القاهرة - سامية سيد - "إزاي حياتي خلصت كدا؟ خلصت فاضية.. لا حبيت بجد.. ولا أتجوزت بجد.. ولا خلفت.. كله كان تمثيل، الحاجة الوحيدة اللي كانت بجد كان التمثيل" بملامح هزيلة يطوقها العجز وصوت فاقد للذة الحياة، ومشاعر مختلطة بين الحسرة والقسوة والندم، طلت علينا الفنانة القديرة عايدة فهمي، لتقدم لنا تلك الفريدة التي لمست كل شخص يجلس أمامها حد البكاء، فشخصية فريدة التي قدمتها على مسرح الطليعة التابع للبيت الفني للمسرح والذي يديره الفنان عادل حسان، ومن إخراج وتأليف أكرم مصطفى، هى تجربة إنسانية مختلفة، استطاع المؤلف فيها أن يرصد حالة قد يعيشُها الكثير. "كنت في الجنة وطردت منها" ما أقسى هذا الشعور على الإنسان، أيعقل أن يشعر أحدهم أنه قد طرد من الجنة؟ وأي جنة تلك التي توجد على الأرض؟ في الحقيقة أن الإجابة نعم، فتخيل معي حكاية فريدة التي كانت تعيش وسط الأضواء، نجمة كبيرة يتهافت عليها الناس ليلتقطوا ولو صورة واحدة معها، أو يسلمون يداً بيد عليها، نجمة عندما تذهب لأي مكان تفتح لها كل الأبواب المغلقة، وتتيسر لها كل الصعاب فقط لأنها النجمة، تسافر وتحلق بعيداً في السماء، تقابل الأمراء والوزراء، تعيش مجدها وهي في ريعان شبابها، يرتمي تحت أقدامها مئات من قصص الحب وترفضها، لتظن كما يظن الكثير من الفنانين ويقولون كلمتهم الشهيرة "لقد تزوجت الفن". وفجأة تستيقظ على كابوس بعدما يمر العمر وتصل لأرذله، ذلك الكابوس الذي يسلبها حياتها لتجد نفسها وحيدة بين أربع جدران، لم يدق جرس الباب أو حتى الهاتف، لم يتذكرها أحد، وحتى لو جاءت بمحض الصدفة على رأس أحدهم بالتأكيد لا يتوقف عندها أبداً، فبالنسبة للجميع قد انتهت وظهر المئات من الجميلات مكانها، هل شعرت الآن بمرارة ومعنى طُردت من الجنة؟ في إحدى الليالي عندما كان هذا الشعور يسيطر على فريدة قررت أن تخرج وتذهب للمسرح التي طالما وقفت على خشبته، لتشاهد إحدى المسرحيات، وفي الحقيقة كانت تريد أن تتذكر نفسها وتستعيد كل الأحداث، توقعت فريدة أن يستقبلها فنانو المسرح بحفاوة لكنها خابت توقعاتها، وبعدما انصرف كل من يعمل في المسرح، أبت فريدة أن تنصرف واصطحبت معها زجاجة الخمر التي كانت رفيقتها في سنواتها الأخيرة بالرغم من تحذيرات الطبيب منها، إلا أنها لم تجد رفيقا سواها، فضربت بكلام الطبيب عرض الحائط وظلت محتفظة بها. بدأت فريدة في تذكر الشخصيات التي قدمتها علي المسرح وفي لحظة انفرد الظهر المنحني، وصغرت الملامح العجوزة ووجدنا أمامنا ليدي مكبث تلك السيدة القوية وقدمت فريدة منولوجها الشهير، ليقطعها صوت الهاتف لتلك الصديقة التي كانت تتابعها خوفاً عليها عندما علمت أنها بمفردها في المسرح، ولوهلة نظن أن فريدة لها صديقة مقربة ولكن تصدمنا فريدة بأن تلك الصديقة لم ترها منذ شهور ولم تحدثها إلا على فترات متباعدة، وبعد أن أغلقت الهاتف تعود فريدة لتقدم لنا رائعة ميديا بأداء قوي ورائع وكأنها تستعيد مجدها. وظلت فريدة تقدم دوراً عقب الآخر من ملكة لمجنونة لعاهرة لقاتلة لفلاحة، ليقطعها صوت أحدهم وهو عامل في المسرح يتفاجأ بوجودها على خشبة المسرح ويطلب منها أن تنصرف، ليعود لها من جديد شعور الخيبة، وتلملم نفسها قبل أن تلملم أشياءها وتنصرف من المسرح لتعود لوحدتها من جديد. في الحقيقة بجانب تقديم الفنانة القديرة عايدة فهمي لهذا الدور ببراعة اقشعرت لها الأبدان، وتقديم المخرج والمؤلف أكرم مصطفى لهذا النص بنفس مستوى الإتقان، إلا أن هناك عنصرا هاما لا نستطيع إغفاله وهو الديكور الذي يعتبر من أهم العناصر المرئية على خشبة المسرح، فالمهندس عمرو عبد الله صنع حالة بالديكور بلورت فكرة المسرحية وعبر عن أحداثها بموتيفات بسيطة يظهر عليها العجز هي أيضاً، لكن كان لكل منها استخدام عميق لنجد أن المرآة والشماعة والباب تلعب أدواراً في العرض المسرحي وليس مجرد قطع ديكور بجانب الإضاءة التي صممها كذلك لتخدم كل مشهد في المسرحية، بجانب كذلك الموسيقى الرائعة للموسيقى محمد حمدى رؤوف والتي تعتبر من أهم العناصر المعبرة خلال العرض. فنحن في النهاية وبعد انتهاء العرض نجد أننا انصهرنا معه وعيشنا تفاصيله وكأن كل منا كان تلك الفريدة في لحظة، ومع تحية العرض نجد الحضور يهمون بمسح دموعهم التي سقطت تأثراً بفريدة أو تأثراً بأنفسهم، ففريدة ليس عرضا مسرحيا فحسب بل هي قصة كل من سلبتهم الحياة حياتهم .. وكل منّا يختار حياته. يمكنكم متابعة أخبار مصر و العالم من موقعنا عبر جوجل نيوز
مشاركة :