عندما تلتقي بالشاعر المصري حسن شهاب الدين، فأنت أمام شاعر من نوع مختلف ومتميز، صادق المشاعر في الحديث الثقافي، وأكثر عن عالم الشعر، هادئ للغاية في حديثه ولكنه يتخلى عن هدوئه حين يتحدث عن الشعر، يجذبك وهو يلقي شعره، شاعر يفتخر بأن له علاقة خاصة بالمملكة وشعراءها، يتحدث لـ»الرياض» عن زياراته للمملكة وعلاقته بالشعراء، وافتتانه بالشعر وعالم الشعر. هل يحق للشاعر الحديث بالنيابة عن الجميع؟ نعم، يحق للشاعر ذلك ولكن شريطة أن يكون على قدر مسؤولية الكلمة وأن يكون قادرا على تشكيل وجدان القارئ ولا يتأتى ذلك إلا للشاعر الجاد ذي الخلفية الثقافية الكبيرة والوعي الحاد بدوره في العالم فيصبح حينئذ الواحد / الجميع، أو كما سميته من قبل في عنوان إحدى قصائدي (كم أنت.. يا وحدك) وذلك هو الشاعر الذي تصبح قصيدته لسان الجميع ويحق له التحدث باسمهم. تشهد المجالات الثقافية تطوراً لافتاً في المملكة، كيف رأيته؟ دعني أغيِّر قليلا من السؤال لأقول: إن المملكة تشهد تطورا في كل المجالات بشكل عام ومن ضمنها المجالات الثقافية وهذا واضح على الصعد كافة، ولذا فإن التطور الثقافي الذي تشهده المملكة هو ثمرة ذلك التطور الهائل والنقلة الكبيرة التي تشهدها المملكة وأتوقع لهذا التطور أن يصبح نهضة شاملة تغير شكل منطقة الخليج العربي وتغير معها نظرة العالم. كانت لك زيارات إلى المملكة، حدثنا عنها، وما بقي منها في ذاكرتك؟ نعم، بفضل الله تعالى أنا دائم الزيارة للمملكة، وقد تنوعت أماكن زيارتي ووقفت على منابر الشعر الكبرى في أكثر مناطقها، وما يلفت الانتباه أنك في كل زيارة تخرج بانطباع جديد عن هذه النهضة التي تحدثنا عنها في السؤال السابق، وبالطبع كما يقول المثل العربي: ليس من رأى كمن سمع؛ لذا فإن زائر المملكة يلمس آثار هذه النهضة ويعيشها في كل مجالاتها ويراها متجسدة. هل علاقتك مع الشعراء السعوديين شعرية فقط؟ الحقيقة إن علاقتي مع الشعراء في المملكة هي علاقة صداقة وشعر واطلاع على التجارب الإبداعية الجديدة، كما أنني ربما كانت علاقتي أكثر حميمية، حيث تم نشر الكثير من أعمالي في المملكة مثل ديوان واحد بأسره وديوان متهم بخداع العالم وديوان كأول شاعر في الأرض وهي التجربة التي تُوجت بنشر أعمالي الشعرية الكاملة. حدثنا عن الحركة الشعرية في مصر والمملكة؟ الحركة الشعرية في مصر والمملكة تشهدان قفزة إبداعية ملحوظة ولعل الشاعر المعاصر يشهد من الأحداث العالمية ما يجعله مهيأ دائماً للإبداع، محاولاً قراءة الأحداث وتشكيل الرأي العام للقارئ، وأظن أن شعراء مصر والمملكة وشعراء العرب الجادين يقومون بهذا الدور خير قيام. * هل للمشاركات في مسابقة الجوائز الأدبية تأثير إيجابي على الشاعر؟ أظن أن لها تأثيراً إيجابياً ولو على مستوى التنافس الجاد لأنه أولاً وأخيراً لن يبقى إلا الشعر الجاد المستحق للبقاء. تزايد أعداد الشعراء هل تراه حالة إيجابية؟ أنا -وربما على خلاف ما تتوقع- أشعر بسعادة عند قراءة وصف شاعر لأحد ما، وكلما كثر عدد الشعراء كلما شعرت أن مساحة الجمال تزيد على الأرض وهي حالة إيجابية بالتأكيد، ومما لا شك فيه أن مصفاة الزمن ستختار الأصلح للخلود، ولكن هذا لا يمنع أن نأمل أن يتزايد الشعراء لتكون كل قصيدة زهرة جميلة تعطر العالم بالجمال والسلام. هناك شكوك تحوم حول فوز بعض الشعراء، كيف تراه؟ تلك طبيعة التنافس لأن كل شاعر يتمنى أن يكون هو الفائز وكل شاعر يرى نصه جديراً بالجائزة، ولكن أظن ذلك رد فعل سريع للنتيجة وسرعان ما يتقبل الشاعر النتيجة وربما مع مرور الزمن يدرك أن الآخر كان الأجدر بالفوز. تقف في صف متقدم ةلقصيدة العمودية الحديثة.حدثنا عنه اسمح لي أن أرد بنص قصير على هذا السؤال يحمل رؤيتي للشعر وأنه أكبر من أن يقيده شكل ما: الشِّعْر.. اكْتُبْه هَايْكُو أو مُعلَّقةً لها سبعونَ بيتًا أو رُباعيَّاتِ اكْتُبْه حُرًّا أو على ( مُتفاعلنْ فعلنْ..) أوِ انْثُرْه على الصفحاتِ اكْتُبْه فُصْحَى أو بلثغةِ طفلةٍ وَ بغيرِ نَحْوٍ أو بلا كلماتِ الشِّعْرُ مِرْآةٌ بعدَّةِ أوجهٍ والسِّرُّ خلفَ زُجاجةِ المِرْآةِ. القارئ لشعرك يكاد يكتشف صعودك سلّمه دون تدرّج، هل تتفق؟ بالتأكيد لكل شاعر محاولات أولى ولكن هذه المحاولات تتوقف على خلفية الشاعر الثقافية التي اقتحم بها المشهد الشعري، وربما لهذا بفضل الله تعالى اختصرت كثيراً من المراحل التي يمر بها الشعراء، حيث يتعثرون قليلاً هنا وهناك محاولة منهم لإيجاد أسلوب خاص يميزهم، لذا فقد فوجئت أنا نفسي بنصي الذي أكتبه في بدايتي، وتزداد الدهشة عندما يتم اختيار نصك الثاني أو الثالث الذي تخطه لتمثل به بلدك في محفل دولي كبير ثم تتوالى النجاحات بفضل الله تعالى. هل تعتقد أن التجربة الشعرية العربية تجربة ناهضة؟ نعم، هي ناهضة ومتشعبة، وهذا ما يضفي إليها جمالاً، لأن في تعدد التجارب إثراء للشعر، على الرغم من أنني مضطر أن أكرر أن التجارب الجادة فقط هي التي تستحق البقاء ولكن تلك الروافد الأخرى والجداول الصغيرة تمنح النهر الكبير تياراً متجددًا وتضيف إلى مائه مذاقاً عذباً. تم الاحتفاء بتجربتك الشعرية في المملكة وأصدرت «أدب» بإصدار أعمالك الشعرية، صف لنا شعورك؟ الأعمال الشعرية محطة مهمة، لأن دواويني الشعرية قد احتفت بها العديد من دور النشر الكبرى في العالم العربي، لذا فقد كان أمراً أكثر من رائع أن تقوم مؤسسة رائدة وعريقة مثل مؤسسة أدب بجمع شمل عائلتي الشعرية في مجلدين يضمان بين جناحيهما إصداراتي السابقة، وبذلك صار سهلاً على الناقد والقارئ العربي في أية بقعة من المحيط إلى الخليج أن يقتني أعمالي وهو الأمر الذي لم يكن ميسوراً من قبل لاتساع رقعة الجغرافيا في نشر دواويني السابقة من المملكة إلى بيروت ومن القاهرة إلى الإمارات وبغداد وغير ذلك. ماذا يعني لك الشعر بعد هذه السنوات؟ ومتى تتوقف؟ بعد هذه السنوات اكتشفت أن الشعر هو نافذتي التي أطل بها على العالم واكتشفت زيف كثير مما في الحياة ليظل صدق الشعر هو طوق نجاتي وكما قلت في مقدمة مختاراتي الشعرية (أشجار هاربة من الغرفة) ما كان شِعْرًا.. كان حبلَ نجاةِ احتجتُ - كي أتنفَّسَ - الكلماتِ وأما النجاحات فهي ليست غاية في حد ذاتها هي بفضل الله تعالى تصفيقة إعجاب وأنا بها سعيد، ولكن يظل هدفي كتابة نص حديث يعيد تشكيل العالم ويصل إلى قلب كل قارئ. وتوقفي عن كتابة الشعر مشروط بتوقف الشمس عن بث الضياء في هذا العالم. حوار - حسين السنونة
مشاركة :