يبدو مفهوم الاستراتيجية العليا كما لو كان قد طواه النسيان في الحربين الدائرتين في العراق وسوريا، وفي الصراعات الدائرة في لبيبا واليمن أيضاً. ويبدو التركيز الأكبر للجهات المحلية والإقليمية الرئيسية في كل صراع من هذه الصراعات على استراتيجيات تحددها تلك الجهات في إطار الفوز بمكاسب سياسية ضيقة، أو إنهاء مرحلة القتال بناء على شروط تصب في صالحها. والحاجة إلى التأسيس لنمط دائم من الأمن والاستقرار يلقى أدنى اهتمام. وفي الواقع هناك تركيز قليل جداً على الاستراتيجية العليا، ليس هذا فحسب، بل لا يوجد أي تركيز على عمليات الاستقرار أو الحاجة للإجابة على السؤال التالي: كيف ستنتهي هذه الحرب؟. مشكلة مستمرة والمشكلة في العراق وسوريا وليبيا واليمن هي أنه لا يمكن أن تكون هناك نهاية ناجحة لحرب تكفل البقاء المؤقت لدولة فاشلة، لاسيما عندما تكون تلك الدولة الفاشلة نتاج السياسات والانقسامات الداخلية العميقة، والإدارات الفاشلة، وضعف التنمية الاقتصادية، والضغوط الهائلة التي تمثلها الزيادة في الأعداد السكانية. والواقع يفيد أن أي نهاية للحرب حقيقية ودائمة، وأي نجاح استراتيجي كبير، يقتضي بناء الأمم، يتطلب انتعاشاً وما يكفي من التنمية لإيجاد الاستقرار، وحافزا للتعاون بين الطوائف والجماعات العرقية والمناطق والقبائل المنقسمة. كما يتطلب رسم أهداف واضحة لاستراتيجية عليا . والتركيز على الإخفاقات السابقة ليس عذراً لاستسلام استراتيجي كبير. وهذا يصح تحديداً لأن حالة الإنهاك سوف تؤدي إلى نتائج مؤقتة، والعودة إلى القمع الاستبدادي سوف يوجد القوى الكفيلة بإشعال صراعات جديدة أسوأ حالاً ما أن يفشل القمع، والإخفاق في النظر أبعد من القتال المباشر والهدف العسكري يؤكد تقريباً استحالة تحقيق استقرار دائم. حشد دولي وهناك عدة خطوات أساسية ينبغي أن تتخذها الولايات المتحدة لتطوير استراتيجية عليا فعالة لكل حالة من تلك الحالات، وأن تعمل على تأمين حشد دولي عليها: - وقف التركيز على داعش والأهداف الدبلوماسية قصيرة المدى، وإيجاد الإجابة الأصلح عن السؤال كيف ينبغي أن تنتهي هذه الحرب؟ البدء في التركيز على أمن واستقرار دائم يقدم لكل من الفصائل الرئيسية تقاسماً مقبولاً للسلطة والثروة، ويقدم مساومات محددة ومنطقية تقدم بديلاً أفضل من استمرار الصراع. - عدم انتظار انتهاء الصراع لتقديم بدائل أفضل، ليس فقط للصراع، بل أيضاً للانقسامات الرئيسية ومصادر الصراع الأخرى. والعمل مع دول أخرى قدر الإمكان، والتكيف مع احتياجات الدولة وتقييداتها. العــمل مع دول خارجية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لتطوير مجموعة من الأهداف والخطط العملية الخاصة بالمساعدات التي تقدم حوافز حقـــيقية للاستقرار والأمن ما بعد الصراع. - عدم محاولة التحديث وتطوير أو إصلاح الدول على غرار الولايات المتحدة، والتركيز على مساعدة كل دولة تلبي الاحتياجات الرئيسية لشعوبها. وحيثما يكون ذلك ممكناً، إبقاء الوسائل والمؤسسات القائمة عندما تكون تعمل جيداً وتلبي احتياجات الشعب. - وضع قادة الفصائل الرئيسية للبلاد في موقع المسؤولية ومساعدتهم بدلاً من قيادتهم والسيطرة عليهم، وجعل كل المساعدات مشروطة بناء على الأفعال وليست الوعود، وفرض الشفافية العامة. - العمل على مبدأ أن الفوز يعني العمل مع دول أخرى، وإعطاء الأمم المتحدة والبنك الدولي القيادة وعمليات التنسيق، وتحقيق الاستقرار والمغادرة ما أن يجري تحقيق هذا الهدف. - القبول بحقيقة أن الانتكاسات قد تكون حتمية، وإبقاء فكرة المساعدة والدعم الخارجي في بناء الدول متوفرة، حتى عندما تتطور مستويات جديدة من الصراع. - النظر إلى ما هو أبعد من الحاجة إلى إغاثة إنسانية ملحة، لكن عدم الإخفاق في تأمينها. - السعي إلى تهدئة التعزيزات الجارية على الصعيد الإقليمي، والصراع بين القوى الإقليمية قدر الممكن، ودعم ردع فعلي، ودفاع وأمن، لكن السعي إلى إعادة بناء الجهود نحو الحد من الإنفاق العسكري حيــــث ذلك ممكناً، والتركيز على التنمية. - المثابرة عندما تذهب الأمور بشكل خطأ، وهذا أمر مقدر. ليست هذه خيارات سهلة، لكن حروب المنطقة لا تقدم إلا الخيارات التي تعد الأقل سوءاً. ولابد أن تكون الاستراتيجية العليا قائمة على توقعات واقعية، ومستويات موارد واقعية، وأطر زمنية واقعية وصبر ومشروطية. ولا أحد يمكنه أن يفوز بحرب ليست لديها استراتيجية للفوز بالسلام. ضيق الرؤية تركز الاستراتيجية القائمة في كل من العراق وسوريا على إلحاق كل طرف الهزيمة بالتهديد الرئيسي له، بمعزل عن الأمن الشامل والدائم. وغالباً ما يجري التعامل مع الحملات العسكرية في العراق وسوريا بشكل منفصل، كما لو أنه ليست هناك أهمية لحدود البلدين المشتركة. كذلك بالنسبة للأهداف الاستراتيجية السياسية والدبلوماسية فإنها محدودة عموماً. فالنقاش الأميركي حول الكيفية التي يمكن أن تنتهي بها الحربان لا يتعدى كثيراً الدعوة للقضاء علىداعش.
مشاركة :