«الشرق الأوسط» مع أمهات مقاتلين أجانب في بلجيكا سافروا للقتال في سوريا والعراق

  • 4/17/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

دقيقتان فقط، سيرًا على الأقدام، من مركز شرطة مولنبيك ببروكسل الملاصق لمقر البلدية، هما الفترة الزمنية اللازمة للوصول إلى المبنى الذي يحمل لوحة تشير إلى وجود «بيت النساء» وفيه عدة جمعيات، منها جمعية «الأهالي المعنيون» التي تقدم خدمات لما يقرب من 50 عائلة سافر أبناؤها إلى سوريا للانخراط في صفوف الجماعات المتشددة، ومعظمهم يخشى التحدث إلى الإعلام ويفضلون عدم نشر صور لهم أو لأبنائهم، ولكن هناك البعض الآخر الذي لا يجد مانعًا من التحدث، ولكن من دون نشر صور للأبناء أو الأسماء الحقيقية لهم ولأبنائهم. وبعد محاولات مضنية، وافق المسؤولون في الجمعية على الحضور لإجراء لقاءات داخل مقر الجمعية، وبحضور ثلاث سيدات داخل إحدى الغرف المخصصة للاجتماعات التي تعقد داخل الجمعية. وبدأت «الشرق الأوسط» اللقاءات مع مسؤولة الجمعية فيرونيك لوت إحدى المشاركات في تأسيس الجمعية، والتي قالت إن الجمعية أنشئت في 2013، والغرض منها هو جمع أولياء الأمور الذين يعانون من مشكلة سفر الأبناء إلى سوريا للقتال هناك، ويأتي الأهالي ويتحدثون عما حدث لهم والطرق التي ساروا فيها للبحث عن أبنائهم، وبالتالي يمكن لهم أن يساعدوا بعضهم البعض، بالإضافة إلى المساعدة التي يمكن أن يحصلوا عليها من جهات أخرى يمكن إرشادهم إليها وتوضيح الطرق اللازمة في هذا الصدد. وقالت جيرالدين وهي عضو مؤسس أيضًا في الجمعية ووالدة أحد البلجيكيين، الذين قتلوا في سوريا، إن ابنها سافر إلى سوريا للقتال هناك. وتساءلت الأم قائلة: «ماذا كانت النتيجة؟ لم تتغير الأمور، فما زال الوضع على ما هو عليه، وبعد موته جاءت فكرة تأسيس هذه الجمعية لتفادي نفس المصير لأعداد كبيرة من الشباب. أولياء الأمور خصوصًا الأمهات يأتون إلينا لأننا لا نحاكمهم، بل نساعدهم». وتضيف: «المشكلة لا تتعلق بالوالدين فقط، بل بالعائلة كلها، كما أن أولياء الأمور في مثل هذه الظروف يحتاجون إلى مساعدتهم من أجل الاستمرار في تربية أبنائهم الآخرين، لأن سفر واحد منهم قد يتسبب في حالة من الاضطراب والقلق، مما يؤثر على الاهتمام بالآخرين». وتضيف السيدة البلجيكية أن ما يقرب من 50 عائلة تأتي إلى هنا من مناطق مختلفة في بلجيكا، لأن مشكلة سفر الأبناء إلى مناطق الصراعات لا تقتصر على بروكسل بعينها أو أنتويرب، بل منتشرة في معظم أرجاء البلاد. وعن أسباب قدوم الأمهات إلى هذا المكان، تقول جيرالدين إنهم يأتون إلينا بعد أن يكونوا فقدوا الأمل في الحصول على مساعدة من جهات أخرى، وعندما يأتون إلينا يجدون الراحة النفسية من خلال التحدث والاستماع إلى تجارب الآخرين والاستفادة منها. وعن أهداف الجمعية تقول إن الهدف هو الحوار، «فإلى جانب الاستماع إلى الأمهات، نهتم بالتحدث مع الشباب ونقول لهم إن هذه الحرب ليست حربكم ولا يجب أن تسافروا إلى هناك». كما تتضمن خطط العمل في الجمعية التحدث مع صغار السن في المدارس، وإقناعهم بأن المستقبل هنا في أوروبا وليس في مناطق الصراعات، «ونركز لهم على أهمية المشاركة في بناء المستقبل ونشير إلى أن أولياء الأمور ساهموا في بناء هذا البلد، وبالتالي يجب أن تستمروا في تكملة المسيرة لمواصلة البناء وخلق مستقبل أفضل». وتختتم بالقول: «نعلم أن هناك مشكلة في سوق العمل وصعوبة إيجاد فرص للشغل، ولكن لا يجب أن يشكل ذلك عائقًا، ونقول لهم دائمًا: (أنتم مولودون هنا في بلجيكا ويجب أن تبقوا هنا لبناء المستقبل)». ثم توجهت «الشرق الأوسط» بالأسئلة لسيدة من أصول مغاربية تبدو في منتصف الأربعينات، وبدأت السيدة تحكي قصة ابنتها التي سافرت إلى سوريا وكان عمرها 18 عامًا، وذلك منذ مايو (أيار) عام 2013، بغرض الزواج من أحد المقاتلين هناك الذي لقي حتفه بعد أسبوعين فقط فيما يسميه البعض «نكاح الجهاد»، ولكن الابنة التي أصبحت أرملة، ظلت هناك وتواصلت مع الأم بضع مرات. وتحكي الأم تفاصيل سفر ابنتها وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كان يومًا عاديًا للغاية خرجت ابنتي في الصباح وكنت نائمة وعندما استيقظت، ولم أجدها اتصلت بها فقالت لي إنها تزور صديقة لها في فلفورد وهي قريبة من السكن في بروكسل وطلبت منها العودة إلى البيت فقالت لي: (لا تقلقي سأعود، وأغلقت الاتصال) وبعد ساعات جاء شقيقها الأصغر إلى المنزل وهو حزين، وعندما رأيت الدمع في عينه قال لي إن صديقًا له أخبره أن شقيقته سافرت إلى سوريا، وبعد أيام اتصلت بي ابنتي على الهاتف لثوان وطلبت مني أن أذهب إلى أحد مقاهي الإنترنت للتحدث معي على (سكايب)، وفي الموعد المتفق عليه ذهبت مع ابني، وحدث الاتصال ولكن فوجئت بفتاة منقبة تتحدث معي وقالت لي أنا ابنتك، وطلبت منها رفع النقاب عن وجهها، فقالت إنها لا تستطيع أن تفعل ذلك، وعندما قلت لها كيف أتأكد أنك ابنتي، أقسمت لي بذلك، ومع هذا أصررت على كشف وجهها وإلا سأنهي المكالمة، فاستجابت لي وأخبرتني أنها لا تستطيع العودة». وقالت الأم: «وعاودت الاتصال مرات أخرى.. ثم انقطعت الأخبار عنها منذ ما يزيد عن سبعة أشهر». وقالت ردًا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عمن يتحمل مسؤولية ما حدث، قالت الأم: «الكل يشارك في تحمل المسؤولية، نحن أولياء الأمور والحكومة، فلقد ربيت ابنتي حتى سن 18 عامًا، وفي غضون شهور قليلة نجح المتشددون في تجنيدها والتأثير عليها، وسافرت إلى سوريا، إنه خطأ يشارك فيه الجميع، المدارس والمجتمع والدولة، والمشكلة الآن تكمن في النظرة السلبية التي ينظرها الناس لنا - أولياء الأمور - وأنا أؤكد لكم أن الأمر ليس له علاقة بالدين أو الإسلام، إنما الأمر يتعلق بمجموعة قليلة من الأشخاص ينجحون في استقطاب آخرين لهذا الطريق». وفي ختام الحوار معهن، اتفق الجميع على أن تفجيرات بروكسل الأخيرة، يجب أن تكون بمثابة تحذير جديد للحكومة لبذل المزيد من الجهد لتفادي سفر المزيد من الشباب إلى مناطق الصراعات، وخصوصًا أن أصواتًا حذرت قبل سنوات من أن عودة هؤلاء ستشكل خطرًا على المجتمعات الأوروبية. وعلى بعد 10 كيلومترات من العاصمة البلجيكية بروكسل تقع مدينة فلفورد، التي سافر منها عشرات من الشبان صغار السن إلى سوريا والعراق، للمشاركة في العمليات القتالية الدائرة هناك، والأسباب وَرَاء ذلك متعددة، بحسب ما ذكر هانس بونتي عمدة مدينة فلفورد البلجيكية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الذي قال: «وضعية صعبة للغاية يعيش فيها الشباب من أصول أجنبية في الغرب بشكل عام، وفي بروكسل وفلفورد بشكل خاص، ويعانون من البطالة، ومشكلات في التعليم، وعدم الحصول على مؤهلات دراسية، إلى جانب تعرضهم لعملية غسيل مخ من جانب جماعات راديكالية، ومنها جماعة الشريعة في بلجيكا، التي استغلت الظروف لحثهم على السفر إلى سوريا والعراق تحت راية القتال، وذلك قبل أن تحظر السلطات نشاطها منذ ما يزيد على عامين». وقال بونتي لـ«الشرق الأوسط»: «لقد سبق أن وجهت انتقاداتي ليس فقط للحكومة البلجيكية بل للدول الأوروبية الأخرى بسبب التحرك البطيء والتأخر في التعامل مع مشكلة تحول الأصوليين إلى الإرهاب». وحول هذا الصدد قال وزير الخارجية البلجيكي ديديه رايندرس لـ«الشرق الأوسط»: «اتخذنا خطوات كثيرة في هذا الصدد، ولكن علينا أن نقوم بالمزيد وخصوصًا فيما يتعلق بالتعاون مع دول أخرى في مجال تبادل المعلومات الأمنية وأيضًا تبادل طرق التعامل مع نشر الفكر المتشدد، وهذه مهمة غاية في الصعوبة، وهذه المهمة لن تتحقق في غضون شهور أو أعوام قليلة، وإنما للأجيال القادمة». وقالت إيلينا فالنسيانو رئيس سابق للجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي: «إنها مشكلة صعبة لأوروبا في الوقت الراهن ومشكلة تعود إلى عوامل من الماضي، وعلينا أن نبحث في دوافع سفر هؤلاء الشباب، وقد يكون هناك خطأ في المجتمع الذي استقبل هؤلاء المهاجرين وخصوصًا الجيل الثاني والثالث منهم، وعلينا أن نشتغل كثيرًا على هذا الملف داخل مجتمعاتنا الأوروبية لتفادي التداعيات». ويبلغ عدد الأشخاص الذين عادوا من سوريا عقب مشاركتهم في العمليات القتالية هناك، 117 شخصًا، حتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. وذلك وفقًا للأرقام، التي أعلن عنها البرلماني كوين ميتسو، من حزب التحالف الفلاماني، وحصل عليها من وزير الداخلية جان جامبون زميله في نفس الحزب. وأضاف العضو البرلماني في تصريحات للإعلام البلجيكي، أن إجمالي عدد الأشخاص الذين سافروا من بلجيكا، للمشاركة في صفوف الجماعات المسلحة في سوريا، وصل إلى 451 شخصًا. وحسب عضو المؤسسة التشريعية البلجيكية، يمكن تقسيم هؤلاء إلى أربع فئات، مجموعة موجودة حتى الآن في سوريا، ومجموعة هم على الطريق، ومجموعة عادت بالفعل من هناك، والمجموعة الرابعة هي التي فشلت في الوصول إلى هناك. وعن الأرقام، قال عضو البرلمان البلجيكي إنه وفقًا للأرقام التي توفرت حتى 28 يناير الماضي، فهناك 269 شخصًا يقاتلون حاليًا في سوريا، وهناك ستة أشخاص هم في الطريق إلى جبهة القتال، و117 عادوا بالفعل من هناك، و59 شخصًا فشلت محاولاتهم للانضمام إلى صفوف الجماعات المسلحة. وعن أي المقاطعات البلجيكية التي خرج منها هؤلاء، فإنه فيما يخص مقاطعة بروكسل العاصمة وما تضمه من بلديات معروفة مثل مولنبيك وشخاربيك وغيرهما، بلغ إجمالي من سافر من مقاطعة بروكسل 197 شخصًا، منهم 112 شخصًا هم الآن في سوريا و59 شخصًا عادوا إلى بلجيكا. أما مقاطعة فلاندرا القريبة من الحدود مع هولندا وأشهر المدن فيها مدينة أنتويرب شمال البلاد، فقد سافر من المقاطعة 195 شخصًا، هناك 139 يقاتلون حاليًا في سوريا و36 عادوا إلى بلجيكا، أما منطقة والونيا القريبة من الحدود مع فرنسا فقد سافر منها 20 شخصًا منهم 14 شخصًا في سوريا حتى الآن. وخلال الفترة الأخيرة، أظهرت اجتماعات قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، اهتمامًا ملحوظًا بملف مكافحة الإرهاب والتطورات في بؤر الصراع، وسفر الآلاف من الشبان الأوروبيين للمشاركة في تلك الصراعات، وما يشكلونه من خطر بعد عودتهم. ولكن السؤال الذي يطرح من جانب كثير من المراقبين هنا في بروكسل عاصمة أوروبا الموحدة، هل تحرك التكتل الموحد بالشكل المطلوب للتعامل مع ملف تجنيد وتسفير الشباب الأوروبي إلى مناطق الصراعات؟ وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي: «الوضع على الحدود السورية وفي داخل سوريا وأيضًا الوضع في العراق هو وضع غير مستقر ومحل قلق للمجتمع الدولي بما فيه الاتحاد الأوروبي، ونناقش منذ فترة مسألة المقاتلين الأجانب الذين سافروا من أوروبا وعودتهم إلى الدول الأعضاء وما يشكله هذا الأمر من خطر أمني، إنها مشكلة حقيقية لنا جميعًا». وأشار تقرير الإرهاب لعام 2014 الذي أعدته وكالة تطبيق القانون الأوروبية «يوروبول»، إلى الارتفاع المتزايد لعدد مواطني دول الاتحاد الأوروبي، الذين يشتركون في القتال بسوريا، لافتًا إلى زيادة التهديد الأمني المحتمل الذي سيمثله هؤلاء المقاتلون على الاتحاد الأوروبي حال عودتهم إلى بلادهم. ومن وجهة نظر فوزية طلحاوي أول برلمانية بلجيكية من أصل مغربي، فإن مشكلة تسفير الشباب للقتال في سوريا أصبحت موضوعًا أساسيًا في الأجندة الأوروبية، وهناك تنسيق مشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذا الأمر. وتضيف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» ببروكسل، أن اجتماعات انعقدت أخيرًا بين بلجيكا وفرنسا للتنسيق والعمل المشترك هي جزء من تحرك أوروبي، تشارك فيه دول أخرى تعاني من هذا الملف، وخصوصًا أن هناك مخاوف من مرحلة ما بعد عودة هؤلاء إلى أوطانهم الأوروبية، وما يمكن أن يشكل ذلك من خطر على المجتمعات الأوروبية.

مشاركة :