نبّه د. عيسى يحيى شريف إلى خطورة الظلم وما له من عواقب وخيمَةٌ وآثارٌ شَنِيعة، مُشدداً على أنه لا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ للظالم. وقال في خطبة الجُمعة التي ألقاها أمس بمسجد علي بن أبي طالب بالوكرة إنه ثبَتَ في صَحيح مسلمٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يَروِيه عن ربِّه جلَّ وعلا في الحديث القدسيِّ أنَّ الله جلَّ وعلا يقول: (يا عِبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينَكم محرَّماً فلا تَظَالموا) النهي عن الظلم وأشار خطيب مسجد علي بن أبي طالب إلى أنّ الله تبارك وتعالى حرّم الظلم على نفسه، كما دلّ على ذلك كثيرٌ من الأحاديث، وكذلك الآيات القرآنية ومن بينها قوله تعالى، (وما ربّك بظلّام للعبيد)، (وما الله يريد ظلماً للعالمين)، وقوله سبحانه (ولا يظلم ربك أحداً)، وغير ذلك من النصوص الكثيرة، وأضاف: لقد حرّم الله تبارك وتعالى الظلم على العباد، فنهاهم عن الظلم بكافة صوره، سواء في الاعتقاد أو في القول أو في الفعل، كما حرّم عليهم أن يقعوا في الظلم بينهم وبين ربهم فيعبدون غيره وهو الذي خلقهم، حيث قال سبحانه (إن الشرك لظلم عظيم)، كما قال عزّ وجلّ (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بآياته إنه لا يفلح الظالمون). وقال د. عيسى إن الخطاب في الآية الكريمة يتَوَجّه إلى البشَريّة جمعاء بمُختلف مناصبهم ووظائفهم، فهو تَوجيهٌ ربَّاني يحذِّر فيه الربّ جلَّ وعلا خلقَه من الظلم، ومن أن يأكلَ قويُّهم ضعيفَهم ويعتَدي كبيرُهم على صغيرهم. توجيهُ إِلَهيٌّ وأشار إلى أنه توجيهٌ إِلَهيٌّ ينبِّه العقلَ أن يزلَّ به الهوَى فيَقَع في الظلم على الضّعَفَاء. كما أنه وصيةٌ من البارِي جلّ وعلا يسوقها رسولُه المجتبَى ليتحاشَى الخلقُ كلُّهم الظلمَ والعدوانَ والطّغيان، ويتجنَّبوا ظلمَ العباد والتعدِّي على حقوقهم والتَّجنّي على مقدَّراتهم والاعتداء على أنفسِهم وأموالهم وأعراضِهم. ونبّه إلى أن الظلمَ عاقِبَتُه وخيمَةٌ وآثارُه شَنِيعة، بينما عاقبة العدلِ كريمة"، مشيراً إلى أن العلم والعَدل، أصلُ كلِّ خيرٍ، والجهل والظلم أصلُ كلِّ شرٍّ، مدللاً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (الظلم ظلمات يوم القيامة) وتابع د. عيسى: إن الله تبارك وتعالى يخبر عباده بأن أمامهم يوماً يقتص فيه من الظالم للمظلوم، حيث قال تعالى: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)، وقال سبحانه (اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب). وأكد أنه لا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ للظالم، ولا استقرارَ، وفي الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب). وزاد بالقول: يقولُ ربنا جلّ وعَلا: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، ويَقول عزّ شأنُه: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، مُشدداً على أنه لا بقاءَ لقِوَى الظلم والطغيان، ولا سُلطانَ لها يَدوم على مدَى الأزمان. الظلم والطغيان وخاطب د. عيسى كل نفس بشرية قائلاً: مِن مُنطلَق الحقِّ نَدعُو ومِن مَبَادِئ العدلِ والإنصافِ ننادي: إلى مَتى يَعيش العالَم تحتَ ظلمِ القوِيِّ وبَغيِ المعتَدِي؟! ودعا إلى الاستماع إلى قولِ الخالق عمّا يقوله في حقّ الظالم فرعون: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)، كما قال سبحانه (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا)، وقال أيضاً (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا)، ويقول سبحانَه في شأنِ الظالمِين: (وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ). واستشهد د. عيسى بالحديث الذي أخرجَه البخاريّ، عنِ النّبيِّ أنّه قالَ: (مَن كانَت له مَظلَمةٌ لأخيهِ مِن عِرضِه أو شَيءٍ فليتحلّله منه اليومَ قبل أن لا يكونَ دِرهمٌ ولا دِينار، إن كان له عَمَلٌ صالح أُخِذ منه بقدرِ مظلمته، وإن لم تَكن له حسنات أخِذَ من سيّئات صاحبه فحُمِل عليه). أعظمِ الظلم وحذّر الخطيب من أن أعظمِ الظلم وأقبَحِ المعاصي هو التطاوُلُ على أموالِ اليتامى والاعتداءُ على حقوقِهم، مدللاً على ذلك بقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً). واستعرض الخطيب عدداً من صور الظلم، فأشار إلى أنه مِن الظلمِ العظيمِ الاعتداءُ على حقوق الآخَرين في غَيبَتِهم وفي حَضرَتهم، مُستشهداً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مَن اقتَطَع أَرضاً ظلماً لقِيَ الله وهو عليه غَضبان)، رواه مسلم. وقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منَعوا الحقَّ حتى اشتُرِي، وبَسَطوا الجورَ حتى افتُدِي). ونوّه إلى أن مِن الظّلمِ الواضِحِ الذي يَقَع فيه بَعضُ الناسِ ظلمُ الأجَرَاء والمستَخدَمين من عمّالٍ ونحوِهم ببخسِهِم حقوقَهم أو تأخيرها عن أوقاتها أو إِهانَتِهم بقولٍ أو فعل، في صحيحِ البخاريّ أنَّ النبي، قال: (ثلاثةٌ أنا خَصمُهُم يَومَ القيامة)، وذكر مِنهم: (ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستَوفى مِنه ولم يعطِهِ أجرَه)، وفي الحديث أيضاً أنَّ رسولَ الله قال: (إنَّ الله يعَذِّب الذين يعذِّبون الناسَ في الدّنيا) رواه مسلم. وشدّد الخطيب على ضرورة الحذر من الظلم بكل أنواعه وصوره، داعياً إلى الإنصات إلى التوجيهات النبوية، ومنها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً قالوا علمنا نصر المظلوم، فكيف ننصر الظالم، قال أن تأخذوا على يده وأن تمنعوه من الظلم وأن تأطروه على الحق أطراً).
مشاركة :