أمضيت وقتاً طويلاً خلال السنوات الماضية في السخرية من إيلون ماسك، وتشمل بعض الأشياء التي انتقدتها، مزاحه الطفولي، ومشاكساته الحمقاء، وحربه الساذجة على «وسائل الإعلام القديمة»، ونهجه السطحي لكيفية إدارة حرية التعبير في إطار عبر الإنترنت. يضاف إلى ذلك أنه خلال الأيام الماضية، قرر ماسك فجأة طرد فريق قسم «الشاحن الفائق» بأكمله في شركة السيارات الكهربائية «تسلا»، ولم تُنقل هذه الأنباء «إلا عبر بريد إلكتروني تم إرساله في منتصف الليل يبدأ بعبارة (عزيزي الموظف)، وفقاً لما ذكره أحد موظفيه الأعزاء (وهو موظف سابق حالياً). وتشبه هذه الرسالة البريد الإلكتروني المرسل لموظفي تويتر في عام 2022 في منتصف الليل، حينها أكد على ضرورة أن يكونوا «صارمين للغاية» ويعملوا «لساعات طويلة بكثافة عالية». وأضاف في المذكرة الأخيرة أنه يتعين على أي مدير «يبقي على أكثر من 3 موظفين لا يستوفون بوضوح معايير التميز والموثوقية» الاستقالة. لقد تعود كثير منا على الغلاظة والاستهتار في أسلوب إدارة ماسك، لكن أكثر ما استوقفني هذه المرة بعض التعليقات التي أعقبت أخبار التسريح. فقد لجأ البعض إلى المنتديات عبر الإنترنت للتعبير عن استيائهم من سلوكه المنفلت. وكتبت مراسلة شؤون التكنولوجيا لدى «سي إن بي سي»، لورا كولودني، عبر منصة التواصل الاجتماعي «ثريد»: بدأ الناس ينظرون بعين ناقدة لشركة تسلا وإيلون ماسك في الآونة الأخيرة.. والبعض يتصرف كما لو كانوا يعانون طوال الوقت من عقدة كاساندرا (وهي حالة عقلية نفسية تنتج عن تجاهل التحذيرات أو التنبؤات أو المخاوف الصحيحة). بينما علق باريس ماركس، مضيف برنامج «تك ونت سيف أص»، أثناء مشاركته تعليقات كولودني عبر منصة «إكس»: «أنا متفق تماماً مع هذا الرأي.. لقد كان إيلون ماسك مريعاً لمدة طويلة من الزمن». إن محاسبة أغنى وأقوى الشخصيات نفوذاً في العالم أمر بالغ الأهمية، وأنا، مثل هؤلاء الصحفيين، ملتزمة بالتعامل مع تجاوزات إيلون ماسك العديدة. وفي كل الأحوال يجري تصنيف أفعاله إما صالحة أو طالحة – فأنا أميل نحو الأولى عند رؤيته يلتقط الصور على السجادة الحمراء بشكل محبب، أو يتحدث بشغف عن مشاريعه، وأميل نحو الأخير في كل مرة أراه ينشر تعليقات مسيئة جديدة عبر منصة «إكس»، لكن هذا التصنيف يمكن أن يكون مضللاً وخطيراً. إنه ليس مريعاً صراحة كما يصوره منتقدوه؛ ولا ضمن الأبطال كما يظن معجبوه. والمضحك في الأمر هو أنه من خلال الإصرار على تصنيف الأبطال والأشرار، فإننا في الواقع مشاركون في نفس الإطار الأخلاقي مثل إيلون ماسك. ضمن هذا الإطار، فإن الأساليب المستخدمة – سواء كانت تتضمن الحكم على شخص ما بأنه ميؤوس منه لأن ثمة خطباً واضحاً في سياساته وسلوكه لدرجة أنه يتعين استبعاده، أو معاملة موظفيه بوصفهم تروساً في آلة يمكن التخلص منهم. ولم يكن مفاجئاً عندما أعرب ماسك عن إعجابه بحركة النفعية الجديدة والتي حظيت بشهرة بعدما روج لها مؤسس العملات المشفرة المسجون حالياً سام بانكمان فريد. وهي فلسفة تفترض أنه يتعين عليك فعل «أقصى ما يمكنك فعله» وتؤكد على أهمية النتائج التي تحققها أفعالك، بدلاً من ماهية تلك الأفعال في الحقيقة. فكل ما يهم هو النتائج. ومع أخذ هذه الرؤية العالمية في الحسبان، يمكن للمرء فهم لماذا ينظر ماسك، مثل غيره من المديرين الذين يعملون في وادي السيليكون، لموظفيه النابضين بالحياة على أنهم مجرد أعداد، وفقدان مصدر رزقهم هو مجرد «خفض للتكاليف». ومن الواضح أن دافعه الكبير -الطرق المختلفة التي يعتقد أنه ينقذ بها البشرية – أهم من أي موظف واحد (أو حتى الـ 14 ألف موظف)، بحيث يبرر أي معاملة لهم. لكن معرفة الخطأ والصواب ليس بسهولة وضع بعض الأرقام في جدول بيانات ورؤية المخرجات. فهو يتطلب مناقشة أخلاقية حقيقية حيال القيم التي نعطيها الأولوية. ويعلق إدوارد بروكس، مدير مبادرة «أكسفورد كراكتر بروجكت»، على الوضع الحالي لكثير من الخطابات العامة، قائلاً: «لدينا كل هذه الأسئلة الأخلاقية العميقة، ولكم ثمّة غياب حقيقي للنقاش الأخلاقي المناسب». وأضاف: «إنه مجرد نقاش يؤكد فيه طرف أن (هذا خطأ واضح)، بينما يؤكد الطرف الآخر (أن هذا صواب دون شك). لقد كتبت ذات مرة أن العالم لا يحتاج إلى المزيد من الأفراد مثل إيلون ماسك. ومع ذلك، فأنا لا أشعر بالثقة الكافية إزاء هذا الجدال مما اعتقدت سابقاً، فنحن بحاجة إلى المزيد من المجازفين والمبتكرين ومن هم على استعداد لتخطي الحدود. وربما يكون «إيلون ماسك» واحداً كافياً بالنظر إلى عيوبه، ومع ذلك، ما يمكن لنا جميعاً فعله هو تقدير أكبر لبعض الفروق الدقيقة في طريقة إدراكنا وحكمنا على تصرفات الآخرين. تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :