بيروت - بات مصير مهرجانات الصيف الفنية في لبنان على المحك مع اقتراب الموعد المعتاد للإعلان عن برامجها في ظل استمرار حرب غزة والمواجهات في جنوب لبنان، إذ أعلنت مهرجانات بيت الدين الدولية الأربعاء "تعليق" دورتها هذه السنة، في حين تريثت نظيرتها في بعلبك في حسم قرارها، وأكّد منظّمو مهرجانات بيبلوس المضيّ في نشاطهم ما لم "تطرأ ظروف" مانعة. وقالت رئيسة لجنة مهرجانات بيت الدين نورا جنبلاط في بيان "في وقت يمرّ جنوب لبنان وأهله بأوقات عصيبة وقاسية، وتعيش فلسطين حالة إبادة جماعية متواصلة على مرأى العالم وصمته، فإنّ مهرجانات بيت الدين تعلن عن تعليق أنشطتها التي كانت مقررة لهذا العام". وأشارت إلى أن "لجنة مهرجانات بيت الدين إذ تدرك أن جمهورها سيكون متفهما لقرار تعليق المهرجان، وإيمانا منها بضرورة الاستمرار في مواصلة الدور الثقافي، تم حصر النشاطات بمعارض للفنون خلال فصل الصيف تقام في باحات" قصر بيت الدين الأثري في منطقة الشوف بمرتفعات جبل لبنان. وأملت أن "يستعيد الجنوب اللبناني الهدوء والاستقرار، وأن تتوقف الحرب في غزة وتعود فلسطين"، متطلعة إلى أن "تتحسن الظروف العامة لمواصلة الدور الفني والثقافي الذي لعبته المهرجانات بشكل متواصل منذ العام 1984 إيمانا منها بدور لبنان ورسالته". ويتبادل حزب الله وإسرائيل القصف عبر الحدود بشكل شبه يومي، وذلك منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ووفق حصيلة أعدّتها فرانس برس استنادا إلى بيانات الحزب ومصادر رسمية لبنانية، فإن هذا التصعيد أسفر عن مقتل 412 شخصا على الأقل في لبنان، بينهم نحو 265 مقاتلاً من حزب الله و79 مدنيا. ودفع التصعيد عشرات آلاف السكان على جانبي الحدود إلى النزوح. ودرجت خشبة مسرح بيت الدين منذ انطلاق المهرجانات على استضافة كبار فناني العالم، على غرار مغنّي الأوبرا الشهيرين الإسباني بلاسيدو دومينغو، والروسية النمسوية آنّا نتريبكو، والأميركية الراحلة جيسي نورمان، إضافة إلى النجم البريطاني إلتون جون، والمغني الفرنسي الراحل شارل أزنافور، والفنان العراقي كاظم الساهر وغيرهم. وأقيمت المهرجانات العام الماضي وسط الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان، لكن إدارتها قلّصت عدد الحفلات ونقلتها من الميدان الذي يستوعب خمسة آلاف شخص حيث كانت تُجرى عادة في الهواء الطلق، إلى باحة داخلية تتسع لـ1200 شخص، توخيا لحصر النفقات اللوجستية والتقنية. أما رئيسة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دو فريج فقالت لوكالة فرانس برس "نحن ننتظر تطور الوضع الأمني في المنطقة قبل أن نتخذ قرارنا"، مضيفة "أعددنا مهرجانا مصغرا ورمزيا، وأردنا أن نقدم صيغة رمزية تتناسب مع ما يحصل من أحداث. لكنّ لا قرار نهائيا بعد". وأوضحت أن اللجنة المنظمة تنتظر لتعرف "ما إذا كان سيحصل وقف لإطلاق النار، إذ لا يمكن في الوقت الراهن تنظيم نشاط في منطقة البقاع" (شرق لبنان) التي تتعرض بين الحين والآخر لضربات جوية إسرائيلية. في المقابل، أكّد رئيس اللجنة المنظمة لمهرجانات بيبلوس الدولية رافاييل صفير لوكالة فرانس برس أن الاستعدادات جارية لإقامة هذا الحدث في ميناء مدينة جبيل الأثرية (إلى الشمال من بيروت). وقال "نعدّ برنامجنا وسنعلن عنه في اقرب وقت والتحضير جارٍ. لا نريد أن نلغي المهرجان في المبدأ ولكن لا نعرف إذا كانت أي ظروف معاكسة ستطرأ". وأفاد بأن البرنامج "يتضمن تسع حفلات من بينها ما هو لفنانين محليين وكذلك لضيوف أجانب"، مع أنهم "قد لا يكونون من الصف الأول"، موضحا أن المهرجان يفعل ما في وسعه "لتأمين حفلات أجنبية لأنها مطلوبة من الجمهور وخصوصا من الشباب". ويشهد لبنان سنويا مهرجانات فنية في موسم الصيف تتضمن حفلات موسيقية وعروضا راقصة ومسرحيات غنائية. وارتبطت هذه المهرجانات منذ منتصف خمسينات القرن العشرين بصورة لبنان في عصر الازدهار، وبسياحته الناشطة، وانطلق بعضها أو استمر خلال الحرب التي شهدها لبنان بين العامين 1975 و1990. إلاّ أنها توقفت قسرا أو أقيمت بصيغة افتراضية من دون جمهور خلال مرحلة جائحة كوفيد، وتأثرت بالأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة منذ 2019. وتساهم هذه المهرجانات التي تقام عادة في مواقع أثرية في تنشيط العجلة الاقتصادية والسياحية في المناطق التي تقام فيها.
مشاركة :