لا تزال أزمة الدراما المصرية تفرض نفسها بقوة على الحوارات الخاصة وجلسات النجوم والمنتجين، كأنهم يدورون في دائرة مغلقة، لا يستطيع أحد كسرها، رغم دعوات البعض بضرورة أن يجلس المنتجون ليناقشوا حال وأوضاع الدراما المصرية التي أصبحت تشهد تراجعاً كبيراً على مستوى الكم والكيف، إلى الدرجة التي يشهد هذا العام، نصف عدد المسلسلات التي أنتجت العام الماضي، ما يشير إلى وجود أزمة حقيقية في صناعة الدراما التلفزيونية، الأمر الذي قد يهدد هذه الصناعة خلال السنوات المقبلة، في ظل غياب تام لإنتاج الدولة، وغياب الرؤية والتنسيق لكبار المنتجين العاملين في الصناعة، فضلاً عن وجود عدد من المشاكل التي تحتاج إلى مراجعة حقيقية نتطرق إليها في التحقيق التالي. يقول المنتج جمال العدل: الدراما المصرية تمر بأزمة حقيقية، لكنها لم ولن تصل إلى مرحلة الانهيار، بل هي مشاكل يمكن معالجتها بسهولة. ويضيف: لن أتحدث عن أسباب هذه الأزمة، فهي معلومة للجميع، لكنني سأتحدث عن الحل الذي يتمثل في أمرين، الأول يتعلق بضرورة جلوس المنتجين مع بعضهم، واجتماعهم بعدد من النجوم الكبار، الذين سيكونون ممثلين لباقي زملائهم في المهنة، للبحث عن كيفية تدارك الأزمة والحد من انهيارها، خصوصاً أن الصناعة تضم أطرافاً كثيرة، وفي النهاية هي بمثابة أكل عيش لنا جميعاً، وهناك آلاف الأسر التي تفتح بيوتها من هذه الصناعة، لذلك يجب سرعة التنسيق بين القائمين عليها لترتيب أوضاعنا. يتابع العدل: أما الأمر الثاني فيتمثل في ضرورة البحث عن سوق بديل لعرض المسلسلات المصرية غير السوق العربية والخليجية، مثل ضرورة فتح أسواق جديدة في أوروبا، وأمريكا، وأمريكا اللاتينية، كذلك في آسيا في الهند ودول شرق آسيا، لأننا في النهاية نمشي في دائرة واحدة هي القنوات المصرية والخليجية، بمعنى أننا نشاهد أنفسنا، سواء كانت دراما مصرية وعربية، أو خليجية، فلا بد من البحث عن مشاهد جديد، وبالتأكيد هذا سيعمل على تطوير الدراما أيضاً إلى جانب تسويقها، لاسيما أن الأعمال المصرية أصبحت ذات جودة عالية على مستوى الصورة، كما أن هذه الأعمال تتطرق لموضوعات حياتية مهمة تأخذ الطابع الإنساني، وليس كما كانت في السابق تخص المصريين وحدهم، إضافة إلى أن هناك أكثر من مسلسل تتعاون مع شركات فرنسية وأمريكية في العمليات الفنية النهائية وتقنيات تنفيذ تلك الأعمال. أما من ناحية أجور الفنانين المبالغ فيها، فيقول: بالتأكيد هناك نجوم يصرون على أجورهم المبالغ فيها، وهؤلاء لا بد أن يشاركوا في حل الأزمة بتخفيض أجورهم، لكن هذا لا يمنع أن هناك أكثر من فنان هذا العام خفضوا من أجورهم من أجل أن تسير العجلة. يوضح المنتج أحمد الجابري أن فورم ال30 حلقة لم يعد موجوداً إلا في مصر من بين الدول التي بها صناعة دراما تلفزيونية مثل تركيا والهند، بل والدراما الأمريكية أيضاً. ويضيف: لا شك أن المسلسلات ال 60 وال 90 حلقة، لها أكثر من ميزة مهمة، أولاً أنها نجحت في الحد من انتشار الأعمال التركية التي غزت الفضائيات المصرية والعربية في السنوات الماضية، الميزة الثانية أنها نجحت في فتح مواسم درامية جديدة بعيداً عن الموسم الواحد خلال شهر رمضان، كما أنها قدمت العديد من المواهب في الإخراج والتمثيل، أضف إلى ذلك أنها تحد من الخسائر التي يتعرض لها المنتج في حال قام بإنتاج عمل من 30 حلقة، وإن كان هذا لا يمنع أن نعترف بأن صناعة الدراما تمر بمنحى خطر. يقول المنتج صادق الصباح: جزء من الأزمة الحقيقية التي تواجه الدراما، أن القنوات على مدار ال 4 سنوات الماضية حبست أموال المنتجين لديها، لذلك أصبحت أغلب شركات الإنتاج لا تمتلك سيولة مالية كافية لتنفيذ مسلسلات جديدة، وهو ما أثر في غزارة الإنتاج هذا العام، أضف إلى ذلك أن الحالة المزاجية للمشاهد تغيرت كثيراً في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما جعله يقبل على مشاهدة نوعية محددة من الأعمال منها الميلودرامي والرومانسي، وهي النوعية التي انتشرت طوال الفترة الماضية، بعد أن تابع الجمهور الأعمال التركية والهندية. وتابع الصباح: المسلسلات التي يتم إنتاجها في العام الواحد لا تسوق بالكامل في الخارج، بمعنى أنه لو توفر 30 مسلسلاً، لا يباع منها إلا 10 مسلسلات فقط، سواء في سوريا ولبنان أو منطقة الخليج، لذلك تكون المعادلة صعبة، ولكن ترشيد الأمور يساعد على الاستمرارية، والسنوات المقبلة لا تحمل زيادة في عدد المسلسلات، لذلك أعتقد أن العدد سيكون أقل من المعدل الطبيعي، في الوقت الذي كنا ننتظر زيادة في عدد الأعمال المنتجة، يتناسب وزيادة عدد الفضائيات. أما المنتج عبد الله أبو الفتوح فأكد أن أزمة الدراما ليست وليدة العام الحالي، لكنها تراكمية منذ سنوات، وكان متوقعاً أن يحدث هذا التراجع، حيث إننا كنا ننتج منذ سنوات أكثر من 70 عملاً، وبشكل عشوائي، ويضخ المنتجون أعمالهم في سوق الدراما دون حسابات، والقنوات تشتري بالآجل ولا تدفع مباشرة، ما جعل الديون تتراكم وتعجز هذه القنوات عن الدفع، فانعكس الأمر على شركات الإنتاج، وأصبحت الأعمال الدرامية تقل بشكل مستمر كل عام إلى أن وصلنا العام الحالي إلى أقل من النصف، حيث لن ينتج أكثر من 25 مسلسلاً، والسنوات المقبلة ستشهد انهياراً تدريجياً أكثر إذا استمرت الحال كما هي عليها دون اللجوء إلى حلول جذرية حقيقية. وأشار أبو الفتوح إلى أن الحل لا بد أن يكون أولاً بالحد من الأسعار الفلكية التي أثرت في الدراما، فأصبح متوسط العمل الواحد يصل إلى ما بين 40 و 50 مليون جنيه، وهو رقم كبير لا يستطيع المنتج بعد ذلك أن يعوض خسارته فيه، خاصة أن القنوات التي تشتري فعلياً أصبحت معدودة، ولا بد من إنتاج أعمال منخفضة التكاليف، وبنجوم جدد. كما أن مسلسلات ال 60 حلقة نجحت في التقليل من انتشار الدراما التركية، لأنها بعرف السوق تكون مسلسلات استهلاكية تستفيد منها القنوات فقط ويطلق عليها مسلسلات التوفير، لأن الفنان يحصل على أجر أقل مما يحصل عليه في الموسم الرمضاني، وهو نفس الحال بالنسبة لباقي فريق العمل من مؤلف ومخرج وهكذا، وفي الوقت نفسه الديكورات التي تستهلك ميزانية كبيرة يتم استغلالها في 60 حلقة بدلاً من 30، وبالتالي توفر جزءاً كبيراً من الميزانية. أما المنتج محمد فوزي فيرى أن أزمة الدراما المصرية ستزداد كل عام طالما تتزايد المديونيات على القنوات الفضائية في ظل عدم حصول المنتجين على حقوقهم، موضحاً أن كل شيء أصبح مبالغاً فيه، سواء الأجور أو الديكورات حتى أسعار أماكن التصوير، متوقعاً أن تشهد السنوات المقبلة إنتاج عدد أقل في المسلسلات. ويؤكد المنتج ريمون مقار أن حل الأزمة في يد القنوات الفضائية وليس في يد المنتجين وصناع الدراما، لأن القنوات قررت على سبيل المثال أن تشتري 3 مسلسلات بدلاً من 6، وهناك قنوات لم تشتر من الأساس الموسم الماضي، وتكمل طريقها في عدم الشراء هذا الموسم أيضاً، لذلك لا يمكن إنتاج مسلسل دون تسويقه، وهو ما يعرضه لخسارة كبيرة، والدليل على ذلك أن هناك منتجين كباراً لديهم أعمال ولكنهم تراجعوا عن دخولها لأنهم لم يستطيعوا تسويقها، فالمحرك الأساسي هو القناة الفضائية وليس إنتاج الدراما. وأوضح مقار أن سوق الدراما في تضاؤل مستمر بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، متوقعاً أنه في حالة حدوث انتعاشة اقتصادية وزيادة حجم الإعلانات، قد ينعكس ذلك إيجابياً على سوق الدراما، حيث تعاود القنوات من جديد شراء المسلسلات، وبالتالي تدور عجلة الإنتاج.
مشاركة :