الحريات في مصر بين واقع الزيارة الفرنسية وتمني المنظمات الحقوقية

  • 4/18/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن الجميع لا ينطق إلا بها في هذه الساعات الحرجة والأيام الصعبة، إلا أن كلاً ينطق حروفها بطريقة خاصة ولهدف مغاير وغاية ما في «نفس يعقوب»، ما عدا قطاع واحد عريض أعيته الكلمة وقرر قلب قائمة أولوياته رأساً على عقب، مفضلاً أن تأتي في الذيل على أن تكون الرأس خالية من صداع الفوضى ووجع الفقر ووقف الحال. حال الشارع المصري يوم أمس كانت خليطاً من آثار تظاهرات الجمعة وتوقعات زيارة الأحد وتطلعات ليوم إثنين خال من الصداع. لكن «الصداع» الذي تحدث عنه الضيف الدوار الذي يجول نهاراً على الفضائيات ومساءً على الـ «توك شو» كان صداعَ حديث الحقوق وحوار الحريات «الذي صدعونا به». الضيف الرافض لـ «إصرار الغرب على التدخل في شؤوننا في كل مناسبة» كان يتحدث عن زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. كان الضيف محقاً في إصرار جهات كثيرة في الخارج وميل البعض في الداخل إلى تسليط الضوء على ملف الحريات، كلما كانت هناك زيارة دولية. صحيح أنه فسره في ضوء نظريات المؤامرة وتعليلات المكارهة، إلا أن «الحريات» تبقى حديث الساعة. الساعة التي اختارتها مجموعة من سائقي التاكسي للراحة كانت على مرمى حجر من حديقة «مريلاند» في حي مصر الجديدة، حيث تلاصقت لافتات الترحيب بالرئيس الفرنسي هولاند وعلما البلدين على مقربة من «نصبة الشاي» التي دارت حول الزيارة. ومن آراء معاد تدويرها من برنامج الأمس عن صفقات ستُعقد، واتفاقات ستُبرم، إلى إشارات عن ليبيا وتلميحات عن طائرات عسكرية، وأخيراً جاء حديث الحريات، وذلك على وقع خبر جاء على إذاعة أجنبية موجهة بالعربية حيث «الأسلحة والحريات على طاولة مفاوضة السيسي وهولاند». تفجرت التعليقات الاستنكارية وتواترت التساؤلات التنديدية التي حمل جميعها شعار «إحنا في إيه ولا إيه؟!»، وذلك في إشارة شعبية صارت معتادة وتمليحات شارعية أصبحت متداولة عن انشغال نخبة حقوقية بمسائل فرعية وانغماس قاعدة شعبية في قضايا رئيسية، وهو ما يكشف هوة مفصلية بين شباب وحقوقيين مهمومين بقضايا الحريات وقاعدة وغالبية منهمكة في قضايا العيش ومناهج التعليم ومياه الشرب وأزمة الأسعار. ولأن الحرية لا تباع أو تشترى، ولا تقدر بثمن وفق ما دار حديث جانبي بين شاب مملوء بالحماس ومواطن مملوء بالمرارة، فقد ترك الأخير الشاب ينهي حديثه، ثم سأله «جربت تذهب إلى عملك فتجده مغلقاً لأن بتوع الحرية قرروا أن يغلقوه أياماً لأنهم يحتجون أمامه مطالبين بالحريات؟ نصيحة قبل أن تتحدثوا باسم الشعب، اسألوا الشعب عن أولوياته». حديث الأولويات حيث المفاضلة بين الحقوق والحريات من جهة وبين الاستقرار والأمن من جهة أخرى تصفه نخبة حقوقية بـ «العقيم»، وتنعته مجموعة عنكبوتية بـ «دليل على الجهل وبرهان على التخلف». لكن الموصوفين والمنعوتين طفح بهم كيل سنوات خمس من الأحلام المبعثرة لم تعد تتحمل مغامرات صنديدة أو تجارب رعديدة. تجربة جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان مع مصر وفيها تحولت إلى حديث شائع بين المصريين على هامش الزيارة الرئاسية الفرنسية. فزيارة الرئيس هولاند لمصر سبقتها حملة تمهيدية، صارت معتادة ومتوقعة لدى المصريين، من جانب خمس منظمات حقوقية دولية. بيانات منددة بـ «الصمت المدوي للحكومة الفرنسية عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر»، وتصريحات غاضبة عن «التعذيب والاعتقالات والاختفاءات والمحاكمات العسكرية»، ومطالبات صاخبة للرئيس الفرنسي بـ «التدخل لدى المسؤولين المصريين والقيام بمسؤوليته في ما يخص التعديات على المجتمع المدني في مصر». لكن قطاعات عريضة من المجتمع الشعبي لم تجد في هذه المطالبات الحقوقية الأجنبية إلا مدعاة للغضب وسبباً للرفض والشجب، إن لم يكن من منطلق التأييد المطلق للنظام، فمن بوابة الاعتراض على التدخلات الدولية في البلاد. ورأى البعض انعكاساً محلياً لهذه التحركات ممثلاً في اجتماع عقد في باريس قبل أيام وجمع اثنين من أبرز مستشاريه و6 من المنظمات الدولية والفرنسية والإقليمية العربية. البيان الصحافي الموزع من جانب «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» – إحدى المنظمات الممثلة في الاجتماع- أشار إلى أن الاجتماع «ناقش الأوضاع الكارثية لحقوق الإنسان في مصر». «الكارثية الحقيقية تكمن في مكارثية الكثير من هذه المنظمات» كما كتب أحدهم على صفحته العنكبوتية، مشيراً إلى أن بعض هذه المنظمات متقوقع على ذاته. ورغم وجود جوانب من الصحة والمنطق في عملها والقضايا الحقوقية التي تعمل عليها، إلا إنها تعمل في معزل عن الشعوب نفسها، التي أحياناً تبدل أولوياتها وتغير أفضلياتها بحسب ظروفها من دون أن تلتفت هذه المنظمات، وهو ما يجعلها تبدو وكأنها جزر منعزلة تحلق في فضاء خارجي». وخارج السياق الحقوقي المباشر الممثل في بند الحريات الموضوع في جعبة هولاند والمطروح موسمياً من منظمات دولية والمتحول إلى مادة للشد والجذب في مصر على مدار سنوات خمس ماضية، يعلو حديث شعبي في مصر بين الحين والآخر حول ضرورة السيطرة على «جنوح الإنترنت وجنونه». هذا الحديث يدور عادة في أوساط متوسطي العمر ممن باتوا يرون الشباب الناشط عنكبوتياً والتظاهرات المدعو إليها فايسبوكياً والتغريدات الناقمة على البلاد تويترياً في حاجة ماسة إلى الخضوع للسيطرة. صحيح أن درجات السيطرة تتفاوت بين المطالبة بالإغلاق الكلي، واقتراح الرقابة الجزئية، ووضع قيود للدخول والخروج، ورغم استحالة حدوث ذلك في العام الـ16 من الألفية الثالثة، إلا أن المقترح الذي تتردد أصداؤه في طرقات مجلس النواب حول تسجيل الدخول على «فايسبوك» بالرقم القومي يظل الأكثر شهرة والأعلى تعليقاً، مرة بالموافقة ومرات بالتنكيت والتبكيت. وتظل «الحقوق والحريات» عنواناً لأحاديث عدة وتناولات كثيرة ومثارات للقيل والقال والخلاف والاختلاف حيناً والتوافق والموافقة أحياناً، لكنها تحت وطأة الضغوط الحياتية الآنية، والتجارب المتتالية، وسبة التدخلات الخارجية، وتهمة التمويلات الأجنبية تخضع لعملية قلب أولويات رأساً على عقب لحين إشعار آخر.

مشاركة :