ما مدى تأثُّر نومنا بغياب المساحات الخضراء عن عيوننا؟

  • 5/22/2024
  • 12:57
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

  خلق الله الجنّة ليتنعّم فيها الإنسان، والجنّة في اللغة هي الحديقة ذات النخل والشجر، ولا يخلو الكون في دُنيانا من مساحات خضراء يطّلع عليها بعض الناس كل يوم، ويستمتعون بمظهر الطبيعة الخلاّب، مع سكينةٍ تغمرهم إذ ينظرون إلى الأشجار والحدائق الغنّاء، لكن مع التحضُّر وكثرة المباني في المدن الحديثة، وتناقُص المساحات الخضراء، زادت الأمراض النفسية واضطرابات النوم وحتى الاضطرابات الجسدية، فما مدى تأثُّر نومنا وصحتنا بغياب المساحات الخضراء عن عيوننا؟ أي منطقة غنية بالأشجار، أو الأعشاب، أو غيرها من النباتات هي مساحة خضراء، مثل الغابات أو المتنزهات التي بها ممرّات للمشي، أو الأحياء التي تُظلِّلها الأشجار، أو حتى الحدائق المُجتمعية. ومن الضروري للإنسان أن يطّلع على مثل هذه المناطق من وقتٍ لآخر بعيدًا عن المدن الحضرية المزدحمة، ولذلك يُفضّل أن يسكُن الإنسان قريبًا من مثل هذه المناطق؛ لتنفُّس الهواء النقي والاستمتاع بالطبيعة الخلّابة. يُمكِن للمشي في الحدائق أو المساحات الخضراء صُنع العجائب لصحة الإنسان، إذ يحمل العديد من الفوائد الصحية، مثل: بل في إحدى الدراسات، كان التعرُّض للمساحات الخضراء مُفيدًا للأفراد الذين يُعانُون أمراض القلب ومشكلات الصحة العقلية، ومشكلات النوم.   كلُ ما حولنا ويُحِيط بنا يُؤثِّر في نومنا بلا شك، فالمساحات الخضراء تُوفِّر بيئة هادئة تُساعِد الناس على الاسترخاء، والتخلص من التوتر، ما يُسهِم في الحصول على نوم مُريح بالليل. ولأنّ المساحات الخضراء تُشجِّع النشاط البدني للإنسان، فهذا أيضًا قد يُحسِّن النوم؛ نظرًا لارتباط النشاط البدني بتحسُّن جودة النوم، وعلاوة على ذلك، فإنّ المساحات الخضراء أيضًا تُقلِّل مستويات ثاني أكسيد الكربون في الهواء، ما يُساعِد على تحسين النوم. اقرأ أيضًا:لماذا لا نتذكر أحلامنا عند الاستيقاظ من النوم؟ قليل من الدراسات التي تناولت الرابط بين المساحات الخضراء وجودة النوم. وحسب دراسةٍ سويدية، فإنّ البالغين الذين لديهم قدرة أكبر على الوصول إلى المساحات الخضراء بالقُرب من منازلهم لديهم صعوبات أقل في النوم مقارنةً مع غيرهم. وفي استطلاع أُجري للبالغين في الولايات المتحدة الأمريكية، ارتبطت وسائل الراحة الطبيعية بورود تقارير أقل عن قلة النوم، وقد كان الوصول للمساحات الخضراء وقائيًّا بشكلٍ خاص للأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر. أيضًا قد يُؤثِّر مدى قُرب الإنسان من المساحات الخضراء من حوله على مقدار الوقت الذي يقضيه في السرير، ففي دراسةٍ أُجريت مع أستراليين، أفاد أولئك المُقيمون في أحياء بها الكثير من المساحات الخضراء بانخفاض خطر التعرُّض للنوم مدة قصيرة "أقل من 6 ساعات في الليلة". وتتبّعت دراسة أخرى ما إذا كان القاطنون على بُعد 1.6 كيلومتر من المساحات الخضراء أقل عُرضةً للمعاناة من عدم كفاية النوم على مدى 6 سنوات، فوجدوا أنّ هناك انخفاضًا في فرص الإصابة بقصور النوم بنسبة 13% لدى الأشخاص الذين يقطنون في أماكن تُمثِّل ظلال الأشجار فيها 30% أو أكثر على بُعد 1.6 كيلومتر من منازلهم، مقارنةً مع غيرهم مِمّن تُمثِّل نسبة المساحات الخضراء على المسافة نفسها أقل من 10%. وإلى جانب ذلك أشارت الدراسات إلى أنّ المساحات الخضراء قد يكون لها تأثير إيجابي على نمط معيشة الناس، إذ إنّها تُشجِّعهم على الانخراط في التمارين البدنية، وتُقلِّل السلوكيات الضارّة، مثل التدخين، وذلك بجوار تعزيز النوم لفترات أطول وبجودة أفضل.   تحمل المساحات الخضراء فوائد عديدة للصحة النفسية للإنسان، مثل: وقد وجدت الدراسات الحديثة أنَّ النظر إلى الطبيعة والمساحات الخضراء من خلال نافذة أو شرفة، يُمكِن أن يخفض ضغط الدم ومستويات القلق، حسب "Webmd"، بل كُلّما تعرَّض الإنسان للمساحات الخضراء، تحسّنت صحته النفسية. وقد وجدت إحدى الدراسات أنّ الأطفال الذين يمكنهم الوصول إلى المساحات الخضراء هم أقل عُرضةً للإصابة بأمراض عقلية أو نفسية في سنوات المراهقة ومع وصولهم مرحلة البلوغ. اقرأ أيضًا:كيف تستأنف النوم بعد الاستيقاظ في منتصف الليل؟ وللمساحات الخضراء فوائد اجتماعية أيضًا، أبرزها ما يلي: الناس بمختلف أعمارهم يرغبون في قضاء أكبر قدرٍ ممكن من الوقت في الحدائق والمتنزهات، وتُعزِّز المساحات الخضراء النشاط البدني والتفاعل الاجتماعي عند الأطفال، وقد كشفت بعض الدراسات عن أنّ الأطفال القاطنين في أحياءٍ فقيرة الحدائق كانوا أكثر عُرضةً للخمول وقلة الحركة، إضافةً إلى قضاء أكثر من 4 ساعات كل يوم أمام الشاشة، والمعاناة من مشكلات النوم. بل وكان هؤلاء الأطفال أيضًا أكثر عُرضةً للإصابة بالسمنة واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط "ADHD"، ما يعكس أهمية لعب الأطفال في المساحات الخضراء لصحتهم الجسدية والنفسية.   تطوَّر التمدُّن والتوسُّع الحضاري بسرعةٍ مهولة في القرون الأخيرة، واليوم يعيش أكثر من نِصف سكّان العالم في بيئات حضرية "نحو 4 مليارات نسمة"، ويُتوقَّع أن يعيش ثُلثا سُكّان العالم في أماكن حضرية بحلول عام 2050. فالعيش في البيئة الحضرية مهم للناس؛ لتحسين فرص العمل، والتعليم، والحصول على الرعاية الصحية، وما إلى ذلك، لكن لكل شيءٍ إذا ما تمّ نُقصان، ولذلك فإنّ الإنسان يدفع في مقابل ذلك استنشاق هواء مُلوّث، وزيادة استهلاك الطاقة، ومشكلات التخلّص من النفايات، إضافةً إلى نقص المساحات الخضراء، فصعوبة الوصول إلى هذه المساحات يُعدّ تحديًا للصحة العامة لا ينبغي الاستهانة به.

مشاركة :