يعمل كبار المسؤولين في الولايات المتحدة وأفريقيا وأوروبا، على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة بزراعة الأشجار وإنشاء حدائق صغيرة وتركيب نوافير المياه والتوعية بآثار الحرارة الشديدة على جسم الإنسان. وصنف خبراء المناخ سنة 2023 بأنها الأكثر سخونة على الإطلاق، معتبرين أن حرارة الصيف الشديدة في نصف الكرة الشمالي جعلت منه الفصل الأكثر دفئا منذ حوالي ألفي سنة. ميامي (الولايات المتحدة) - يشهد عصر “الغليان العالمي” موجات حر أكثر فتكا. ويعمل عدد قليل من قياصرة الحرارة في الأثناء مع المسؤولين في مدن من ميامي إلى ملبورن. ويخوضون سباقا مع الزمن لتبريد المناطق الحضرية ومنع عشرات الآلاف من الموت. ويعمل سبعة من كبار مسؤولي الحرارة (جميعهم من النساء) في ميامي وملبورن ودكا وفريتاون وأثينا لزراعة الأشجار وإنشاء حدائق صغيرة وتركيب نوافير المياه والتوعية بآثار الحرارة الشديدة على جسم الإنسان. وقد تولت، منذ ثلاث سنوات، مجموعة أبحاث مقرها الولايات المتحدة مهمة مراقبة الحرارة. وقد أصبحت المهمة، رغم قصر هذه الفترة، أكثر إلحاحا حيث أكد العلماء أن الانبعاثات المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب (لأسباب أهمها استخدام الفحم والنفط والغاز) تدفع درجات الحرارة إلى “منطقة مجهولة”. كبار السن والنساء الحوامل والمزارعون والعاملون في الوظائف المؤقتة من بين الفئات الأكثر ضعفا، وخاصة في البلدان الفقيرة وكانت سنة 2023 الأكثر سخونة على الإطلاق. وتشير الأبحاث الجديدة إلى أن حرارة الصيف الشديدة في نصف الكرة الشمالي جعلته الفصل الأكثر دفئا منذ حوالي ألفي سنة. وكان هذا دليلا آخر على ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بـ”عصر الغليان العالمي”. واجتاحت موجات الحر بالفعل العديد من البلدان في آسيا خلال 2024، وحصدت أرواحا وعطلت التعليم وأضرت بسبل العيش. ويستعد سكان أوروبا لتسجيل المزيد من درجات الحرارة القياسية خلال أشهر الصيف المقبلة. ويُذكر أن القارة سجّلت ما يصل إلى 61 ألف وفاة خلال موجات الحر في 2022. وقالت كريستا ميلن، الرئيسة المشاركة لشؤون الحرارة في ملبورن، إن الكثيرين لا يزالون رغم هذا لا يفهمون مدى خطورة الحرارة الشديدة. وأضافت “تقتل الحرارة في أستراليا وجميع أنحاء العالم عددا أكبر من الأشخاص يتجاوز أي خطر طبيعي آخر. لكن الناس لا يفهمون أنها مشكلة ولا يستعدون لها بالتالي”. ويمكن أن تسبب الحرارة الشديدة ضربة الشمس أو الفشل الكلوي وتفاقم أمراض القلب أو الجهاز التنفسي. ويعد الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل والمزارعون والعاملون في الوظائف المؤقتة من بين الفئات الأكثر ضعفا، وخاصة في البلدان الفقيرة. وقال تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة في أبريل إن نحو 19 ألف شخص يموتون سنويا بسبب إصابات في مكان العمل تعزى إلى الحرارة المفرطة. وأضافت ميلن “الحقيقة البسيطة هي وجود نقطة لا يمكن أن يبرد فيها الجسم”. وتقرر إنشاء مناصب كبير مسؤولي الحرارة عبر مبادرة من مركز المرونة التابع لمؤسسة أدريان أرشت روكفلر (أرشت-روك) ومقره الولايات المتحدة. وقال المركز إن موجات الحر ستؤثر على أكثر من 3.5 مليار شخص على مستوى العالم بحلول2050. وأكد أن نصفهم في المراكز الحضرية. قالت إليسا فيتبارجياني، التي عُيّنت كبيرة مسؤولي الحرارة في أثينا في مايو 2023 إن “الحرارة هي الخطر المناخي الأكثر فتكا. إنها قاتل صامت”. رش المياه لتبريد الأجواء رش المياه لتبريد الأجواء وكانت أثينا المدينة الأولى في أوروبا التي صنفت موجات الحر من الفئة 1 إلى الفئة 3، مما دفع السكان إلى البقاء في منازلهم أو إلغاء الأحداث الرياضية المُقامة في الهواء الطلق. وقالت بارجياني إن التصنيف يساعد المسؤولين على تقييم ما إذا كانوا بحاجة إلى إغلاق المواقع السياحية مؤقتا، مثل الأكروبوليس القديم. وغالبا ما تكون المدن أكثر سخونة بعدة درجات مقارنة بالمناطق الريفية القريبة لأن الحرارة التي تحتجزها مجموعات كثيفة من الطرق والمباني الخرسانية المطلية بالألوان الداكنة تخلق تأثير “الجزر الحرارية الحضرية”، مما يعني أن درجات الحرارة لا تنخفض خلال الليل أيضا. وذكرت وكالة البيئة التابعة للاتحاد الأوروبي أن حوالي نصف المدارس والمستشفيات يقع في المدن الأوروبية في “الجزر الحرارية الحضرية”، وهي مناطق تتجاوز المتوسط الإقليمي بدرجتين مئويتين على الأقل. ويهدف كبار مسؤولي الحرارة إلى نشر الوعي بمخاطر هذه الحرارة الشديدة وتنسيق الإجراءات للتخفيف منها. وفي مدينة فريتاون (سيراليون)، تعاونت يوجينياكارغبو، كبيرة مسؤولي الحرارة، مع أرشت-روك، لوضع أغطية مظللة لثلاثة من أكبر أسواق الشوارع المنصوبة في الهواء الطلق، مما وفر الحماية لحوالي 2.300 تاجرة وضمن عدم تلف منتجاتهن لفترة أطول. وتشمل هذه الأغطية منخفضة التكلفة ألواحا شمسية توفر الضوء في الليل، مما يمكن المشترين من التسوق لفترة أطول. مجلس مدينة ملبورن يهدف إلى زراعة 3 آلاف شجرة سنويا لتعزيز مرونة مناطق الغابات وتبريد المدينة بمقدار 4 درجات مئوية ويهدف مجلس مدينة ملبورن إلى زراعة 3 آلاف شجرة سنويا لتعزيز مرونة مناطق الغابات وتبريد المدينة بمقدار 4 درجات مئوية. ويُذكر أن المنطقة سجّلت 39 درجة مئوية في مارس. كما اقترح المجلس قاعدة تخطيط جديدة تتطلب أن تحتوي المباني المستقبلية على قدر معين من المساحات الخضراء اعتمادا على حجمها. وقالت ميلن، التي تتقاسم وظيفة كبير مسؤولي الحرارة مع تيفاني كروفورد، إن الهدف يكمن في ضمان النظر إلى جميع القرارات المتعلقة بالمدينة من خلال “عدسة حرارية”. وبعيدا عن ملبورن وأثينا، أقامت العديد من المدن في الولايات المتحدة وآسيا مراكز تبريد لمساعدة السكان على مقاومة موجات الحر. كما طورت بعض المدن تطبيقات تخبرالمستخدمين بطرق المشي الأكثر ظلا بين نقطتين، ورسمت خرائط للنقاط الساخنة تسمح للمسؤولين بإنقاذ الأشخاص الأكثر تضررا. واعتاد سكان العاصمة البنغلاديشية دكا، وهي مدينة مزدحمة تقل فيها المساحات الخضراء والظل، على قضاء صيف حار ورطب. وترى مسؤولة الحرارة في المدينة بشرى أفرين أن هذا يعني صعوبة زيادة الوعي. وقالت “لا يزال الكثيرون غير مدركين للآثار الأكثر فتكا التي تسبّبها الحرارة الشديدة، أو الفرق بين ما كان طقسا حارا عاديا آمنا وموجة الحر الخطرة”. وأضافت “لذلك يتوجب علينا الآن إقناع السكان بأن عليهم التريث والراحة، وشرب الماء والبحث عن الظل، وحتى التوقف عن العمل إذا شعروا بتوعك للبقاء على قيد الحياة في الحرارة. لكن هذا الخيار صعب بالنسبة للفقراء”. كما لن يكون العديد من هؤلاء الأشخاص قادرين على تحمل تكاليف مكيفات الهواء. وارتفعت درجات الحرارة في بنغلاديش (التي تحتل المرتبة السابعة بين أكثر الدول عرضة لتغير المناخ) إلى أكثر من 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت) في أبريل. وأجبر هذا المدارس على إغلاق أبوابها إلى جانب المؤسسات التعليمية في الفلبين والهند. المراوح المحمولة حل أيضا المراوح المحمولة حل أيضا وأكدت أفرين وجود خطط لحملة توعية بالحرارة ستُنفذ أواخر مايو مع توزيع “مجموعات التبريد”، بما في ذلك المراوح المحمولة والكتيبات الصحية. وستُركّب نوافير المياه في الأماكن العامة مثل الأسواق ومحطات الحافلات، وستُزرع الآلاف من الأشجار المثمرة. لكن أفرين تعلم أن مهمتها ستزداد صعوبة. وقالت “من المحتمل جدا أن تكون درجات الحرارة القياسية هذه من بين أبرد فصول الصيف التي سنشهدها من هنا فصاعدا. ستزداد الحرارة الشديدة الناتجة عن تغير المناخ سوءا حتى نتخذ إجراءات ناجعة للتخفيف من الغازات الدفيئة”. وتسبب الأنشطة البشرية في ارتفاع متزايد في درجة الاحترار العالمي، ومن بين العواقب المترتبة على ذلك: موجات الحرّ الأكثر شدّة وارتفاع مستويات سطح البحر. ومن المرجح أن تتفاقم الأمور في العقود المقبلة، فيما يقول العلماء إنَّ اتخاذ إجراءات فورية قد يقلل من تأثيرات التغير المناخي السلبية بشكل كبير. وتغير المناخ هو التحول على المدى الطويل في متوسط درجات حرارة الأرض والظروف الجوية. وخلال العقد الماضي، كان العالم أكثر دفئا بنحو 1.2 درجة مئوية في المتوسط عما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وأصبح من المؤكد أنَّ ظاهرة الاحتباس الحراري تجاوزت 1.5 درجة مئوية خلال فترة 12 شهرا بين فبراير 2023 ويناير 2024، ويأتي ذلك بعد إعلان 2023 العام الأعلى حرارةً في التاريخ. وتأتي الزيادة في درجات الحرارة بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، وعززتها ظاهرة النينيو المناخية الطبيعية، وهي ظاهرة مناخية واسعة النطاق تنطوي على تقلب درجات حرارة المحيطات في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، إلى جانب التغيرات التي تطرأ على الغلاف الجوي العلوي.
مشاركة :