في إطار مساعي دولة الإمارات المتواصلة لتحقيق الريادة والازدهار في شتى المجالات، هناك محطات رئيسة وعلامات بارزة يشار إليها دائماً باعتبارها النموذج للكفاءة والنجاح، ومن هذه العلامات ما أنجزته سياساتها الاقتصادية الرشيدة في مجال تحقيق الأمن الغذائي لكافة المواطنين والمقيمين على أراضي الدولة. وفي الواقع، فإن الأسواق المحلية العامرة بكميات كافية وآمنة من المنتجات الغذائية ليست هي الدليل الوحيد على ذلك الإنجاز المشهود الذي حققته دولة الإمارات في مجال الأمن الغذائي، إذ إن توسع قدرات الإنتاج الغذائي للإمارات بنحو 26% بين عامي 2016 و2022 وفق أحدث بيانات لمؤشر منظمة الأغذية العالمية (الفاو)، والتحسن المطرد لميزان تجارة الغذاء، مع وصول معدل الواردات الغذائية إلى 5.58% من الواردات السلعية في عام 2022، بالإضافة للنوعية عالية الجودة من الأغذية المتاحة في الأسواق، والاستقرار المتصل في أسعارها، كل ذلك يمثل أدلة عديدة تؤكد مدى كفاءة السياسات الغذائية في دولة الإمارات، وتدلل في الوقت نفسه على أن الابتكار كان رهاناً ناجحاً ووسيلةً أساسيةً عززت تفوّق نموذج الإمارات لتحقيق الأمن الغذائي المستدام. وعلى هامش مؤتمر الابتكار للغذاء 2024 الذي استضافته مدينة دبي بتنظيم ناجح لمؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وبالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، في الفترة من 13 إلى 15 مايو الجاري، استطاع نحو 150 من الأكاديميين والخبراء ورواد قطاع الغذاء العالمي أن يطّلعوا على قصة نجاح دولة الإمارات في تسخير البحوث العلمية والمبتكرات والتكنولوجيا لتأمين سلسلة مستدامة للأمن ال غذائي، بدايةً من التغلب على تحديات ندرة المياه، ومروراً بالممارسات المبتكرة في الزراعة والتصنيع الغذائي الكفؤ، وصولاً لنموذج الإمارات المثالي في تحقيق الأمن الغذائي منخفض البصمة الكربونية. وفي الوقت الذي مثّل فيه مؤتمر الابتكار للغذاء 2024 الذي عقد تحت عنوان «تصورات جديدة لأنظمة الغذاء المستقبلية»، فرصةً مهمةً لتبادل الخبرات وبناء الشراكات الاستثمارية للفاعلين في مجال سلسلة الغذاء العالمية، كانت الأنظار متجهة للتعرف على تجربة دولة الإمارات في مجال الابتكارات الغذائية، وخاصةً تلك المتعلقة بالزراعة العضوية والرأسية. ففضلاً عن امتلاك الإمارات أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم، فإن لديها أيضاً المصنع الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط لتصنيع اللحوم النباتية بالكامل. وبالتوازي مع الخطوات الفعّالة التي قطعتها الدولة لتوطين الابتكارات الضرورية لإنتاج هذا النوع من اللحوم، كان النجاح حليف استراتيجيتها لتوسيع إنتاج اللحوم وتصديرها، إذ نمت صادراتها من اللحوم الحية والحمراء وحدها بنحو 29.7%، خلال عام 2022. ولا يقتصر نموذج دولة الإمارات الرائد في مجال الأمن الغذائي على الأبعاد المحلية فقط، إذ إنه في ضوء المسؤولية الدولية التي تتحملها دولة الإمارات طواعية في تعزيز الأمن الغذائي عالمياً، توسعت استثماراتها الكفؤة في قطاعي الزراعة والصناعات الغذائية في وجهات إقليمية ودولية متنوعة. وتعد السوق الأفريقية صاحبة النصيب الأوفر من استثمارات الإمارات في سلاسل الأمن الغذائي العالمية. هناك 14 صفقة جار تنفيذها لمشروعات زراعية إماراتية عالمياً، معظمها في قارة أفريقيا. وإلى جانب هذه الصفقات هناك 56 اتفاقية قائمة بالفعل للاستثمارات الإماراتية التي تعمل على الأرض لتعزيز الأمن الغذائي الأفريقي. وتسعى دولة الإمارات عبر شركاتها وصناديقها الادخارية لبناء شراكات استثمارية موثوقة مع العديد من دول العالم، بهدف تحقيق مصالح اقتصادية متبادلة، وتحظى قضية الأمن الغذائي باهتمام خاص لدى دولة الإمارات، وهي تبذل الكثير من الجهود من أجل تعزيز الاستدامة في سلاسل الأمن الغذائي العالمية، وتحرص الإمارات في هذا السياق على مشاركة نموذجها الرائد لتحقيق الأمن الغذائي، لما تملكه من خبرات مميزة تشتد إليها حاجة قطاعي الزراعة وصناعة الغذاء عالمياً. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
مشاركة :