تاريخ العرب عند الرحالة النجدي عبد الله المغيرة

  • 4/15/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك شخصيات تلفت الانتباه، وتشد الباحث لمعرفتها، خصوصا أولئك الذين عرفوا بكثرة الأسفار والترحال، في وقت كانت الإبل فيه أهم وسائل النقل، ومن هذه الشخصيات الغريبة الرحالة النجدي الشيخ عبد الله بن عبد المحسن المغيرة، وقد ولد في بلدة أشيقر بالوشم عام 1274هــ كما تشير إحدى الوثائق، وهناك من يرى أن ولادته كانت قبل هذا التاريخ، ثم انتقل إلى الحجاز عام 1291هــ، ثم سافر بعدها إلى البصرة عام 1295هـ برفقة الأمير عبد الله بن عبد الله بن ثنيان، والد أحمد باشا، الذي أصبح مستشارا مقربا للملك عبد العزيز، ثم سافر المغيرة إلى الاستانة بتركيا مع ابن ثنيان أيام السلطان عبد الحميد الثاني، ودرس هناك ثم عمل في دار الضيافة بوظيفة مهماندار لمدة 12 عاما، ثم نقل إلى سورية مع حسين حلمي باشا عندما أرادوا تشكيل مصرفية الكرك، ثم ذهب مع الأمير عبد الله باشا بن ثنيان إلى جبل الدروز. يقول عبد الله المغيرة عن نفسه: "وتنقلت في بعض جهات من سورية.. ثم انتقلت إلى مصر، وذهبت إلى السودان مع شركة المباحث، ثم أتت أيام الحرب، فكنت في أثنائها أتنقل بين اليمن وعدن ومصر، ثم انقطعت بعد أيام الحرب في مصر للتأليف، فألفت تاريخ العرب القديم، وبعده تاريخ الفاطميين". السلطان عبدالحميد الثاني وقد كان المغيرة يتردد بين السعودية ومصر، والتقى الملك عبد العزيز عدة مرات، وأهدى إليه عددا من مؤلفاته، التي لا أعرف منها سوى المؤلفين السابقين. وقد توفي المغيرة في الطائف عام 1355هــ، وذكر في جريدة "أم القرى" الصادرة في 18/10/1355هــ أن عمره يناهز المائة عام، ووصف في الجريدة بالرحالة النجدي والعالم الفاضل. وقالت الجريدة في نعيه: "توفي في مدينة الطائف العالم الفاضل والرحالة النجدي الشهير الشيخ عبد الله بن المغيرة، عن عمر يناهز المائة، قضى شطرا منه في الأستانة ملازما بعض أصدقائه المنفيين هناك. وأقام "كذا" برحلات متعددة في الشرق والغرب، وله مؤلفات خطية قيمة تبحث في التاريخ العام والخاص، أهدى أكثرها إلى جلالة الملك المعظم، وقد أصيب بمرض في آخر أيامه ولكنه ظل محافظا على حواسه وتفكيره، فإذا زاره زائر اعتدل، وتنقل معه في مختلف فنون الحديث.. وهو مع الأسف لم يخلف أبناء". واستبعد أن يكون قارب المائة، وحسب الوثيقة التي اعتمدتها، وهي دقيقة في معلوماتها، فإن عمره عند وفاته 81 سنة، وهذا أقرب للصواب، وهناك من ذكر ولادته سنة 1260هــ. خبر وفاة المغيرة في أم القرى. وقد تحدث الشيخ حمد الجاسر ـــ رحمه الله ـــ عن المؤلف، وذكر أنه التقى به في مكة عام 1353هــ، كما تحدث عنه الشيخ محمد نصيف ـــ رحمه الله ـــ وذكر أنه يعرفه، وأنه أتى إلى مدينة جدة والتقى الملك عبد العزيز، وذكر أن له نشاطا علميا وإداريا. ثقافته واتجاهاته الفكرية: تختلف ثقافة الشيخ المغيرة عن غالبية معاصريه من أبناء منطقته والمناطق المجاورة، وذلك بحكم دراسته في تركيا، وتعدد أسفاره ورحلاته، واطلاعه على أفكار متعددة، وآراء مختلفة. وكان على معرفة باللغة التركية، وربما لغات أخرى غيرها، كما كان شاعرا جيدا وله قصيدة في مدح سلطان لحج أحمد فضل محسن (ت1332هــ) عندما زاره ومطلعها: لا تجار العذول مهما تقول إنني عن هواك لم أتحول يا غزالا يرعى السويداء مهلا فارع عهدي وبالفؤاد تمهل والقصيدة منشورة في كتاب "هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن"، من تأليف حمد فضل بن علي محسن العبدلي. ورغم أن الشيخ عبد الله المغيرة عاش في تركيا سنوات طويلة، إلا أننا وجدنا وثيقة عثمانية تشير إلى أنه كان مناوئا لها، تقول الوثيقة إنه "كان يعمل مع أمير دارين محمد على قيام أهل نجد بالتمرد ضد الدولة العثمانية، وكان متأثرا بكتاب عبد الرحمن الكواكبي "طبائع الاستبداد" وهو ـــ أي المغيرة ـــ نجدي الأصل، وكان مقيما في مصر، وبموجب الخطاب الذي بعثه الممثل فوق العادة للدولة العثمانية في مصر إلى الباب العالي في 25 ذي الحجة 1320هــ، فإن عبد الله المغيرة كان يملك في حوزته عدد 100 من كتاب "طبائع الاستبداد" أثناء توجهه من طالب أزهري إلى جيبوتي ثم إلى مسقط، ليجتمع بأمير دارين، وينطلق من هناك إلى الأحساء والقطيف ومن ثم إلى الكويت لتوزيع الكتاب على الأهالي بغية التمرد على الدولة العثمانية". مؤلفاته: اطلعت عند الدكتور البحاثة عبد الله المنيف على المخطوطة الأصلية من كتاب "تاريخ العرب القديم"، وهو كتاب يبحث كما ذكر مؤلفه في أصل العرب القديم وتاريخ دولهم القديمة قبل الإسلام، وتقع مخطوطة كتاب "تاريخ العرب القديم" التي بين أيدينا في 422 صفحة، وكتبت بخط نسخي واضح وجميل يبدو أنه خط المؤلف. ويذكر الشيخ حمد الجاسر أن المؤلف قدم للملك عبد العزيز كتابه في "تاريخ العرب" وأنه أطلع على هذا الكتاب عام 1378هــ، لدى الشيخ عبد الله بلخير. تاريخ الفاطميين الصفحة الأخيرة. وهناك نسخة أخرى من هذا الكتاب في مكتبة البصرة للمخطوطات لكن يبدو أنها احترقت أو ضاعت أثناء الاحتلال الأمريكي للعراق، وقد اتصل الدكتور عبد الله المنيف بأسامة النقشبندي مدير المخطوطات بدار صدام للسؤال عن مصير هذه المخطوطة، فأخبره أنهم لا يعرفون شيئا عن مصير هذه المخطوطة، وغيرها من المخطوطات المحفوظة في مكتبة البصرة، التي أصابها جانب من العدوان والسلب والنهب. أما مضمون الكتاب فيبحث كما أشار مؤلفه في أصل العرب القديم وتاريخ دولهم القديمة من قبل ثلاثة آلاف ومائة وواحد وثلاثين سنة قبل الهجرة ولسنة ألفين وخمسمائة قبل الميلاد إلى ظهور الإسلام، ويدخل في ذلك تاريخ دول العمالقة في بابل ومصر، والنبط في بصرى وتدمر، وتاريخ العرب في الجنوب في اليمن، ودولها المعينية والسبأية والحميرية، وتمدنهم في مأرب وظفار وحضرموت، وأخبار عرب الشمال قضاعة واللخميين في الحيرة، والغساسنة في الشام وحروبهم، وأيام العرب وتاريخ المدينة المنورة، ومكة المكرمة. والكتاب كما يذكر الدكتور المنيف كتاب قيم مفيد غزير الفوائد، يدل على سعة اطلاع مؤلفه وعمق ثقافته وشموليتها. أما الشيخ حمد الجاسر فيذكر أن أغلب مباحثه مستقاة من بعض المؤلفات الحديثة ككتاب جرجي زيدان "تاريخ العرب قبل الإسلام". تاريخ الدولة الفاطمية: وللمؤلف كتاب آخر لا يزال مخطوطا اسمه "تاريخ الدولة الفاطمية" ألفه عندما كان في مصر. ويوجد في جامعة الإمام نسخة من هذا المخطوط ضمن مكتبة الأمير عبد الله بن عبد الرحمن، التي أهديت إلى جامعة الإمام. وتقع المخطوطة في 316 صفحة، و158 ورقة، وقد نسخها بمصر أحمد عبد المنعم فؤاد عام 1350هــ. وفي تعريف عمادة شؤون المكتبات في جامعة الإمام بهذه المخطوطة جاء: "كتاب جمعه من مصادر تاريخية كالكامل لابن الأثير، وخطط المقريزي، والنجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة لابن تغري بردي، وتاريخ عطا، وتاريخ اليمن لعمارة الحكمي اليمني، ومن مجلات تركية وألمانية وفرنسية قديمة، ومن المقتطف والهلال وغيرها".

مشاركة :