القدس – تجدّد القتال في شمال قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي أنه تمكّن من “تفكيك البنية العسكرية” لحركة حماس في هذه المنطقة التي تشهد كارثة إنسانية بسبب الحرب، فيما أخفقت المحادثات التي تجرى بوساطة مصر وقطر في التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب. وقال وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، الاثنين إنه لا يرى إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة مع استمرار العمليات العسكرية على الأرض. وأعاد مقاتلو الحركة تنظيم صفوفهم منذ إعلان الجيش الإسرائيلي الذي صدر أوائل كانون الثاني/يناير وتعهد فيه بتركيز جهوده الحربية على المناطق الوسطى والجنوبية. وقال متحدث عسكري إن تجدد القتال في مخيم جباليا شمال قطاع غزة هو “ربما الأعنف” منذ أكثر من سبعة أشهر من الحرب التي اندلعت بعد هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتعهدت إسرائيل بتدمير حماس ردا على الهجوم، لكنها فشلت حتى الآن في تحقيق هدفها من الحملة العسكرية. ومؤخرا، اشتبك مقاتلون فلسطينيون والقوات الإسرائيلية في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة، وحي الزيتون بمدينة غزة، ومناطق أخرى. وقال مسعفون في غزة إن 23 شخصا على الأقل قتلوا في أحدث عمليات القتال، وأفاد سكان بأن المعارك محتدمة في جباليا بشمال القطاع. وذكر سكان أن الدبابات الإسرائيلية توغلت أيضا بشكل محدود في منطقتي وادي السلقا والقرارة بالقرب من مدينة دير البلح في وسط غزة التي لم تدخلها القوات الإسرائيلية حتى الآن بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على الحرب. وتوغلت إسرائيل وسط غزة الاثنين وقصفت بلدات في شمال القطاع وقالت إنها تعتزم توسيع عمليتها العسكرية في مدينة رفح بالجنوب رغم التحذيرات الأميركية من خطر وقوع خسائر بشرية فادحة هناك. وتشتد حدة القتال في جباليا، أكبر مخيمات اللاجئين التاريخية الثمانية في غزة، منذ نحو 10 أيام. وقال سكان إن المعارك جارية في قلب المخيم وفي أزقة ضيقة لم تدخلها القوات الإسرائيلية من قبل. وقال الجناحان المسلحان لحركتي حماس والجهاد الإسلامي إن مقاتليهما أطلقوا صواريخ مضادة للدبابات وقذائف هاون على القوات الإسرائيلية في أنحاء غزة بما في ذلك رفح. وأفاد الجناح المسلح لحماس إن معارك بأسلحة نارية تدور في ضواحي شرق رفح حيث تظهر مقاطع مصورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، دبابات خارج بعض المباني فيما سيكون مكاسب جديدة للقوات الإسرائيلية. واحتدم القتال بينما يجري مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان محادثات في إسرائيل. وقال البيت الأبيض إن سوليفان سيدعو القوات الإسرائيلية إلى ملاحقة مسلحي حركة حماس في غزة بطريقة الاستهداف وليس بهجوم واسع النطاق على رفح. لكن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت أشار إلى أن عملية رفح لن تتوقف بهدف تطهير المدينة من مسلحي حماس وإنقاذ الرهائن الذين اختطفتهم الحركة الفلسطينية. وجاء في بيان صادر عن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي أن جالانت قال لسوليفان “نحن ملتزمون بتوسيع العملية البرية في رفح حتى تفكيك حماس واستعادة الرهائن”. وتقول إسرائيل إن مدينة رفح على الحدود مع مصر آخر معقل لحماس. بينما تشعر القوى الغربية بالقلق إزاء مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين الذين يحتمون هناك رغم التأكيدات الإسرائيلية بأنه سيكون هناك ضمانات إنسانية. وطلبت إسرائيل من المدنيين إخلاء مناطق من المدينة في السادس من مايو/ أيار وبدأت التوغل بالقوات والدبابات. وتقدر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن 810 آلاف شخص فروا من تلك المناطق منذ ذلك الحين، أي ربما أكثر من نصف سكان رفح وقت الحرب. وأثارت خطة إسرائيل بشأن شن هجوم شامل على رفح أحد أكبر الخلافات مع حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة التي علقت شحنة أسلحة إليها بسبب المخاوف من مقتل عدد كبير من المدنيين. وأصدر الجيش السبت أوامر إخلاء جديدة للسكان بالقرب من مدينة غزة، جنوب جباليا، في إشارة إلى تجدد العمليات هناك. ووردت أنباء عن قصف إسرائيلي عنيف ومعارك في الشوارع في مخيم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة، وأعلن الدفاع المدني الفلسطيني أن قصفا إسرائيليا نفذ في وقت مبكر من صباح الأحد أسفر عن مقتل 31 شخصا. وقال خبراء لوكالة فرانس برس إن الدمار الذي لحق بغزة جراء القصف والقتال الإسرائيلي المتواصل، وعدم وجود حكومة فلسطينية بديلة، ساعد حماس على تجنيد المزيد من المقاتلين خلال الحرب. وقال الأستاذ في جامعة كينغز كوليدج في لندن أندرياس كريغ “إذا نظرنا إلى الدمار الذي حل بالمدنيين الفلسطينيين في جميع المجالات، فمن السهل جدًا تجنيد هؤلاء الأشخاص في المقاومة المسلحة”. ووفقا للخبراء، فإن شبكة الأنفاق الواسعة التابعة لحماس، والتي يقدر طولها بأكثر من 500 كيلومتر، لم تتضرر بشكل كبير، وتمتلك الحركة مخزونا من صواريخ “ياسين 105” محلية الصنع المضادة للدبابات والتي يتم إطلاقها بانتظام على القوات الإسرائيلية. وقال المحلل في مجموعة الأزمات الدولية مايكل وحيد حنا، إن مقاتلي حماس يستفيدون أيضًا من معرفتهم الواسعة بالمناطق. وأضاف “إنهم خصم متأصل يقاتلون على أراضيهم، وهذا يجعل الأمر أكثر مرونة”. واستهدفت إسرائيل كبار قادة حماس، لكن خبراء يقولون إن الطبيعة اللامركزية لهياكل قيادة الحركة الإسلامية تجعلها أقل عرضة للفراغ القيادي. وقال كريغ “هذه هي المشكلة برمتها في النهج الإسرائيلي، فهم يبحثون دائمًا عن القادة. ولكن في الواقع، إنها شبكة والشبكات لا تنهار”. وتمتلك إسرائيل أحد أقوى الجيوش في العالم، بحيث وصل إنفاقها الدفاعي إلى 27.5 مليار دولار العام الماضي، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وفي حربها ضد حماس، استخدمت إسرائيل أحدث التقنيات بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لكن خبراء قالوا إن النزاع السياسي داخل حكومة الحرب الإسرائيلية أضر باستراتيجيتها العسكرية. وقال الزميل المشارك في مركز تشاتام هاوس البحثي بلال صعب “لا يمكن تحقيق أهداف عسكرية مستدامة في غياب استراتيجية سياسية لليوم التالي”. وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي الحركة التي تسيطر على غزة منذ عام 2007، بلغ نحو 30 ألف مقاتل قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ومن غير الواضح عدد مقاتلي حماس الذين قتلوا في الحرب. ولم تحدد وزارة الصحة في غزة في بياناتها عدد هؤلاء. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هذا الشهر إن “14 ألف مقاتل قتلوا”. لكن الخبراء يقولون إن الحركة ربما تكون قادرة على تجديد صفوفها بسرعة. وذكر الخبير الأمني في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمعهد الملكي للخدمات المتحدة إتش إيه هيلر “مقابل كل عضو في حماس يقتلونه، يوفر الإسرائيليون إمكانية تجنيد أربعة أشخاص، بسبب الغضب الناتج عن العديد من المدنيين الذين يقتلهم جيش الدفاع الإسرائيلي”. ويتفق الخبراء على أنه سيكون من الصعب القضاء على حماس بشكل كامل. ورأى حنا أنه “احتمال صعب وغير واقعي أن نتصور أن إسرائيل قادرة على هزيمتهم بالكامل والقضاء عليهم”. وبحسب صعب “طالما أن الأنفاق والمقاتلين وعمليات التهريب موجودة، فسيكون هناك مستوى معين من القدرة القتالية”. وأضاف “يبقى السؤال: ما هو المستوى الذي ترغب إسرائيل في التعايش معه؟”. وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن 35 ألف فلسطيني على الأقل لاقوا حتفهم في الحرب المستعرة في القطاع، وتحذر منظمات إغاثة أيضا من انتشار الجوع على نطاق واسع ومن النقص الشديد في الوقود والإمدادات الطبية. وقُتل نحو 1200 شخص واحتُجز أكثر من 250 كرهائن في اجتياح مقاتلي حماس لجنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية. ويُعتقد أن نحو 125 شخصا ما زالوا في الأسر بغزة. ويقول الجيش الإسرائيلي إن أكثر من 280 جنديا قُتلوا في المعارك منذ بدء الاجتياح البري في غزة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول. ويتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضغوط متزايدة من داخل مجلس وزراء الحرب للالتزام برؤية متفق عليها لغزة تشمل النص على من قد يحكم القطاع بعد انتهاء الصراع. وبحسب استطلاع للرأي بثت نتيجته القناة 13 التلفزيونية الإسرائيلية الأحد، يعتقد 41 بالمئة من الإسرائيليين أن عملية رفح ستجعل ما يصفه نتنياهو بأنه “النصر الكامل” أقرب، بينما لا يعتقد 46 بالمئة ذلك.
مشاركة :