تدخل الكويت حقبة سياسية جديدة، نأمل أن تنتهي أو أن تكتمل بتحقيق انجازات على مستوى البناء والاقتصاد والصحة والتعليم. وموضوع التعليم هو الأكثر أهمية بالنسبة لي، لأسباب من أهمها أنه عمود (حجر الأساس) التقدم في البناء والاقتصاد والصحة. ولقد راقبت التعليم عن قرب خلال العقدين الماضيين، وكنت مستشارا لوزير التربية لسنتين، كان من ضمنها العمل مع فريق من خبراء في البنك الدولي الذي تعاقدت معه حكومة الكويت لتقديم رؤية واستراتيجية وخطة لتطوير التعليم في الكويت. وقد ألغي هذا التعاقد لأسباب غير مفهومة. وقد نشرت أكثر من اثني عشر مقالا خلال السنين السبع الماضية، ناقشت فيها أزمة التعليم وأسباب تدهوره، ووسائل النهوض به. وكوننا نبدأ حقبة جديدة بعد أن حل سمو أمير البلاد -حفظه الله- مجلس الأمة، وقام سموه بتعليق بعض مواد الدستور، سألت أربعة وزراء سابقين هاتفيا، واجتمعت بواحد منهم لحوالي الساعة والنصف، ولقد سألتهم إن كان بعض أعضاء مجلس الأمة قد تسببوا في إعاقة عملية تطوير التعليم؟ فأجمع الوزراء الأربعة على أن بعض أعضاء مجلس الأمة ساهموا كثيرا في تخلف التعليم في الكويت، وساهموا في إعاقة تطويره. وأخبرني وزير سابق أن أغلب القياديين الحاليين في وزارة التربية غير مؤهلين، لا للإدارة، ولا إلى التطوير. وكثير منهم وصل إلى منصبه بضغوطات من نواب. حتى إن ولاءاتهم ليست إلى رؤسائهم في العمل، وإنما إلى النواب الذين ضغطوا لترقيتهم، وفي كثير من الأحيان دون وجه حق. وأضاف أن هناك حالة غريبة قد لا تقتصر على وزارة التربية فقط، وإنما إلى وزارات أخرى، وهي أن الموظف أو المعلم ومنذ بداية تعيينه، لا ينظر إلى تحقيق نجاحات مستقبلية من خلال أدائه في العمل أو من خلال علاقته برئيسه في العمل، وإنما إلى علاقته بنائب. فبصراحة تذهب الترقيات إلى من له سند أو ظهر أو قبيلة. فالولاءات القبلية لها دور كبير في الحصول على ترقية. وهذه تبدأ من رئيس القسم وأقل إلى مدير ووكيل مساعد فوكيل. ولا يقتصر تدخل بعض النواب على الترقيات، وإنما حتى في إعاقة تطبيق تحسينات على أسلوب ونظم العمل. فعندما لا يتقبل أحد الموظفين اجراء تغييرات على نظم العمل، يلجأ إلى عضو مجلس أمة لإعاقة تطبيق هذه النظم الجديدة. كما اشتكى الوزير السابق من إقبال كثير من القياديين التربويين على الحصول على شهادات جامعية من مصر ودول أخرى وهم على رأس عملهم، وبعضهم يحصل على الشهادة حتى دون عناء السفر لتأدية الامتحان. ومكافأة الأربعمئة دينار لحاملي الدكتوراه، أدت إلى أن يكون في الكويت مئات الخريجين من حملة الدكتوراه في التربية البدنية في المدارس الابتدائية في الكويت. ولقد وجد الوزير السابق أن هناك صعوبة في إصدار قرارات ترقية وفقا للكفاءة بسبب تدخل النواب وتهديدهم بالاستجواب، إضافة إلى أن قوانين ديوان الخدمة المدنية تدعم ترقية الأقدم بصرف النظر عن كفاءته. وكثير من الأحيان يرقى الكفء، فيذهب الأقدم والأقل كفاءة إلى المحكمة الإدارية التي تحكم لمصلحة الأقدم. فيضطر الكفء إلى إرجاع فرق الراتب الذي استلمه، وذلك بعد ارجاعه إلى وظيفته السابقة قبل ترقيته. وأضاف أن هناك وكلاء مساعدين بالتكليف عينهم نواب في مجلس الأمة وهم غير مؤهلين، والطامة الكبرى هي أن يتم تثبيتهم. هذا فيما يتعلق بوزارة التربية، أما فيما يتعلق بالتعليم الجامعي، فإنه كذلك هناك حاجة إلى مراجعة جذرية. وأشار الوزير إلى الدور الكبير الذي قامت به الجامعات الخاصة، لكن خطورتها أننا لا نميز بين الدور التجاري والعلمي لهذه الجامعات. فالجامعات الخاصة في العالم، مثل أكسفورد وكامبردج وبرنستون وهارفرد، تملك بلايين الدولارات لكنها لا توزع أرباح، وإنما أموالها وقف تدار لتحقيق أرباح تصرف على البحث العلمي وتوفير الابتعاث إلى المميزين من الطلاب، خاصة هؤلاء الذين يأتون من طبقات اجتماعية دنيا. ولا يخفى على أحد أن الجامعات الخاصة في الكويت تعتمد كليا على الابتعاث الداخلي الذي تتحمل مصاريفه الدولة. والحقيقة أن على الدولة أن تراجع سياسة الابتعاث الداخلي، وتقلل من عدد الطلبة المبتعثين داخليا. خاصة بعد افتتاح جامعة صباح السالم وجامعة عبدالله السالم. فالابتعاث الداخلي وجد أساسا لعدم استيعاب جامعة الكويت للطلبة المتقدمين إليها، لكن الوضع تغير. كما أن هناك دلائل على أن الهدف الربحي للجامعات الخاصة في الكويت بدأ يطغى على الهدف العلمي، والذي من مظاهره أن أصبح يتم استقدام أساتذة لا لمؤهلاتهم العلمية، وإنما إلى من يقبل بالراتب الأقل. أما في جامعة الكويت فهناك نوع من احتكار المهنة للكويتيين فقط. فالجامعات العالمية تجذب العقول بصرف النظر عن جنسيتها. لكن في جامعة الكويت يقف بعض الأساتذة الكويتيين عائقا أمام توظيف أساتذة عرب وأجانب مميزين، لأن ذلك يحرمهم من الزيادات التي تأتيهم من تدريس الشعب الإضافية. والوزراء الأربعة الذين تحدثت معهم يتفقون معي على أنه لا توجد استراتيجية في الكويت لتطوير التعليم. ولدينا مجلس أعلى للتعليم برئاسة وزير التربية، قد تمضي سنوات دون أن يجتمع. وقد أخبرني أحد أعضاء المجلس الأعلى للتعليم أننا نشعر أحيانا بأننا عبء على الوزير، فهو مضطر إلى أن يجتمع بنا. وأخبرني آخر بأنه خلال الاجتماع، نوهم أنفسنا متخيلين أن مستوى التعليم في الكويت بمستوى فنلندا، وعندما يفض الاجتماع نكتشف أننا بمستوى دولة أفريقية فقيرة. وحول الموضوع نفسه، أخبرني خبير في البنك الدولي عمل في الكويت لمدة طويلة منذ حوالي عشر سنوات أن مستوى التعليم في الكويت هو بمستوى دول الصحراء الأفريقية، لكن مباني المدارس في الكويت أفضل من مبانيها في تلك الدول. كما أن تخلف التعليم في الكويت تشهد عليه نتائج الطلبة الكويتيين في امتحانات التيمز العالمية، حيث إن نتائج طلبتنا هي الأسوأ من بين دول الخليج، بل إن طلبة البحرين للمدارس المتوسطة في العلوم والرياضيات يتفوقون على الطلبة الكويتيين بحوالي 100 نقطة من 600. بينما يتفوق عليهم الطلبة الكوريون والسنغافوريون بحوالي 200 نقطة. واتفق معي الوزراء الأربعة السابقون على أن إصلاح التعليم يتطلب استراتيجية على مستوى الدولة وليس على مستوى الوزارة. فلا بد من تفعيل المجلس الأعلى للتعليم، وأن يرجع في أعماله لسمو رئيس مجلس الوزراء. وبعد إعادة تشكيله وتفعيله سيقوم بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير التعليم وجهات استشارية أخرى على تشكيل رؤية ثم استراتيجية للتعليم في الكويت. وبناء على هذه الرؤية والاستراتيجية تعاد هيكلة وزارة التربية. فلا بد من هيكل جديد لوزارة التربية، وأن يخرج من كنفها المركز الوطني لتطوير التعليم لتكون مرجعيته إلى المجلس الأعلى للتعليم، وليس إلى الوزير كما هو عليه حاليا. إن الانتقال النوعي في مستوى التعليم في الكويت يتطلب حب للوطن وللغة العربية التي هي الوطن الأكبر، ويتطلب جهد ومثابرة وإيمان بالمشاركة في صنع مستقبل أفضل لأطفال الكويت. والموضوع لا يتطلب سنة أو سنتين، وإنما يستغرق حوالي عشر سنين. لكن من الممكن أن تستشعر نتائج أفضل للطلبة الكويتيين في الامتحانات العالمية بعد خمس سنين. ومن الممكن أن يكون مستوى طلابنا بمستوى طلاب البحرين بعد سبع سنين من تفعيل الاستراتيجية. وأمامنا أربع سنين دون تهديد باستجوابات، ولا مقاطعة للوزير أو الوكيل من قبل نائب. هذا، وإن كان بعض النواب قد ساهموا في تخلف التعليم ووضع العوائق امام تطويره، كما صرح لي الوزراء الأربعة الذين تحدثت لهم، فهناك نواب آخرون كانوا حريصين على بذل الجهود لإصلاح وتطوير التعليم. ومن تجربتنا في فريق «متضامنون لإصلاح التعليم» لابد من الإشادة بالدور الذي لعبه النائب الدكتور حسن جوهر في تقديم مشروع الفريق لإصلاح التعليم الى اعضاء آخرين في مجلس الأمة.
مشاركة :