أكد عدد من النقاد لـ «عكاظ» أن غزو «البورنو» (أدب الجنس) لبعض الإنتاج الأدبي (نثرا وشعرا) يعود لعدة عوامل منها التسويق المائع والبحث عن الشهرة، ووصفوه بخدش الحاسة الأخلاقية فنيا، منهم من يجيد نسجه في العمل الإبداعي كأحد عناصره الضرورية، ومنهم من امتطى موجة التقليد لتسويق عمله بأرخص الطرق. بداية أكد أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك خالد الدكتور عبدالحميد الحسامي أن للجسد أبعاده الرمزية والأسطورية في بعض الثقافات، وفي اللحظة المعاصرة ازداد حضور الأدب المحتفي بالجسد (الجنس) في الشعر والنثر، وأشار الحسامي إلى أن هناك عدة أسباب لنشوئه، منها: أن الإنسان مجبول على الميل للجسد الأنثوي بما أودع الله فيه من الغرائز، وحينما يتم تخييل الجسد في الأدب فإن المبدع يصنع بذلك حضورا موازيا للجسد في اللغة، فالجسد في اللغة هو جسد لغوي رمزي تمثيلي. وأضاف الحسامي أن السبب الثاني يتمثل في أن الأدب الموغل في الجسد يستقطب شريحة كبيرة من القراء، وتكون اللغة عوالم يتم فيها التواصل مع الممنوع. أما السبب الثالث فهو: أن الفلسفات المادية الحديثة انتقلت بمفهوم الإنسان نقلات بعيدة، ومن ذلك ما جاءت به مدارس التحليل النفسي، فالإنسان في نظر فرويد مثلا هو كائن غريزي، ويمكن القول إن فرويد فتح الصندوق الأحمر في عالم الإنسان، وأعني به صندوق الجنس. وبين الحسامي أن ثقافة العولمة كسرت الحدود وجعلت كل ما كان مقموعا وممنوعا مشاعا، ولذلك فالأدب يؤثر ويتأثر بما حوله فقد اقتحم الجنس عوالمه. وأوضح أن كثيرا من الأدباء يسعون للشهرة السريعة، ويرون أن ذلك يمكن أن يتأتى من خلال خدش الحاسة الأخلاقية أو الاجتماعية، وذلك محض وهم. من جهته، أشار الناقد الدكتور يوسف العارف إلى أن «البورنو» يعد إحدى الصرخات الفضائحية في الفضاءات الأدبية وله مكانته في التراث العربي الجاهلي، ولما جاء الأدب الإسلامي حيَّده عن الساحة الثقافية، وفي العصر الحالي عاد هذا الأدب الفضائحي إلى سوق الأدب الكاسدة كأسلوب للترويج بحجة الحرية والتماهي مع الواقع والحديث عن المسكوت عنه، وكل هذه أعذار تخرج الأدب من أدبيته إلى ما ليس من الأدب. وأضاف العارف أن «البورنو» بضاعة الخارجين على الناقوس الأدبي الملتزم، ونوع من التمرد على القيم الأدبية فضلا عن القيم الدينية، ولعل أصحاب هذا النوع من المسخ الأدبي يبحثون عن الشهرة، وهو نوع من النرجسية أو المراهقات الأدبية. من جهة ثانية، أشار أستاذ الأدب في جامعة أم القرى الدكتور علي العيدروس، إلى أن لغة الجسد أحد التابوات الثلاثة التي ظلت تحت طائلة المحرمات في السياقات الإبداعية، ومع ثورة الانفتاح الكتابي اليوم تحركت الأقلام باتجاه اختراق هذا التابو؛ ولأن الدين والسياسة تابوان مازالا محفوفين بالمحاذير في المنظومات الثقافية عند العرب بشكل عام فإن الجنس هو التابو الأكثر بعدا عن هذه المحذورات، وبالتالي وجد الكتاب ضالتهم في اختراقه بإمعان. وأضاف العيدروس: إنها رغبة المغايرة وكسر المسلمات وستزداد الكتابة الإبداعية لأدب البورنو كلما شعر المبدعون بأنه التابو الأسهل والآمن اختراقا.
مشاركة :