5 أيام لم تكن كافية للاطلاع على إرث تاريخي ونقلة حضارية ورؤية مستقبلية تشهدها المملكة الأردنية الهاشمية، ولكنها كانت مناسبة لـ «سياحي أخبار الخليج» لتعرف ملامح سياحية تنفرد بها المملكة، التي يمكنها منافسة وجهات السياحة العالمية بفضل تضاريسها ومناطقها المناخية الجغرافية المتباينة، سواء مناطق الأغوار التي تمتد على حدودها الغربية وتشمل نهر الأردن والبحر الميت، ومناطق المرتفعات الجبلية التي تفصل بين الأغوار والجزء الثالث للمملكة الذي يمثل 75% من مساحتها وهي منطقة البادية. الجولة التي نظمتها هيئة تنشيط السياحة بالمملكة الأردنية، بدأت بزيارة مدينة جرش الأثرية وقلعة عجلون والبحر الميت والمسرح الروماني انتهاء بزيارة للحدود الأردنية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة ونهر الأردن، وتعرف السياحة الدينية في المملكة ومناطق التراث المسيحي التي عززتها زيارة بابا الفاتيكان للأردن واعتمد فيها نهر الأردن كمغطس لسيدنا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وضمن التنقل من منطقة لأخرى كان القاسم المشترك في كل المناطق وطوال الرحلة هو الترحاب والود من أهل الأردن للجميع وابتسامتهم التي دائما تعلو الوجوه في كل الأوقات. المدرج الروماني «مسرح فيلادلفيا» على بعد خطوات من جبل القلعة يأتي أحد أهم المواقع الأثرية بالأردن وهو المدرج الروماني «مسرح فيلادلفيا» الذي جاوز عدد زواره العام الماضي 150 ألف زائر، حيث تم بناء المدرج في مدينة فيلادلفيا «الاسم القديم لمدينة عمان» خلال القرن الثاني الميلادي في فترة حكم الإمبراطور أنتونينوس بيوس، وبعد تطويره في خمسينيات القرن الماضي تم إنشاء متحفين به، الأول متحف الحياة الشعبية في القبو الغربي، ويعرض تطور حياة سكان الأردن واستعمالهم مختلف الأدوات والاثاث، أما المتحف الثاني فهو «المتحف الشعبي للحلي والأزياء» الذي أنشئ في القبو الشرقي بالمدرج، ويعرض الثياب التقليدية لمعظم المدن الأردنية والفلسطينية والحلي وأدوات الزينة التي تستخدمها النساء. فيما يتسع المدرج «المسرح» لـ 6000 مشاهد، ويتكون من مقاعد للمشاهدين، وساحة نصف دائرية (أوركسترا)، ومنصة، ومداخل للجمهور، وغرف لتبديل الملابس، وكان فترة حكم الإمبراطور أنتونينوس بيوس، تقام بالمدرج فعاليات متنوعة، كالمصارعة بالسيف أو مع الحيوانات المفترسة، حيث يجري قبل البدء بالاحتفالات تقديم قربان لديونيسيوس (إله الاحتفال والمسرح) على المذبح الموجود وسط ساحة الأوركسترا، وكانت مقاعده مقسمة خلال تلك الفترة إلى ثلاثة مستويات، الأول لكبار القوم في ذلك العصر وضيوف الشرف، والثاني هو الجزء الأوسط من المدرج وخصص للمواطنين، في حين خصص المستوى الثالث وهو الجزء العلوي من المسرح للفقراء والأجانب والعبيد والنساء. جرش الأثرية مدينة الـ«كاردو ماكسيموس» تعتبر مدينة جرش أحد أهم المدن الأثرية التي يعود تاريخها إلـى عهد الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد أو ما يعرف بالعصر اليوناني، وكانت تسمى آنذاك (جراسا) في تحريف لاسمها السامي أو الكنعاني (جرشو) ومعناه مكان كثيف الأشجار، وكانت قديما تحوي مما يقرب من ألف عمود أثري شاهق، قبل أن يسقط العديد منهم بسبب الحروب والكوارث الطبيعية، فيما عاشت مدينة جرش عصرها الذهبي تحت حكم الروم الذين أدخلوا إليها الديانة المسيحية بحلول عام 350 ميلادية لتنتعش فيها لاحقاً حركة تشييد الأديرة التي دمر معظمها بسبب الحروب والكوارث الطبيعية المتلاحقة، وفي عام 635 ميلادية وصلت جيوش الفتح الإسلامي إلى جرش بقيادة شرحبيل بن حسنة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليعود الأمن والاستقرار إلى المنطقة كلهـا ولتستعيد المدينة ازدهارها في العصر الأموي، وتستمر حياة جرش المبهجة حتى وقتنا هذا وهي تحتضن مهرجان جرش السنوي للثقافة والفنون على مدى ثلاثة أسابيع. وتحتل مدينة جرش المرتبة الثانية بعد البتراء في قائمة الوجهات المفضلة في الأردن والتي كانت شاهدة على عصور من التاريخ والحضارات المختلفة، كما تتضمن المدينة المسرح الجنوبي الذى شيد في عهد الإمبراطور دوميتيان، بين عاميّ 90 و92 ميلاديا، ويتّسع لأكثر من 3 آلاف متفرّج ولا يزال المسرح يُستخدَم حتى الان ويتميز بخصائص صوتية بالوسط يجعل صوت الأوركسترا يصل الى المدرج كاملاً من دون أن يضطر إلى رفع صوته، بالإضافة إلى المسرح الشمالي الذى شيد عام 165 م وأمام المسرح ساحة ذات أعمدة مع درجٍ يؤدي إلى المدخل، ويستوعب حاليا 1600 شخص، فيما لا يزال شارع الأعمدة أو «كاردو ماكسيموس»، النقطة الرئيسية في جرش قديماً، الذي يبلغ طوله 800 م معبّداً بالحجارة الأصلية، حتى أنّ اهتراءات عربات الخيل لا تزال مرئية. قلعة عجلون محطة الحمام الزاجل تقع قلعة عجلون (قلعة صلاح الدين الايوبي) على مرتفع إلى الغرب من مدينة عجلون في الأردن بناها عز الدين أسامة، أحد كبار قادة صلاح الدين الأيوبي في عام 580هـ - 1184 م حيث تقع القلعة على سلسلة جبال تعرف باسم جبل عوف؛ حيث بنى عز الدين أسامة القلعة للحماية من الصليبيين ومنع انتشار القوات الصليبية في منطقة عجلون، وقد تم بناء القلعة لتكون نقطة دفاعية ضد أي هجمات محتملة من قبل الصليبيين، بالإضافة إلى حماية الطرق التجارية المؤدية إلى دمشق وشمال سوريا، وقد كانت هذه الطرق ذات أهمية خاصة للمسلمين، وكان من الضروري حمايتها من أي تدخلات أجنبية لحماية التجارة. كما كانت القلعة في ذات الوقت محطة للحمام الزاجل؛ حيث كان ينقل البريد بين القاهرة ودمشق وبغداد فيما تمتاز بعدد من العناصر المعمارية الإسلامية الأصيلة التي تميزها عن باقي المباني، بحيث أضفت عليها الصبغة العسكرية وتحتوى على خندق جاف يحيط بها، وهو خط الدفاع الأول، ويبلغ عمقه ما بين 15-20 مترا، وبعرض ما بين 25-35 مترا بالإضافة إلى الجسر المتحرك، الذي يرفع في حالات الحرب، ويعاد في أوقات السلم، وما زال مستوى التخطيط العسكري في تلك الفترة تظهر ملامحه بوضوح حتى وقتنا هذا عبر «طلاقات السهام» وهو المكان المخصص لرمي السهام وسقاطات الزيت الحارق والماء المغلي. البحر الميت.. بلا حياة وأخفض بقاع الأرض يعتبر البحر الميت أعجوبة طبيعية مذهلة ويعتبر أخفض بقعة في العالم حيث ينخفض عن مستوى سطح البحر بمقدار 427 مترا تقريباً، وهو مثالي للسياحة الدينية والترفيهية، فيبعث على الاسترخاء مع ملوحته الشديدة - حوالي عشرة أضعاف نسب الملوحة الاعتيادية في مياه البحار- بالإضافة إلى ما تحتويه من أملاح معدنية، مثل المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والبرومين وغيرها الكثير، يجعل منه عامل الجذب الأول والأساسي للمكان، حيث المياه الدافئة والغنية بالأملاح المعدنية، والتي تتمتع بعامل طفو مرتفع، والذي جعله احدى محطات السياحة في العصور القديمة، بما في ذلك الملك هيرودس والملكة المصرية كليوبترا.كما يأتي بالقرب منه عدد من المدن التي ذُكِرت في الكتاب المقدس وأثبتت الاكتشافات الأثرية أن المنطقة الواقعة عند نهر الأردن مذكورة في الكتاب المقدس، والتي عُمّدَ فيها السيد المسيح بحسب الكتاب المقدس، وهي المنطقة التي يندرج موقع المعمودية ضمن لائحة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو، وهو المكان الذي يقصده الحجاج من كافة بقاع العالم سعياً لتجربة روحانية في مكان رويت أحداثه في الكتاب المقدّس، أو للعودة إلى زمن بعيد وتأمل معالم التاريخ الكامنة في الموقع، أو حتى نيل المعمودية مثلما تعمّد يسوع في الزمن البعيد، كما يقع بتلك المنطقة موقع مجاور ذكر في الكتاب المقدس، وهو الكهف الذي لاذ إليه لوط وابنتاه.
مشاركة :