الخرطوم- زادت مخاوف بعض القوى السودانية من تطور العلاقة بين الجيش وقيادات وعناصر الحركة الإسلامية بصورة يصعب تفكيكها، وشرعت هذه القوى في إرساء قواعد رئيسية للمستقبل، ومحاولة تفويت الفرصة على مساعي الحركة ومنتسبيها لأسلمة السودان والتأكيد على علمانية الدولة. ووقع رئيس الحكومة السودانية السابق عبدالله حمدوك، وزعيم الحركة الشعبية شمال عبدالعزيز الحلو، وقائد حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور، ما سمي بـ”إعلان نيروبي” لإنهاء الحرب بين الطرفين، وتأسيس دولة على أسس جديدة؛ في مقدمتها الفصل بين الدين والدولة، وحق تقرير المصير. وجنّب توقيع حمدوك على الإعلان مع الحلو ونور بصفة شخصية، بعيدا عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) التي يرأسها، قوى مدنية وأحزابا سياسية وشخصيات عامة حرجا كان يمكن أن يواجهها، في ظل الخلاف على بندي الفصل بين الدين والدولة، وحق تقرير مصير الأقاليم في السودان. جاءت هذه الخطوة بعد مرور أيام قليلة على عقد “تقدم” مؤتمرها التأسيسي العام في أديس أبابا قبل نهاية شهر مايو الجاري، والذي يضع الأسس المركزية لتحركات التنسيقية خلال الفترة المقبلة، ولم يشأ حمدوك حدوث ما يمكن أن يعكر صفو الاجتماعات. إعلان نيروبي رسالة إلى الحركة الإسلامية تفيد بأن أفكارها لا مكان لها في السودان وأن محاولات جر البلاد إلى ما قبل سقوط البشير لن تنجح وينطلق تقارب حمدوك مع الحلو ونور من أرضية التصدي لالتفافات الحركة الإسلامية على المؤسسة العسكرية والسعي لتجييرها من أجل العودة إلى مشروعها من خلال الحرب وما أفرزته من ملامح أعادت عناصرها إلى الضوء، وسمحت لما يسمى بالقوى الشعبية المسلحة بالظهور في ميادين المعارك من منطلق عقائدي. وكانت الحركة الشعبية قد اعتبرت الحرب الدائرة حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع “حربَ الإسلاميين ضد الشعب السوداني. والجيش ميليشيا إسلامية مؤدلجة”. وفسرت إشارة الإعلان إلى “تأسيس دولة علمانية غير منحازة وتقف على مسافة واحدة من الأديان والثقافات والهويات، وقيام دولة مدنية يتشارك ويتساوى جميع السودانيين في السلطة والثروة وضمان حرية الدين والفكر”، على أنها رسالة مباشرة ضد توجهات الحركة الإسلامية، وتفيد بأن أفكارها لن تجد لها مكانا في البلاد، وتصوراتها لجر السودان إلى حلقات ما قبل سقوط الرئيس السابق عمر البشير لن تجدي نفعا. ونص إعلان نيروبي الذي وقع في حضور رئيس كينيا وليام روتو السبت على “حق الشعوب السودانية في ممارسة حق تقرير المصير، في حالة عدم تضمين المبادئ الواردة في الإعلان في الدستور الدائم”، وهو المحور الذي تمسك به الحلو في جولاته السابقة، كنوع من الردع لمن تفاوضوا معه، وضمانة للحصول على مكاسب نوعية في خياري الدمج وتقرير المصير، حيث يملك قوات عسكرية كبيرة. وكان عبدالعزيز الحلو اتفق مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في مارس 2021 على فصل الدين عن الدولة وتكوين جيش واحد في نهاية الفترة الانتقالية، وجاء الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية المدعوم من الحركة الإسلامية بعد نحو سبعة أشهر، لينهي مسيرة تواصل الخرطوم مع حركة الحلو لتوقيع اتفاق نهائي. opo وقال القيادي في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة لـ”العرب” إن “تسارع الأحداث السياسية والعسكرية في السودان، عقب الوصول إلى تفاهمات سابقة بين حكومة حمدوك مع كل من الحلو ونور لتحقيق سلام شامل، قاد إلى التعثر. وما يفتح الأفق للاتفاق الجديد أنه يسهم في وضع كل أزمات السودان على طاولة واحدة”. وشدد على أن إعلان نيروبي يدعم توسيع قاعدة تنسيقية “تقدم” التي تستعد لعقد مؤتمرها التأسيسي، وتسعى لاصطحاب أكبر عدد من المكونات السياسية والعسكرية في السودان، معتبرا أن التفاهم مع الحلو ونور عنصر دعم جيد للقوى المدنية التي تدعو إلى وقف الحرب، لما تمثله حركة نور من ثقل مادي في دارفور، وما تمثله حركة الحلو من وزن عسكري في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وتعد مشاركة ورعاية الرئيس الكيني في الاتفاق دليلا على أن نيروبي طرف مهم في ما يجري من تطورات سياسية، يصعب تهميشه بعد أن شككت وزارة الخارجية السودانية سابقا في توجهاته بذريعة انحياز القيادة الكينية إلى قوات الدعم السريع. وتضمن الإعلان تأكيدا على ضرورة العمل المشترك لمعالجة شاملة للأزمات المتراكمة، عبر عملية تأسيسية ترتكز على “وحدة السودان شعبًا وأرضًا وسيادته على موارده، على أن تقوم الوحدة على أساس تطوعي لشعوبه”. وربط مراقبون بين “إعلان نيروبي” وبين مذكرة التفاهم التي وقعها نائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي والحلو أخيرا بخصوص تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق معينة؛ ففي الوقت الذي شهدت فيه مفاوضات كباشي والحلو انسدادا في أفقها السياسي، أحرزت تحركات حمدوك اختراقا لافتا. مشاركة ورعاية الرئيس الكيني في الاتفاق دليل على أن نيروبي طرف مهم في ما يجري من تطورات سياسية، يصعب تهميشه وتمسكت الحركة الشعبية بإيصال المساعدات الإنسانية إلى كل مناطق السودان من دون تحيز وفي توقيت واحد، وهو ما عرقل نجاح مفاوضات كباشي – الحلو، حيث أراد الجيش قصرها على المناطق التي تسيطر عليها الحركة. وأوضح المعز حضرة أن تعثر اتفاق الجيش مع الحركة الشعبية حاليا يعود إلى أن الطرف الأول (الجيش) يريد تحقيق مكاسب آنية عبر إيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقتين فقط، مع أن السودان كله يعاني من مجاعة، ورفض الحلو الاتفاق في صورته الأولى عامل يضغط لإنهاء الحرب وإنقاذ الأبرياء. وكشف كباشي، قبل دخول جولة جديدة من المفاوضات مع الحلو، الأحد عن أن ورقة الحكومة المطروحة في مفاوضات جوبا مع الحركة الشعبية بشأن وقف العدائيات وتمرير المساعدات الإنسانية تتسم بالمرونة وقابلة للنقاش. وتتضمن الورقة وقف عدائيات لتمرير مساعدات إنسانية إلى ولايات جنوب وغرب كردفان والنيل الأزرق عبر ممرات برية وجوية مع وجود جهة رقابية، وهي حكومة جنوب السودان. وناشد إعلان نيروبي الأطراف المتحاربة إزالة المعوقات أمام العون الإنساني والسماح بمرور الإغاثة عبر دول الجوار وخطوط المواجهة لضمان وصولها إلى جميع المواطنين دون عوائق مع توفير الحماية للعاملين في الحقل الإنساني. وعقد الحلو ونور اجتماعات لمدة يومين في نيروبي قبل الاتفاق مع حمدوك، وتفاهما على العمل معا لمواجهة المخاطر التي تهدد السودان وإيجاد الحلول المستدامة لها.
مشاركة :