في آخر «حجر دومينو» فرنسي في الساحل

  • 5/5/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تشهد تشاد آخر معاقل النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقية انتخابات رئاسية متوترة تخضع لمراقبة دول الجوار والحلفاء. تستعد تشاد، التي وصفتها صحيفة «لوموند» الفرنسية بأنها «آخر أحجار الدومينو» بالنسبة للغرب في منطقة الساحل الإفريقي، لخوض انتخابات رئاسية متوترة غداً الاثنين، فيما ترغب باريس، التي أعلنت نيتها تقليص وجودها العسكري في إفريقيا، في التوصل لتعاون يتجاوز المجال الأمني. ويحاول الرئيس التشادي الانتقالي محمد إدريس ديبي إضفاء شرعية على سلطته عبر انتخابات يواجهه فيها منافسه الرئيسي، رئيس الوزراء سكسيه ماسرا، الذي يعتقد أن «مكان الجيش الفرنسي في فرنسا»، مما يطرح تساؤلات جدية حول الوجود العسكري الفرنسي في تشاد، لاسيما بعد طرد جنودها من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، واستمرار رفض سياستها الخارجية في قارة تجتاحها رياح السيادة. وتمتد العلاقة العسكرية بين فرنسا وتشاد إلى «تاريخ طويل من الاعتماد المتبادل»، حيث يحتل هذا البلد الإفريقي و«محاربو الصحراء» مكانة خاصة في مخيلة الجيش الفرنسي، الموجود في هذه المنطقة بشكل شبه مستمر منذ أكثر من قرن. من «ليموزين» إلى «إبرفييه» وظلت تشاد، أول مستعمرة تنضم إلى فرنسا الحرة في أغسطس 1940، خاضعة لإدارة جزئية من الجيش الفرنسي حتى عام 1965، أي بعد خمس سنوات من استقلالها. ومنذ ذلك الحين، قامت «حاملة الطائرات الصحراوية»، كما لقبت بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يسمح لباريس بنشر قواتها في منطقة الساحل، بأكبر عدد من العمليات الخارجية الفرنسية، انطلاقاً من عملية «ليموزين» (1969-1971)، لحماية الرئيس فرانسوا تومبالباي ضد الفصائل المتمردة القادمة من السودان، وصولاً إلى «إبرفييه» (1986-2014)، ضد غزو قوات معمر القذافي الليبية. وساهم الجيش الفرنسي في إعادة حسين حبري إلى السلطة في تشاد عام 1982، ثم حكم عليه في عام 2016 بالسجن مدى الحياة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ثم رافق الإطاحة به على يد إدريس ديبي في عام 2019، في حين أرسلت تشاد قواتها إلى خط المواجهة عندما شنت فرنسا حملة ضد الجهاديين بمنطقة الساحل في عام 2013. ولا يزال ألف جندي فرنسي متمركزين حتى اليوم في قاعدة نجامينا الجوية، حيث تقلع طائرات الميراج كل يوم لتراقب الأوضاع، ولكن لتزود أيضاً النظام الحاكم في تشاد بمعلومات قيمة عن تحركات المتمردين على حدود الإقليم. لكن الحفاظ على مركز عمليات القوات الفرنسية في منطقة الساحل في نجامينا يثير تساؤلات، خاصة وأن العاصمة التشادية تبعد آلاف الكيلومترات عن مسرح العمليات ضد الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، التي أصبح يصعب على الجنود الفرنسيين الوصول إليها. شبح روسيا وتظل تشاد تحدياً مركزياً في منطقة تهزها الأزمات والانقلابات والنفوذ المتزايد لروسيا التي تنشر قواتها شبه العسكرية في أربع دول حدودية، وهي ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر. وتعرف نجامينا، التي ينظر إليها على أنها «حجر الدومينو الأخير» أو «آخر أوراق» المعسكر الموالي للغرب في منطقة الساحل، كيف تستفيد من موقعها كقلعة محاصرة، حيث لا يتردد أعضاء جهاز الأمن التشادي في إثارة شبح روسيا لتخويف الغرب والحصول على تنازلات منهم، مما يثير، في المقابل، استياء المجتمع المدني والمعارضة المتعطشة للديموقراطية. وقال مصدر في هذا الصدد «عندما نطالب بمواقف أكثر صرامة لمصلحة الديموقراطية، يرد الغربيون بأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى المجازفة بدفع السلطة (الحاكمة) إلى أيدي موسكو»، فيما تزايد استياء العديد من التشاديين، وباتوا ينظرون لفرنسا بمنزلة عقبة في طريق التغيير بتشاد. كما يرى بعض التشاديين أن فرنسا عززت خلافة الأسرة الحاكمة في السلطة لمدة ثلاثة عقود في تشاد، فيما اتسعت الفجوة بين الشباب المتعطش للتغيير في تشاد وفرنسا التي لم تستطيع التملص من التعاون الأمني الحصري، وهي فجوة قد تستغلها الحكومة التشادية لحشد الرأي المعادي للوجود العسكري الفرنسي لكسب نقاط لدى الرأي العام. من جهتها، تجنّبت الولايات المتحدة تحمل أي مسؤولية لتوتر الأوضاع السياسية، وأعلنت في 25 أبريل الماضي سحباً مؤقتاً لجزء من قواتها من تشاد، في أعقاب خلاف مع أركان القوات الجوية، لكن يبدو أن فرنسا، التي تعلن عن رغبتها في تقليص وجودها العسكري في إفريقيا وإعادة صياغة علاقتها مع مستعمراتها السابقة، تفعل العكس تماماً في تشاد. وستصبح تشاد الأولى ضمن مجموعة دول اجتاحتها انقلابات في وسط وغرب إفريقيا التي تلجأ إلى صناديق الاقتراع بعد حكم عسكري مستمر منذ سنوات. وعبرت جماعات المعارضة بالفعل عن تشككها في نزاهة الأمر، ومن المتوقع على نطاق واسع فوز ديبي الذي استولى على السلطة يوم قتل متمردون والده إدريس ديبي بالرصاص في أبريل 2021. ويقول محللون، إن حلفاء تشاد من دول الغرب التزموا الصمت إلى حد كبير، وظلوا يراقبون الوضع أملاً أن تؤدي الانتخابات إلى استقرار نسبي على الأقل في دولة تقع في منطقة يشوبها العنف المسلح وتحاول روسيا أيضا أن ترسخ نفوذها فيها. وتشاد هي آخر دولة في منطقة الساحل التي لا يزال بها وجود فرنسي بعد أن أمرت دول جوار تخضع لحكم مجالس عسكرية بعد انقلابات، وهي النيجر وبوركينافاسو ومالي، فرنسا وقوى غربية بسحب قواتها، ولجأت إلى موسكو طلباً للدعم. ويقول محللون إن الأولوية لدى القوى الإقليمية والغربية هي الدفع من أجل استقرار تشاد وتعزيز مواقعها فيها. وقال أولف لايسينغ، رئيس برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور، «تشاد تتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة حالياً بالنسبة للغرب الذي لن يسمح لروسيا بالحصول على فرصة». وليست مسألة الأمن فقط هي التي تضفي سمة استراتيجية على أهمية تشاد بل أيضاً ملف اللاجئين الحساس. وتستقبل تشاد تدفقاً هائلاً للاجئين من السودان، حيث تسببت الحرب الأهلية في أكبر أزمة نزوح ولجوء بالعالم. ويقول لايسينغ، إن بعض اللاجئين عبروا إلى النيجر، التي ألغت العام الماضي قانوناً كان يبطئ من تدفق مهاجرين إلى أوروبا انطلاقاً منها، مضيفاً: «هذا سبب آخر يدفع الدول الغربية إلى إبقاء العلاقات مع تشاد على الرغم من سجلات حقوق الإنسان المتردية هناك»، وأشار إلى أن الانتخابات ستعزز مشروعية ديبي حليفاً، «وسيتمكن صنّاع السياسات الغربيون على الأقل من القول إنه منتخب». النيجر في سياق متصل، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس الأول، إن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع في النيجر المجاورة لتشاد، وخصوصاً فيما يتعلق بالقاعدة الأميركية الموجودة هناك. وذكر أن الأميركيين يراقبون أيضاً ما إذا كانت لدى العسكريين الروس، إمكانية الوصول إلى المعدات العسكرية الأميركية في النيجر. وأضاف أوستن، في مؤتمر صحافي مشترك مع زملائه من أستراليا والفلبين واليابان في ولاية هاواي: «لقد طرحتم سؤالاً حول النيجر ووجود الروس في نفس المنطقة التي نعيش فيها. الروس يعيشون في مجمع منفصل. ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو معداتنا. يتركز اهتمامي دائماً على سلامة وأمن قواتنا. وسوف نستمر في مراقبة هذا الموضوع. في الوقت الحالي، لا أرى مشكلة جدية قد تتعلق بحماية قواتنا». وفي وقت سابق، قال مصدر في البنتاغون، إن قوات روسية ستبقى في قاعدة واحدة في النيجر مع عناصر من الجيش الأميركي، حتى تسحب الولايات المتحدة وحدتها من هذه الدولة الإفريقية.

مشاركة :