‮«‬إن الله‮ ‬يحب الرفق في‮ ‬الأمر كله‮»‬

  • 4/15/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبراز محاسن كل الأخلاق الإسلامية،‮ ‬وبيان فضلها وتأثيرها الإيجابي‮ ‬على حياة الإنسان،‮ ‬حيث توفر له كل فرص الاستقرار والطمأنينة إلا أن خلق‮ ‬الرفق‮ ‬حظي‮ ‬بعناية خاصة في‮ ‬أفعال وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬حيث كان نموذجاً فريداً في‮ ‬الرفق واللين في‮ ‬التعامل مع الناس،‮ ‬حتى المخالفين والمتجاوزين لما أمر به الله،‮ ‬حيث كان‮ ‬يأخذهم بالرفق ويوضح لهم تجاوزاتهم باللين،‮ ‬وكان لأسلوبه الرحيم تأثير السحر في‮ ‬سلوك الجميع فلم‮ ‬يجد منهم عنادا أو إصرارا على الباطل،‮ ‬بل سرعان ما كانوا‮ ‬يعودون إلى الحق،‮ ‬ويلتزمون الطريق المستقيم،‮ ‬ويشهدون بصدق وعظمة الرسول الكريم‮.‬ صور الرفق في‮ ‬سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحصى،‮ ‬وقد شملت الكبير والصغير،‮ ‬والطائع والعاصي،‮ ‬والقريب والبعيد،‮ ‬والعالم والجاهل،‮ ‬والعدو والصديق،‮ ‬والمخطئ في‮ ‬العبادة،‮ ‬والمخطئ في‮ ‬العادة‮.‬ يروى أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليه رهط‮ ‬جماعة فوق الثلاثة ودون العشرة‮ ‬من اليهود فقالوا‮: ‬السام عليكم‮ ‬والسام هو الموت‮ ‬قالت عائشة‮: ‬ففهمتها،‮ ‬فقلت‮: ‬وعليكم السام واللعنة‮.. ‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬مهلاً‮ ‬يا عائشة،‮ ‬إن الله‮ ‬يحب الرفق في‮ ‬الأمر كله‮ ‬قالت عائشة‮: ‬يا رسول الله،‮ ‬أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله‮: ‬قد قلت وعليكم‮.‬ وصايا نبوية ومن مظاهر رفقه صلوات الله وسلامه عليه‮: ‬تفريج الكرب والتيسير على المعسر،‮ ‬وستر المسلم ومعاونته‮.. ‬فقد جاء في‮ ‬الحديث الصحيح عن أبي‮ ‬هريرة رضي‮ ‬الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب‮ ‬يوم القيامة،‮ ‬ومن‮ ‬يسر على معسر‮ ‬يسر الله عليه في‮ ‬الدنيا والآخرة،‮ ‬ومن ستر مسلماً ستره الله في‮ ‬الدنيا والآخرة،‮ ‬والله في‮ ‬عون العبد ما كان العبد في‮ ‬عون أخيه،‮ ‬ومن سلك طريقا‮ ‬يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة‮.‬ ومن مظاهر رفقه صلوات الله وسلامه عليه حثه على العطف على الحيوان والرفق به وتقديم الطعام له،‮ ‬وكلنا‮ ‬يعرف حديثه الشريف الذي‮ ‬يخبر فيه بدخول امرأة النار لحبسها قطة وعدم تقديم الطعام والشراب لها‮.‬ ومن مظاهر رفقه أيضاً حثه على عيادة المريض،‮ ‬وإطعام الجائع وسقي‮ ‬الظمآن‮.. ‬يقول صلى الله عليه وسلم‮: ‬إن الله عز وجل‮ ‬يقول‮ ‬يوم القيامة‮: ‬يا بن آدم،‮ ‬مرضت فلم تعدني،‮ ‬قال‮: ‬يا رب،‮ ‬كيف أعودك وأنت رب العالمين؟‮! ‬قال‮: ‬أما علمت أن عبدي‮ ‬فلانا مرض فلم تعده،‮ ‬أما علمت أنك لو عدته لوجدتني‮ ‬عنده؟‮ ‬يا بن آدم استطعمتك فلم تطعمني،‮ ‬قال‮: ‬يا رب،‮ ‬كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟‮! ‬قال‮: ‬أما علمت أنه استطعمك عبدي‮ ‬فلان فلم تطعمه،‮ ‬أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟‮ ‬يا بن آدم،‮ ‬استسقيتك فلم تسقني،‮ ‬قال‮: ‬يا رب‮: ‬كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال‮: ‬استسقاك عبدي‮ ‬فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي‮.‬ أيضا‮ً.. ‬تعددت وصاياه صلى الله عليه وسلم بالرفق،‮ ‬وبيان محاسنه،‮ ‬والتحذير من السلوك العنيف القاسي،‮ ‬ومن هذه الوصايا والتوجيهات ما نقلته لنا السيدة عائشة رضى الله عنها،‮ ‬حيث قال عليه الصلاة والسلام في‮ ‬الحديث الذي‮ ‬رواه مسلم‮: ‬إن الله رفيق‮ ‬يحب الرفق،‮ ‬ويعطي‮ ‬على الرفق ما لا‮ ‬يعطي‮ ‬على العنف‮.. ‬كما أخبرنا الصحابي‮ ‬الجليل أبو‮ ‬الدرداء رضي‮ ‬الله عنه أن النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم قال‮: ‬من أعطي‮ ‬حظه من الرفق فقد أعطي‮ ‬حظه من الخير،‮ ‬ومن حرم الرفق فقد حرم حظه من الخير‮.‬ وقال عليه الصلاة والسلام في‮ ‬حديث صحيح رواه الإمام مسلم‮: ‬إن الرفق لا‮ ‬يكون في‮ ‬شيء إلا زانه،‮ ‬ولا‮ ‬ينزع من شيء إلا شانه‮.‬ طريق إلى الجنة يقول د‮. ‬عبد الفتاح العواري،‮ ‬عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر‮: ‬الرفق خلق‮ ‬يرقى بالمسلم،‮ ‬ويهذب سلوكه،‮ ‬ويحقق له الخير،‮ ‬ويغرس محبته وقبوله في‮ ‬نفوس كل من‮ ‬يتعامل معه‮.. ‬وقد شمل الأسلوب الرحيم للنبي صلى الله عليه وسلم‮ ‬كل مجالات الحياة،‮ ‬فقد جاء في‮ ‬صحيح البخاري‮ ‬قول رسول الله صلى الله عليه وسلم‮: ‬إن الله‮ ‬يحب الرفق في‮ ‬الأمر كله‮.. ‬ولهذا‮ ‬ينبغي‮ ‬على كل مسلم،‮ ‬بل على كل إنسان ذي‮ ‬عقل سليم أن‮ ‬يلتزم بالرفق مع كل مَنْ‮ ‬وما تحت‮ ‬يديه،‮ ‬فيرفق بأبويه وزوجه وأولاده وخدمه،‮ ‬ويكون رفيقا بمن تحت‮ ‬يديه في‮ ‬العمل،‮ ‬وبما سخره الله له من حيوانات،‮ ‬عطوفا على الضعفاء والمساكين،‮ ‬لينال ستر الله في‮ ‬الدنيا،‮ ‬ويحظى بدخول جنته في‮ ‬الآخرة‮.. ‬يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في‮ ‬الحديث الصحيح الذي‮ ‬رواه الترمذي‮: ‬ثلاث من كن فيه ستر الله عليه،‮ ‬وأدخله جنته‮: ‬رفق بالضعيف،‮ ‬وشفقة على الوالدين،‮ ‬وإحسان إلى المملوك‮.‬ والرفق كما‮ ‬يقول الدكتور محمد عبد الغني‮ ‬شامة في‮ ‬موسوعة المفاهيم الإسلامية،‮ ‬يرفع درجة صاحبه بين الناس بحيث تلهج ألسنتهم عند ذكره بالثناء عليه،‮ ‬والدعاء له،‮ ‬ومن سلب هذه الصفة،‮ ‬فسلك مع الناس سلوك العنف،‮ ‬وتعامل معهم بالشدة،‮ ‬صبوا عليه اللعنات،‮ ‬وجردوه في‮ ‬حديثهم من الإنسانية‮.‬ لكن الرفق في‮ ‬التعامل مع المرؤوسين،‮ ‬ومع الأبناء،‮ ‬ومع التلاميذ وطلاب العلم،‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬التخلي‮ ‬عن الحزم المطلوب لحسن التربية،‮ ‬ولا‮ ‬يعني‮ ‬التخلي‮ ‬عن التأديب الواجب،‮ ‬لأن الخالق سبحانه وهو أرحم الراحمين هو الذي‮ ‬شرع التأديب اللازم‮.‬ كما لا‮ ‬يعني‮ ‬الرفق أبدا التجاوز عن المعاصي‮ ‬والجرائم التي‮ ‬يرتكبها العصاة والمجرمون،‮ ‬لأن الله سبحانه وهو المثل الأعلى في‮ ‬الرفق والرحمة بعباده هو الذي‮ ‬شرع العقوبات لصيانة نفوس الناس،‮ ‬ولصيانة أموالهم وأعراضهم،‮ ‬ولو ترك الناس من دون حساب على جرائمهم وأخطائهم لعمت الفوضى،‮ ‬ولساد الفساد في‮ ‬الأرض‮.‬ لذلك كان من الرفق والرحمة أن نربي‮ ‬الأطفال منذ الصغر على التزام مكارم الأخلاق،‮ ‬وعلى أداء الواجبات،‮ ‬ولو أدى ذلك إلى الشدة بهم في‮ ‬بعض المواطن،‮ ‬لأنهم لو تركوا وأهواءهم،‮ ‬لشبوا على اللهو واللعب،‮ ‬ولعاشوا لا‮ ‬يحسنون صنعا،‮ ‬فمن الرحمة بهم أن‮ ‬يعودوا على أداء الواجب‮.‬ ثمار الرفق وإلى جانب المكافآت والحوافز الإلهية لمن‮ ‬يلتزم بخلق الرفق الذي‮ ‬تخلق به وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬والأجر الكبير والثواب الجزيل الذي‮ ‬وعد به الخالق في‮ ‬الآخرة،‮ ‬فإن الرفق له ثماره الكثيرة في‮ ‬الدنيا،‮ ‬فهو‮- ‬كما‮ ‬يقول د‮. ‬حسن خليل الباحث الشرعي‮ ‬بمشيخة الأزهر‮- ‬يرفع درجة صاحبه بين الناس،‮ ‬ويضفي‮ ‬عليه وقارا واحتراما لا‮ ‬يتوفر لهؤلاء الذين‮ ‬يتوهمون أن العنف والقسوة تجلب لهم الهيبة وتفرض على الآخرين احترامهم‮.. ‬فالإنسان الذي‮ ‬يتحلى بالرفق‮ ‬يفرض احترامه على الآخرين فيبادلونه الرفق،‮ ‬وتلهج ألسنتهم عند ذكره بالثناء عليه والدعاء له. ولا شك أن الرفق في‮ ‬العمل‮ ‬يؤدي‮ ‬به إلى النجاح والإتقان،‮ ‬والسلامة والأمان،‮ ‬وكلما حرص الإنسان على الرفق في‮ ‬قوله وعمله وفي‮ ‬سلوكه وسائر تصرفاته،‮ ‬أحرز النجاح وحقق مطالبه وطموحاته،‮ ‬فحظ الإنسان من الخير منوط بحظه من الرفق،‮ ‬وهذا ما وجهنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله‮: ‬من أعطى حظه من الرفق فقد أعطى حظه من الخير‮.. ‬وكما أن حظ الإنسان من ‬الخير‮ ‬يكون على قدر حظه من الرفق،‮ ‬فكذلك حرمانه من الرفق،‮ ‬حرمان له من الخير،‮ ‬ولذلك قال صلى الله عليه وسلم‮: ‬من‮ ‬يحرم الرفق‮ ‬يحرم الخير‮.‬ ‮ ‬لقد دعانا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الرفق في‮ ‬كل الأمور،‮ ‬لاسيما مع من‮ ‬يكون جاهلا لا‮ ‬يدري‮ ‬ما‮ ‬يصنع،‮ ‬فالتعليم بالرفق‮ ‬يؤدي‮ ‬إلى حسن القبول،‮ ‬وإلى الأخذ بالنصح والتوجيه‮.. ‬وجاء في‮ ‬الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال‮: ‬قام إعرابي‮ ‬فبال في‮ ‬المسجد فتناوله الناس،‮ ‬فقال لهم النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم‮: ‬دعوه وهريقوا على بوله سجلا من ماء‮ (وهو الدلو)‮ ‬ فإنما بعثتم مبشرين ولم تبعثوا معسرين‮.‬ تصحيح الأخطاء وهنا‮ ‬يتدخل الخبير التربوي‮ ‬د‮. ‬صلاح عبد السميع،‮ ‬أستاذ التربية بجامعة حلوان،‮ ‬ليؤكد من جانبه أن العنف فوت علينا تحقيق الهدف الأسمى من المدارس وهو التربية الصحيحة للصغار،‮ ‬ويقول‮: ‬اللوم الأكبر لا‮ ‬يقع على المدرسين،‮ ‬بل‮ ‬يقع على الآباء والأمهات الذين أوفدوا للمدارس أطفالاً أدمنوا العنف والإسفاف في‮ ‬سلوكهم اليومي،‮ ‬وكان من الطبيعي‮ ‬أن‮ ‬يواجه المدرسون‮ ‬يومياً بنماذج‮ ‬غريبة من عنف التلاميذ بعضهم مع بعض،‮ ‬وأحيانا‮ً ‬ينال العنف بعض المدرسين،‮ ‬وقد شاهدنا جرائم عنف من تلاميذ ضد مدرسين انتهت نهايات مؤسفة‮.‬ لكن مع ذلك‮ ‬يطالب د‮. ‬عبد السميع كل المربين والمعلمين بتصحيح أخطاء البيوت التي‮ ‬لا تلتزم أصول التربية الصحيحة،‮ ‬ويقول‮: ‬لا‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نغفل في‮ ‬التربية عن معنى‮ ‬الرفق‮ ‬الذي‮ ‬رسخه في‮ ‬نفوسنا ديننا الإسلامي‮ ‬العظيم،‮ ‬وهذه مسؤولية الآباء والأمهات في‮ ‬البيوت،‮ ‬كما هي‮ ‬مسؤولية المعلمين والمربين في‮ ‬المدارس، ويجب على وسائل الإعلام أن تكف عن نشر أو إذاعة أية أعمال درامية تزين العنف في‮ ‬نظر الصغار،‮ ‬وهذه الأعمال الفنية الهابطة تتزايد للأسف في‮ ‬ظل انهيار القيم في‮ ‬مجال الفن.‬

مشاركة :