بعد توقف دام أكثر من أربع سنوات، سيجتمع قادة الصين واليابان وكوريا الجنوبية هنا لحضور فعاليات النسخة التاسعة من اجتماع القمة الثلاثي. ويأتي استئناف الاجتماع الثلاثي على خلفية تصاعد الحمائية والنزاعات المسلحة وإعادة هيكلة سلسلة الإمداد. وتتحمل البلدان الثلاثة، بوصفها دولا رئيسية في آسيا واقتصادات رائدة في العالم، مسؤولية عميقة للتعبير عن التزام لا يتزعزع بتعزيز التعاون الثلاثي. ويبرز الإطار التعاوني بين البلدان الثلاثة، الذي ولد وسط الاضطرابات التي أعقبت الأزمة المالية الآسيوية في عام 1999، باعتباره مثالا للتعاون المتعدد الأطراف في شرق آسيا والذي يتمحور حول اجتماعات القادة وتدعمه شبكة من الاجتماعات الوزارية واجتماعات لكبار المسؤولين وأكثر من 70 آلية على مستوى العمل. وحالت جائحة كوفيد-19 دون عقد اجتماعات القمة. ومع ذلك، فإن التحديات التي تعوق استئنافها فاقمتها النزاعات والتوترات الثنائية. وفوق كل ذلك، زاد التدخل الخارجي المستمر من عدم استقرار التعاون الثلاثي. يعد استئناف آلية التعاون الثلاثي أمرا حتميا لأن المصالح والفوائد المشتركة للتعاون بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية جعلت تجديد الحوار والتعاون شأنا ملحا. وبعد كل ذلك، فالبلدان الثلاثة دول جارة لا يمكن المباعدة بينها، وشرق آسيا هو الموطن المشترك لها. والفوائد المترتبة على التعاون الثلاثي تتجاوز بمراحل الخلافات بين هذه الدول المتجاورة القريبة. ويخدم تعميق التعاون الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية المصالح المشتركة للأطراف الثلاثة. من حيث التجارة والاقتصاد، تعد الصين أكبر شريك تجاري للبلدين الآخرين. ويؤكد توقيع الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي تضم الصين واليابان وكوريا الجنوبية، على الحاجة إلى زيادة التكامل الاقتصادي بين هذه الدول صاحبة المصلحة الرئيسية. وقد سهل هذا التعاون الثلاثي تقدم الدول المشاركة وأسفر عن فوائد ملموسة لسكان المنطقة الأوسع. ويمثل عدد سكان الصين واليابان وكوريا الجنوبية مجتمعة خمس الإجمالي العالمي، ويشكل ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة نحو ربع الإجمالي العالمي. ومما لا شك فيه أن البلدان الثلاثة هي المحركات الاقتصادية الرئيسية في شرق آسيا وخارجها. وسيسهم تعزيز التعاون الثلاثي بين الدول الثلاثة إسهاما إيجابيا في التنمية الإقليمية والعالمية. وفي رؤية التعاون الثلاثي للعقد المقبل، وهي وثيقة تعاون صدرت خلال اجتماع القمة الثلاثي الأخير في عام 2019، تعهدت الدول الثلاث بالعمل على تطوير نموذج تعاون موجه نحو المستقبل يتميز بالسلام والصداقة والمنفعة المتبادلة لجعل التعاون الثلاثي منصة للسلام والاستقرار والتعاون الإقليمي وقوة مهمة للتنمية والازدهار العالميين. ويجب على الدول الثلاث إعطاء الأولوية للتعاون الأعمق عبر مختلف القطاعات، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر الاقتصاد والتجارة والثقافة والتكنولوجيا. ومن خلال الاستفادة من نقاط القوة والموارد الخاصة بكل منها، يمكنها أن تعزز الاستقرار والازدهار الإقليميين بينما تعمل أيضا على تهيئة بيئة مواتية للسلام والتعاون. في السنوات الأخيرة، لعبت واشنطن على الفوارق الأيديولوجية وقامت بتشكيل زمر حصرية، تسعى إلى استبدال التعاون والانسجام بالمواجهة والخلاف لتعزيز أجندتها الجيوسياسية الخاصة. ومن خلال تأجيج الانقسام والعداوة، فإن تكتيكات الهيمنة هذه لا تعرقل استقرار المنطقة وازدهارها فحسب، بل تفسد أيضا التعاون والتقدم الحقيقيين. وباعتبارها اقتصادات كبرى في آسيا، تتحمل الصين واليابان وكوريا الجنوبية مسؤولية خاصة للدفاع عن القيم الشاملة المتأصلة في آسيا. وهذا يستوجب تغذية الشعور بالاستقلال الإستراتيجي، والحفاظ على الانسجام والاستقرار الإقليميين، والرفض الصارم لأي إحياء لعقلية الحرب الباردة. وفي إعلانها المشترك الافتتاحي الصادر قبل 21 عاما، التزمت الدول الثلاث بدفع التنمية وتعزيز التعاون في شرق آسيا وحماية السلام والازدهار على الصعيدين الإقليمي والعالمي من خلال تعاونها الثلاثي. فليكن هذا التعهد بمثابة تذكير بالدور الحيوي الذي يلعبه التعاون الثلاثي بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية في تشكيل مستقبل المنطقة وخارجها.■
مشاركة :