تسعى بروكسل جاهدة لتفادي التورط في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، حيث يتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على البضائع الصينية إلى تحول الشحنات نحو أوروبا. وفرض الرئيس جو بايدن رسوماً جمركية بنسبة 100 % على السيارات الكهربائية الصينية، وزاد الرسوم المفروضة على الصلب والألمنيوم 3 أضعاف، إضافة إلى رفع الرسوم الجمركية على الخلايا الشمسية إلى 50 %، وأعلن عن خطط لمضاعفة الرسوم على أشباه الموصلات بحلول عام 2025. وقالت محللة الشؤون الجيوسياسية لدى شركة «جافيكال ريسيرش»، يانمي شيه: «لقد بعثت الولايات المتحدة رسالة واضحة مفادها أنها تريد الحد من مشاركة الصين في تحولها إلى التقنيات الخضراء. وبما أن الاتحاد الأوروبي يمثل السوق المتقدمة الكبيرة المتبقية ذات التطلعات الخضراء ويقدم لذلك إعانات سخية، فستكون سوقاً لابد منها للمصدرين الصينيين لمنتجات الطاقة النظيفة». وتأتي الخطوة الأمريكية فيما تكافح المفوضية الأوروبية لحماية صناعة التقنيات الخضراء المحلية من نظيراتها الصينية الرخيصة، حيث أكد مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن بروكسل تفتقر إلى القوة اللازمة لمنافسة واشنطن وبكين في حرب تجارية عالمية. وتوقع المسؤولون أن تسفر هذه التدابير الأمريكية عن زيادة تفاقم العجز التجاري الأوروبي المرتفع بالفعل مع الصين. والذي بلغ 290 مليار يورو عام 2023. وتسعى بروكسل جاهدة لاستخدام كل الأدوات المتاحة للتصدي إلى هذا العجز. وقالت اليسيا غارسيا - هيريرو، كبيرة المحللين الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار الفرنسي ناتيكسيس: «لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقف ساكناً لأنه سيكون الهدف الرئيس للمنتجات الصينية، وهذا يعني المزيد من الضغط لفرض رسوم تعويضية». وأشارت إلى أن الرئيس الصيني شي جين بينغ بدا وكأنه تجاهل طلبات قادة الاتحاد الأوروبي للتصدي لمشكلة قدرات الإنتاج الفائضة خلال رحلته إلى أوروبا هذه الشهر. وأضافت إنه «ليس بوسع الاتحاد الأوروبي فعل الكثير سوى رفع الرسوم الجمركية، لذلك، أعتقد أننا على شفا حرب تجارية». وذكر مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي أن بروكسل تحاول التنسيق مع الحلفاء الغربيين، خصوصاً الولايات المتحدة، لتجنب «اتخاذ إجراءات مختلفة» بشأن فائض الإنتاج الصيني، و«إغراق» السوق الموحدة بهذه المنتجات، مشدداً على أن ذلك «يمثل إشكالية حقيقية بالنسبة لنا». إلا أن مسؤولاً آخر قال إن الاتحاد الأوروبي يعوقه الإصرار على أن تتوافق كل إجراءاته التجارية مع لوائح منظمة التجارة العالمية، مضيفاً إن انتهاك هذه القواعد سيؤدي لتفاقم الوضع، ما يؤثر سلباً على كل الأطراف. وقللت يانمي شيه من أثر تدابير الحماية التجارية المتوافقة مع منظمة التجارة العالمية التي يستطيع أن يفرضها الاتحاد الأوروبي، قائلة إنها «لن تضاهي قدرة المصنعين الصينيين الذين أثبتوا جدارتهم في توسيع الإنتاج وخفض التكاليف وابتكار حلول بديلة». ويجب على المحققين التابعين للمفوضية أن يجمعوا بشق الأنفس الأدلة التي يمكن أن تنجو من الطعن القانوني، ولا يمكن تحديد التعريفات إلا عند مستويات تتناسب مع أوجه التشويه الاقتصادي. ويتوقع المحللون أن تصل هذه الرسوم إلى 25 % فور انتهاء التحقيق في الدعم المقدم للسيارات الكهربائية الصينية خلال الأسابيع المقبلة، وهي أقل بكثير من التعرفة الأمريكية البالغة 100 %. وقدرت شركة الاستشارات الأمريكية «روديوم غروب»، أن من شأن هذا المستوى أن يبقي مبيعات الاتحاد الأوروبي أكثر ربحية بالنسبة للشركات الصينية من الشركات المحلية، وبالتالي سيكون له تأثير محدود. ولا تزال الكتلة تعاني من الانقسام حول اتخاذ إجراءات أقوى ضد الشركات الصينية، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من الانتقام المحتمل ضد الشركات الأوروبية. وقد حذر المستشار أولاف شولتس من فرض رسوم جمركية على السيارات الصينية؛ خشية تعرض الكثير من شركات السيارات الألمانية لانتقام بكين. وانضم إلى شولتز رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسن، بعد أن أصبحت شركة فولفو الوطنية لصناعة السيارات في بلاده مملوكة لشركة جيلي الصينية. رغم ذلك، اتخذ الاتحاد الأوروبي أخيراً إجراءات أكثر قوة ضد الشركات الصينية؛ حيث قام مسؤولو المفوضية الشهر الماضي باقتحام شركة نوكتيك المصنعة لمعدات المسح الضوئي، خلال تحقيق في مكافحة الدعم. كما مارست بروكسل الصلاحيات التي أسندت إليها حديثاً لإجبار مقدمي العطاءات الصينيين على الانسحاب من عقود تتعلق بمحطات الطاقة الشمسية والقطارات، وتحذير بكين من تقييد وصولها إلى سوق الأجهزة الطبية في الاتحاد الأوروبي، ما لم تسمح بفتح أبوابها أمام مصنعي الاتحاد الأوروبي. وأشار أحد المسؤولين إلى أن الولايات المتحدة تستورد سيارات كهربائية صينية أقل بكثير من أوروبا. وقال متحدث باسم المفوضية إن بروكسل تشاطر «الولايات المتحدة مخاوفها حيال القدرات الفائضة والممارسات التجارية غير العادلة... وتعالجها من خلال آلياتها الخاصة ووفقاً للوائح منظمة التجارة العالمية». إضافة إلى ذلك، يشعر صناع السياسات في الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء السابقة التي أرستها الإجراءات الأمريكية مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، الذي سبق له أن فرض رسوماً جمركية بنسبة 25 % على الصلب، و10 % على واردات الألمنيوم من الاتحاد الأوروبي، وألمح إلى توسيع هذه الإجراءات حال فوزه بالانتخابات المقررة في نوفمبر. ورداً على الإجراءات الأخيرة، قال دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: «لقد سلم بايدن للتو مخططاً لترامب ومنحه الضوء الأخضر.. وإذا فاز ترامب في نوفمبر، يمكننا أن نتوقع الأمور نفسها». تابعوا البيان الاقتصادي عبر غوغل نيوز كلمات دالة: FT Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :