الرياض – تضع السعودية والولايات المتحدة اللمسات النهائية على الاتفاق الدفاعي الذي ينص على ضمانات أمنية أميركية والمساعدة النووية المدنية للرياض، في حين يبدو الهدف الأشمل من هذه الترتيبات، والمتمثل في التوصل إلى تطبيع بين السعودية وإسرائيل، بعيد التحقق في الوقت الراهن. وبحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان ليل السبت – الأحد “الصيغة شبه النهائية لمشروعات الاتفاقيات الإستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، وإيجاد مسار ذي مصداقية نحو حل الدولتين”. وبذلت السعودية خلال السنوات الماضية جهودا للدفاع عن نفسها ضد هجمات الحوثيين، وهو ما دفعها إلى مطالبة الولايات المتحدة بأنظمة تسليح أكثر تقدما. ولإتمام عملية التطبيع مع إسرائيل تشترط السعودية وجود مسار واضح نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يبدو صعبا في الوقت الراهن في ظل رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واستمرار الحرب في غزة. وعطلت الحرب في غزة، التي نشبت في 7 أكتوبر الماضي، المحادثات الأميركية – السعودية التي كانت تقترب في ذلك الحين من التوصل إلى تفاهمات. السعوديون يحاولون إيجاد طريقة لتأمين صفقة ثنائية أصغر مع الولايات المتحدة تستبعد التطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة وفي سبتمبر الماضي قال وليّ العهد السعودي في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركيّة إنّ المملكة تقترب “كلّ يوم، أكثر فأكثر” من تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولكن من الصعب تصور أن السعوديين مستعدون لتطبيع العلاقات بشكل واضح ومعلن حاليا بينما يتواصل سقوط قتلى من الفلسطينيين بأعداد كبيرة. ويقول مسؤولو الصحة في قطاع غزة إن عدد القتلى تجاوز 35 ألفا منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في حين تفشت حالات سوء التغذية على نطاق واسع. وقالت آنا جيكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في مجموعة الأزمات الدولية، إن بيان السعودية الأحد “يبدو أنه يشير ضمنيّا إلى أن المفاوضات، حتى على الجانب الثنائي من هذه الصفقة، لا تزال مستمرة”. وأضافت “قد يشير هذا إلى أن السعوديين مازالوا يحاولون إيجاد طريقة لتأمين صفقة ثنائية أصغر مع الولايات المتحدة من شأنها أن تستبعد التطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة، رغم تصريح سوليفان نفسه بأنه لن يكون هناك اتفاق من دون إسرائيل”. وكان سوليفان قد قال في مؤتمر لصحيفة فاينانشيال تايمز في لندن هذا الشهر “إن أي صفقة يجب أن تتضمن عنصر التطبيع”. PP وبدوره يقول المحلل السعودي عزيز الغشيان “لدينا اتفاق سعودي – أميركي، صفقة، ولدينا الآن ما نريده من إسرائيل بشكل عام ومن ثم سنطرحه على الإسرائيليين وأعتقد أن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على ذلك”. وتابع “سنعيد الكُرة إلى ملعب الإسرائيليين وإذا وافقوا عليها سيكون هذا رائعا، وإذا لم يفعلوا ذلك سيكون هذا خطأ (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو”. وبالإضافة إلى التطبيع يعد التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية أحد أبرز بنود الاتفاق الذي يثير الكثير من التساؤلات بشأنه. وباعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم لا تبدو السعودية للوهلة الأولى مرشحا بارزا لإبرام اتفاق نووي عادة ما يهدف إلى بناء محطات الطاقة لتوليد الكهرباء، لكن بموجب رؤية السعودية 2030 الطموحة التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان تسعى المملكة إلى توليد طاقة متجددة كبيرة وخفض الانبعاثات. ومن المتوقع أن تشارك الطاقة النووية في جزء من ذلك على الأقل. من الصعب تصور أن السعوديين مستعدون لتطبيع العلاقات بشكل واضح ومعلن حاليا بينما يتواصل سقوط قتلى من الفلسطينيين بأعداد كبيرة وإحدى القضايا الرئيسية في الاتفاق هي ما إذا كانت واشنطن ستوافق على بناء منشأة لتخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، ومتى يمكنها أن تفعل ذلك، وما إذا كان يمكن لموظفين سعوديين دخولها أم أنها ستدار من قبل موظفين أميركيين فقط في سياق ترتيب يتيح سيطرة أميركية حصرية على المشروع. ودون إدراج ضمانات صارمة في الاتفاق سيكون بإمكان السعودية، التي تمتلك خام اليورانيوم، من الناحية النظرية استخدام منشأة التخصيب لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، والذي، إذا جرت تنقيته بدرجة كافية، يمكن أن ينتج المواد الانشطارية اللازمة لصنع القنابل. وبموجب المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي لعام 1954، يجوز للولايات المتحدة التفاوض على اتفاقيات للمشاركة في تعاون نووي مدني مهم مع دول أخرى. ويحدد القانون تسعة معايير لمنع الانتشار يجب على تلك الدول الوفاء بها لمنعها من استخدام التكنولوجيا لتطوير الأسلحة النووية أو نقل المواد الحساسة إلى آخرين. وينص القانون على مراجعة الكونغرس لمثل هذه الاتفاقيات. والمسألة الأخرى هي ما إذا كانت الرياض ستوافق على القيام باستثمار سعودي في محطة لتخصيب اليورانيوم مقرها الولايات المتحدة وتكون مملوكة للولايات المتحدة، أو ما إذا كانت ستوافق على الاستعانة بشركات أميركية لبناء مفاعلات نووية سعودية.
مشاركة :