دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يلعب الحقل المغناطيسي للأرض دورًا رئيسيًا بجعل كوكبنا صالحًا للسكن، وتحمي الفقاعة الواقية الموجودة فوق الغلاف الجوي الكوكب من الإشعاع الشمسي، والرياح، والأشعة الكونية، والتقلبات الشديدة في درجات الحرارة. رغم ذلك، انهار الحقل المغناطيسي للأرض تقريبًا قبل 591 مليون سنة، ومن المفارقة أنّ هذا التغيير ربما لعب دورًا محوريًا في ازدهار الحياة المعقّدة، وفق ما توصّلت إليه دراسة جديدة. وقال جون تاردونو، أستاذ الجيوفيزياء في جامعة روتشستر بمدينة نيويورك الأمريكية، والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة إنه "بشكل عام، الحقل وقائي. لو لم يكن لدينا حقل في وقت مبكر من تاريخ الأرض، لكان قد تم تجريد الماء من الكوكب بواسطة الرياح الشمسية (تيار من الجزيئات النشطة التي تتدفق من الشمس نحو الأرض)". قد يهمك أيضاً تفاصيل أقوى عاصفة مغناطيسية شهدتها الأرض منذ 21 سنة وما تسببت به.. مركز الفلك يوضح وأوضح أنه في العصر الإدياكاري، كانت لدينا فترة رائعة من التطور في أعماق الأرض عندما أصبحت العمليات التي تخلق الحقل المغناطيسي.. غير فعالة للغاية بعد مليارات السنين، لدرجة أنّ الحقل انهار بالكامل تقريبًا". وجدت الدراسة، التي نُشرت في مجلة "Communications Earth & Environment" أنّ "الحقل المغناطيسي للأرض، الناشئ عن حركة الحديد المنصهر في اللب الخارجي للأرض، كان أضعف بكثير من قوته الحالية لفترة لا تقل عن 26 مليون سنة. كما ساعد اكتشاف الضعف المستمر للمجال المغناطيسي للأرض بحل لغز جيولوجي دائم حول متى تشكّل اللب الداخلي الصلب للأرض". يتماشى هذا الإطار الزمني مع فترة تُعرف باسم العصر الإدياكاري، عندما ظهرت أولى الحيوانات المعقدة في قاع البحر مع زيادة نسبة الأكسجين بالغلاف الجوي والمحيطات. وهذه الحيوانات الغريبة بالكاد تشبه أي ما نراه عصرنا الحالي، ومنها التي تأتي على شكل المراوح الاسكواشية، والأنابيب والدوناتس، والأقراص مثل ديكنسونيا، التي يصل حجمها إلى 4.6 قدم (1.4 متر)، وحيوان كيمبريلا الذي يشبه البزاق. قبل هذا الوقت، كانت الحياة إلى حد كبير أحادية الخلية ومجهرية. ويعتقد الباحثون أنّ الحقل المغناطيسي الضعيف ربما أدى إلى زيادة الأكسجين في الغلاف الجوي، ما سمح بتطور الحياة المعقدة المبكرة. تظهر صورة أحفورة ديكنسونيا كوستاتا عمرها 560 مليون سنة،عثر عليها في جنوب أستراليا. ويبلغ طول الكائن أكثر من متر، ويُعد أكبر حيوان معروف في تلك الفترة. Credit: Shuhai Xiao/Virginia Tech الكشف عن الانهيار الوشيك للمجال المغناطيس ومن المعلوم أنّ شدة المجال المغناطيسي للأرض تتقلب مع مرور الوقت، وتحتوي البلورات المحفوظة في الصخور على جزيئات مغناطيسية صغيرة محبوسة في سجل شدة المجال المغناطيسي للأرض. الدليل الأول على أنّ المجال المغناطيسي للأرض ضعف بشكل كبير خلال تلك الحقبة، كشفته دراسة أجريت في عام 2019، على صخور عمرها 565 مليون عام في كيبيك، حيث أشارت إلى أنّ المجال المغناطيسي كان أضعف بعشر مرات ممّا هو عليه اليوم، في تلك المرحلة. وجمعت الدراسة الأخيرة المزيد من الأدلة الجيولوجية التي تُوضح ضعف المجال المغناطيسي بشكل كبير، إذ بيّنت المعلومات الواردة في صخرة عمرها 591 مليون عام من موقع في جنوب البرازيل، أنّ المجال المغناطيسي كان أضعف بـ30 مرة ممّا هو عليه اليوم. قد يهمك أيضاً في باطن الأرض أجزاء من كوكب آخر مفقود ربما.. ما علاقتها بنشأة القمر؟ لم يكن المجال المغناطيسي الضعيف على هذا النحو دومًا: فقد فحص الفريق صخورًا مماثلة من جنوب إفريقيا، يعود تاريخها إلى أكثر من ملياري عام، ووجدوا، أنّ المجال المغناطيسي للأرض في تلك الحقبة كان قويًا كما هو اليوم. وأوضح تاردونو أنه خلافًا للوضع الحالي، كان الجزء الأعمق من الأرض في تلك المرحلة سائلًا، وليس صلبًا، ما يؤثر على الطريقة التي يتم بها توليد المجال المغناطيسي. وقال: "على مدى مليارات السنين، أصبحت هذه العملية أقل كفاءة". وتابع: "بحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى عصر الإدياكارا، كان الحقل في مراحله الأخيرة، على وشك الانهيار. لكن لحسن الحظ بالنسبة لنا، أصبح الجو باردًا بدرجة كافية حتى بدأ اللب الداخلي في التوليد (تقوية المجال المغناطيسي)". يرتبط ظهور أقدم أشكال الحياة المعقدة التي كانت تطفو على طول قاع البحر في هذه الحقبة بارتفاع مستويات الأكسجين. وأشار تاردونو إلى أنّ بعض الحيوانات يمكنها البقاء على قيد الحياة عند مستويات منخفضة من الأكسجين، مثل الإسفنج والحيوانات المجهرية، لكن الحيوانات الأكبر حجمًا ذات الأجسام الأكثر تعقيدًا التي تتحرك تحتاج إلى المزيد من الأكسجين. وأوضح المؤلف المشارك في الدراسة شوهاي شياو، أستاذ علم الأحياء الجيولوجية في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، أنه تقليديا، يُعزى ارتفاع الأكسجين خلال هذا المرحلة إلى كائنات التمثيل الضوئي مثل البكتيريا الزرقاء، التي أنتجت الأكسجين، ما سمح له بالتراكم في الماء بشكل مطرد مع مرور الوقت. ولكن، توصل البحث الجديد إلى فرضية بديلة أو تكميلية تتضمن زيادة بفقدان الهيدروجين للمباعدة عندما يكون المجال المغناطيسي للأرض ضعيفًا. قد يهمك أيضاً يعبث بالتوقيت العالمي وطبيعة دوران الأرض.. دراسة حالية تكشف أثر ذوبان الجليد وأضاف شياو في حديثه مع CNN، أنّ "الغلاف المغناطيسي يحمي الأرض من الرياح الشمسية، وبالتالي يحافظ على الغلاف الجوي ملتصقًا بالأرض. وبالتالي، فإن الغلاف المغناطيسي الأضعف يعني فقدان الغازات الأخف مثل الهيدروجين من الغلاف الجوي للأرض". ولفت تاردونو إلى أنه من الممكن حدوث عمليات متعددة في وقت واحد. ورأى أنه "نحن لا نعارض أن واحدة أو أكثر من هذه العمليات كانت تحدث بشكل متزامن. لكن المجال الضعيف ربما سمح للأكسجين بتجاوز العتبة، ما ساعد على تطوير الإشعاع الحيواني". وقال بيتر دريسكول، العالم في مختبر الأرض والكواكب بمعهد كارنيغي للعلوم في واشنطن العاصمة بأمريكا، غير المشارك في الدراسة، إنه يوافق مع نتائج الدراسة بشأن ضعف المجال المغناطيسي للأرض، لكن الادّعاء بأن المجال المغناطيسي الضعيف قد يؤثر على الأكسجين في الغلاف الجوي والتطور البيولوجي، كان من الصعب تقييمه. وأشار في حديثه مع CNN إلى أنه "من الصعب بالنسبة لي تقييم صحة هذا الادعاء لأن التأثير الذي قد تحدثه المجالات المغناطيسية الكوكبية على المناخ ليس مفهوما جيدا". وأوضح تاردونو أنّ فرضيتهم كانت "صلبة"، لكن إثبات العلاقة السببية قد يستغرق عقودًا من العمل الصعب نظرًا لقلة المعلومات المعروفة عن الحيوانات التي عاشت في ذلك العصر. عثر على أحفورة عمرها 565 مليون سنة لحيوان من العصر الإدياكاري، يُدعى Fractofusus Misrai، في تكوين النقطة الخاطئة بنيوفاوندلاند، كندا. Credit: Shuhai Xiao/Virginia Tech سرّ الجوهر الداخلي وكشف التحليل الجيولوجي أيضًا عن تفاصيل مهمة حول الجزء الأعمق من مركز الأرض. تتراوح التقديرات حول الوقت الذي قد يكون فيه اللب الداخلي للكوكب قد تصلب، عندما تبلور الحديد لأول مرة في مركز الكوكب، بين 500 مليون و2.5 مليار سنة مضت. وتشير الأبحاث التي أجريت حول شدة المجال المغناطيسي للأرض إلى أن عمر النواة الداخلية للأرض يقع في الطرف الأحدث من هذا المقياس الزمني، حيث تصلب بعد 565 مليون سنة مضت، ما سمح للدرع المغناطيسي للأرض بالارتداد مرة أخرى. وقال دريسكول: "يبدو أن الملاحظات تدعم الادعاء بأن النواة الداخلية تكوّنت لأول مرة بعد فترة وجيزة من هذا الوقت، ما دفع الجيودينامو (الآلية التي تخلق المجال المغناطيسي) من حالة ضعيفة وغير مستقرة إلى مجال ثنائي القطب قوي ومستقر". وقال تاردونو إن استعادة قوة المجال بعد العصر الإدياكاري، مع نمو اللب الداخلي، ربما كان مهمًا في منع جفاف الأرض الغنية بالمياه. أما بالنسبة للحيوانات الغريبة في العصر الإدياكاري، فقد اختفت جميعها بحلول العصر الكامبري التالي، عندما انفجر تنوع الحياة وتشكلت فروع شجرة الحياة المألوفة اليوم في وقت قصير نسبيًا.
مشاركة :