يبدو أن الأمر بات أكثر جدية بشأن مواجهة «سفينة الصحراء» لبرمودا فايروس «كورونا»، الذي ربما يلتهم كل جميل فعله طوال التاريخ البشري في أعماقه، ليرتبط بعد ذلك أي «طارئ» للإبل بذلك الفايروس ذي الشفرة السرية المعقدة التي واجه الأطباء في العالم صعوبة فائقة في تفكيكها حتى الآن. الكثير من العرب الذين يعتزون بالإبل كرمز ثقاقي يكنون له جميل معاونته لهم كوسيلة عظيمة للنقل خلال رحلات الشتاء والصيف عبر القفار الهالكة، أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه تجاه علاقتهم الحالية بنوقهم الثمينة النفيسة، ذات الأعين البريئة، والتضاريس الجسمية المميزة والفاتنة أحيانا، التي تجلي عنهم الهم والحزن كما يقول أبوالطيب المتنبي: «لا أبغض العيس لكني وقيت بها ** قلبي من الحزن أو جسمي من السقم»، ففي مطلع يونيو 2014 ظهر خيط يحمل دليلا على انتقال الفايروس المعتم من الجمال إلى البشر، إذ توفي أربعيني سعودي بعدما كان يعالج جماله المريضة في الأنف بفترة قصيرة. وفي الخرج الواقعة وسط السعودية بنجد حيث المناطق الصحراوية الشاسعة التي تشكل بيداؤها عشقا أبديا للإبل وملاكها، والتي وصف فيها الأعشى بن قيس حال ناقته عند زيارتها قائلا: «تجانف عن جل اليمامة ناقتي ** وما قصدت من أهلها لسوائكا ** فلما أتت آطام جو وأهله ** أناخت وألقت رحلها بفنائكا». وأعلنت وزارة الصحة السعودية بنهاية أبريل من العام الجاري تسجيل إصابة جديدة بالفايروس لمواطن يبلغ من العمر 47 عاما.لكن السهام التي أوقعت بسنام الإبل في السعودية عبر تأكيد علاقتها بالفايروس تكمن في تصريحات صدرت من وزارة الصحة، إذ أوضح وكيل وزارة الصحة للصحة العامة رئيس مركز القيادة والتحكم الدكتور عبدالعزيز بن سعيد في وقت سابق، عن عزل فايروس كورونا من الإبل في خمس مناطق وهي: القصيم، جدة، بيشة، المدينة المنورة والرياض، ما يعني زيادة انتشار الفايروس بين الإبل، كما لفتت «الصحة» إلى أنه بلغ إجمالي حالات الإصابة منذ 1433هـ 1286، شفيت منها 733، فيما توفيت 551 حالة، ولا تزال هناك نحو ست إصابات تحت العلاج في المستشفيات المخصصة لكورونا. «الإنسان العربي الأصيل مثل بعيره العربي الأصيل يمتلك كل منهما صفات ومميزات كثيرة مشتركة خاصة بهما» ذلك ما يؤكده المتخصص في علم فلسفة الحيوان الدكتور عبدالرحمن الهواوي، إذ يرى أن الإبل العربية ارتبطت منذ مئات السنين بحياة الإنسان العربي وبيئته وتاريخه، كما أن عرب الجزيرة العربية لهم السبق في استئناس الإبل دون غيرهم من الأمم الأخرى، حتى أصبحت مرتبطة ومتزامنة مع وجود العربي ذاته، ويقول خلال حديثه إلى «عكاظ» إنه لا يخشى أن تتأثر علاقة الإنسان العربي بالإبل وذلك كونها جزءا كبيرا من تاريخه وتراثه. مبرئا ساحتها من تورطها في تفشي «كورونا»، لا سيما أنه لم يذكر خلال التاريخ تسببها في نشر الأمراض والفايروسات. غيمة الحزن تزداد سوادا واتساعا على الكثير من عشاق «طفحان اللحى» و«وفا السبال» التي ولدت في القارة الأمريكية الشمالية خلال الأحقاب الجيولوجية، وذلك كلما أدانت المعلومات الصادرة من المعامل والمختبرات الطبية تورط الإبل بتفشي «كورونا»، إلا أن أبا خالد وهو شاب ثلاثيني من هجرة الدلم التي تقع جنوب الخرج بمسافة تصل إلى 20 كيلومترا، لا تمنعه أي مخاوف من التلذذ بشرب حليب الإبل الطازج فور حلبه من ثدي الناقة، لكنه يبرر ذلك بمعرفته وخبرته بالإبل المريضة من غيرها، والبحث عن تلك الجيدة التي تتواجد في مناطق وبيئات نظيفة، ويقول: أمضي متجولا بين الجمال ساعات طويلة، حتى أجد الأفضل بينها لكي أشرب من حليبها».
مشاركة :